عقيق الكلمات ، في شهيق الصّحو في تجربة الشّاعرة التُّونُسية " هدى كريد
عقيق الكلمات ، في شهيق الصّحو في تجربة الشّاعرة التُّونُسية " هدى كريد بقلم : حسن بنعبدالله أعلمُ أنني سأنزل موطأ البحث من واسع الإدراك أنها ذات قامة أدبية كنخلة دائمة الاخضرار ومباركَةُ .. تأتي نصوصها الرطبة متى ترى الشّمس مشرقة من صباحات الوطن .. ومن غروبها مع الواحة إلى أقاصي الوجود .. ومن أريج الوعي التونسيّ امرأة أستاذة، واجتماعية وأديبة ، وإعلامية : جمعت فأقنعت وأرست قواعدها : " أنثى فوق الغمام " و" أبية نحو الأمام " ولها في المواقف باع وباع ، لا تتركها شاردةً ، وتقتنصها واردةً بعقلها وقلبها ويقينها .. تلتقي عند أنفاسها أسباب السّير والنّظر ومعاني التّسديد والمقاربة . أينما حلّت تُضئ ،وكلّما كتبت أقنعت وفتحت على الأعماق وأرسلت بالوميض .. تتأجّج كلماتها كالجمر أحيانا وتُلهبُ من حيث اكتواء اللّحظات عندما ترتكب إصرارها على العناد .. ـ أعلمُ أنني اقتربتُ من تجربتها ـ تعلمُ هيَ ذلك أو لا تعلم لأنني أؤمن انّ النّقد رسالة وأمانة ـ لا يقبل المجاملة ولا النفاق ولا الرياء ـ ولا " من أين تُؤكلُ الكتفُ " كما يُقال وأدري أنني قرأت روائعها فألهمتني هذا الاستباق وأقنعتني بوجودها في قلب القصيدة وفي نبض الوعي التأسيسي لتجربة حقيقية لأن القواعد صحيحة والارتكاز عميق ومتون اللغة متوفرة .. والمعين دواوينٌ وقواميس متعدّدة ، ومعجم لغوي تنوعت فيه الحقول الدلالية وأساليب مختلفة .. والخطاب من مواعيد عاشتْ .. ومن أسانيد راجتْ .. ـ والأهمّ من روح ضاحكة حتّى الرخاءْ وباكية حتّى العزاءْ وهي المؤشرات التي التقطتُها والتقطتْني لكي أكونَ في صميم هذه المقاربة لعلّني أستطيع الولوج بشوق واهتمام إلى عالمها الرّحبُ فاحترتُ في البِداية مِنْ أينَ أبدأُ ؟ ـ أَمِنْ قصيدتِها الرّائعة " خطوطٌ بلا استِواء "؟ ـ أم من سيرتها الأدبية الواسعة فاخترتُ الباب المزخرف بألوان العطاء وأشكال الثّقة ونقوش الماضي والحاضر على قياس الذوق التُّونسيّ / العربيّ / الأصيل : وهي التي اكتسبت في رصيدها ألقابا مهمة تليق بحضورها بين الأديبات والأدباء " أيقونة الثقافة العربية و" عاشقة الكلمة " لخ ... فاخترتُ آخر تحيين لهذه السّيرة الفاخرة التي أتقن إخراجها الدكتور موسى الشيخاني عرار ـ " في ذات إخراجٍ له وهو المؤسّس والمشرف على المشروع العربي الأضخم في العالم العربي على مستوى أهمية التخصّصات والمستويات الأدبية والفكرية والإعلامية فنالها شرف " أن كُلّفت بإدارة سيرة وصورة الدراسات الأدبية والنقد والنقد المقارن ـ وهي جديرة وسفيرة في سفرها هذا بامتياز عن تونس في كلّ الأصقاع تشرّف بلدها وتُشرّف المرأة العربية ـ شخصية ذات اعتبار أدبي وفكري واجتماعي ـ هدى كريد : عاشقة الكلمة الشاعرة / هدى كريد الاسم : هدى كريد بن الشيخ الجنسية : تونسية مسقط الرأس والإقامة : صفاقس - تونس الحالة الاجتماعية : متزوجة المؤهل : إجازة اللغة والآداب العربية المهنة : أستاذ اللغة العربية النشاط : شاعرة ، قاصّة وناقدة ـ التفاعل الثقافى: عضو رابطة الكتّاب العرب على الفيس بوك ، عضو مجلة الرائد الأدبية الثقافية ، عضو الرابطة العربية للومضة القصصية ، المشاركة الأدبية في أيّام قرطاج الشّعريّة ، المشاركة في ملتقى الأقلام الواعدة بصفاقس ـ الإصدارات الأدبية : ومضات ضمن الكتاب الرابع لكنوز القصة الومضة 2018 .، مقالات نقدية فى أنتلجسيا للثقافة والفكر الحرّ مقالات نقدية فى شبكة ميديا نيوز الدولية، إصدارات أدبية على جوجل ، إصدارات أدبية على اليوتيوب قصائد في جريدة إشراقة الشّرق ومجلّة الهيكل
ومن هذا الفسيح الذي استأنست لأخذه أفكاري ـ في وارد " الكلام على الكلام " ـ وليس كلّ الكلام ـ ولكن من الفتح على مكونات إبداعية وجمالية ـ تروم عشق القيمته على مستوى البناء ، والفكرة والاحتواء وكل معاني الكتابة من فعل الغبطة ومن حضور اللحظة الدائمة حتّى قيامة المحتوى هذا البهيج : خُطُوطٌ بلا استِوَاء " .. يا أيّها الطّين المعفّر حذار لا تشكّل الهباء يا صوت مردة آبقة من قماقم سليمان كفّ عن الوساوس والهذر نذرت لنفسي رهيف صمت لو أحرّر كلّ تفاصيلي منّي ومنك لو يبرق ثغري ويلفظ أصداءك الفارغات يغرورق قلبي طفلا شريدا أضاعه الأبد ــ ومن قراءتي الأولى : رأيت عمق الصُّورة وقيمة الإيحاء الدّلالي الذي يؤسّس عمران النصّ .. ويُعدّ مصطلح الصورة الشعريّة من الركائز الأساسيّة من بين المصطلحات التي تُبنى عليها دراسة النصّ الشعريّ الحديث ، وتُعدّ الأداة الأوضح التي تقودنا إلى استكشاف تجربة الشاعر، وإدراك أبعادها والحاوية التي تستوعب تلك التجربة ، وتوضحها عن طريق السموّ باللغة ، وتحشيد طاقات الكلمة .. فالصورة تتكوّن في مخيّلة الشاعر مع تبلوُر النصّ الشعريّ ذاته ، وليست شكلًا منفصلًا عنه .. ـــ وعليه ، فإنّ جماليّة الشعر وقوّة دلالاته تتمثّل في الإيحاء عن طريق الصور الشعريّة لا في التصريح بالأفكار المجرّدة ولا المبالغة في وصفها، تلك التي تجعل المشاعر، والأحاسيس أقرب إلى التعميم والتجريد منها إلى التصوير والتخصيص، ومن ثَمَّ كانت للصُّورة أهمّيّة خاصّة ... وتُعدّ الصُّورة الشعريّة السّمة الأسلوبيّة التي يتميّز بها شاعر من آخر لأنّها انعكاس حتميّ لانفعالاته النفسيّة التي يكون عليها، وهي الوسيط الأوضح الذي يستكشف من خلاله تجربته الفنّيّة ويتفهّمها ليمنحها القيمة والنظام .. فهي التّركيبة الفنّيّة التي تحقّق التّوازن بين المستوى المطلوب والمُنجز، أو المتاح تفاوتًا بين التقريريّة والإيحاء الفنّيّ وهي الفاصل بين الظاهر والباطن، “وتظلُّ الصّورة هي عنصر العناصر في الشعر، والمحكّ الأوّل الذي تُعرف به جودة الشاعر، وعمقه، وأصالته . ومن المميّزاتِ الحاصلةِ التي رسخت في ذهني بعد قراءات متأنية للعديد من القصائد المنشورة للأديبة التونسية هدى كريد ميزة التركيز على الصورة التي تُثبّتُ المضمون الفطري أو الوجداني الذي تختاره الشاعرة في حالة وعيٍ وفي مناخ هي التي تُحيطُه بها من داخل اللغة فتختار الكلمات بدقّة وتلتزم الوصف الدقيق والأنيق وتَعطي لكل حالة مساحتها أثناء البناء الشيء الذي يفرضُ قيامة النّصّ على أسس تمكنه من الوقوف في ذهن واهتمام القرّاء عموما والناقد خصوصا .. وهي بحرفية وانتباه تُجيدُ التطريز من داخل الزخارف ومن وراء الخيال وفي مسار الخطوط بين السيرة والمحسوس ، وبين الضرورة والالتباس لعلّها تحقّق التّمكُّنَ وهي غاية كلّ مبدعٍ يخوض عمر البوح وغمار التجربة .. وحتّى أربط بين العنوان الذي اخترته وقيمة على ثغر شاعرتنا الأنيقة هدى كريد أمكّنّ نصّها من تأكيد هذا المعنى : عقيق على تغري نسيمات افترّت على حروف مباركة التقطها الشغف سأغلق بابي على أسرار الدّم وأرنو إلى الشعر الأخضر وألملم شظايا المروج وأمتشق سحابا لا ينحدر إلى جرح كم كنت بين حضور وغياب وتقاسمني الخطايا وضاع دمي بين الوجع والخذلان سنة أتت .. وتلك اليوم مضت ظلال ضياء مواربة نجوم انخسفت وسوسان على حافة الضياع سبحان الذي أسرى بي من زمن .. إلى زمن ومن عدم إلى ميلاد .. بلا مناغاتي تغضّن إحساسك ماتت جذوة الشّوق على أعتاب أشباه نساء خاويات قرب امتلأت هواء أما اشتقت لرعشة حبّ لقبلة نودعها لهفة الغياب ترتجف روحي على شفا النّسيان معزوفة الفراق ـ واعتمادا على وظيفة النقد الأدبي كونها تعمل على كشف عما في النّص الأدبي من أفكار ومعان وصور جمالية موحية، وتفسيرها وتحليلها، ومحاورتها بغيّة الكشف عن دلالاتها داخل النص الأدبي، مما يفتح مجالا للمتلقي أو القارئ أن يتواصل مع النص، ويتذوقه ويكتشف جوانب الإبداع فيه، والإضافة إليه من خلال قراءاته المتعددة . وقد يكون التقاط هذه الجماليات التقاطا انطباعيا مبنيًا على ذائقة الناقد فقط، وقد يكون التقاطا منهجيًّا، من خلال توظيف أحد المناهج النقدية وأدواتها، والبحث عن مقاييس محدّدة داخل النص. ومن هنا تُسهم وظيفة النقد الأدبي من خلال تفسير ما في النّص من جماليات، في خلق ذوق أدبي لدى الكتاب أولًا، ولدى المتلقين ثانيًا، وتشكيل أذواقهم الفنية وتربيتها، وفتح المجال للمتلقي لالتقاط الأسباب الواقفة وراء جماليات النص الأدبي .. ـ وبالتالي الحكم على النّص الأدبي بالجودة أو الرداءة، والقبول والاستحسان أو النبذ والهجران، والنّص الأدبي عندما يخرج من يد كاتبه إلى العلن، يصبح ملكا للنّاقد الذي يقتحمه بكفاءته النّقدية التي تجعله مؤهلا للحكم على النّص الأدبي، وهذا ما يدفع بالكاتب إلى الإصغاء للنقد، ليتعرّف إلى جوانب الإبداع في عمله الأدبي، والأثر الذي تركه في المتلقين، وهل لعمله الأدبي علاقة بالأعمال الأدبية الأخرى المكتوبة في الوقت ذاته أو السابقة له أم أنه كان متفردا فيما جاء به، لذلك تعد أبرز وظيفة من وظائف النقد الأدبي " الكشف عن ملامح الإبداع والتفرد في العمل الأدبي... ومن هذا التعريف : اجدُني منخرطا ومقتنعا أنني سأخوض في روائع ثابتة فيها من كلّ مقاصد الكتابة التي تتبنّاها شاعرتنا هدى كريد باعتبارها تكتبُ من القيمة وإليها وهذا مهمّ في حديث القواعد التي يرتبط بها النّصّ من بدايته إلى نهايته ، تُسيطرُ عليه الدراية والمعرفة وتحكمه الأصول العلمية ـــ فلا يتسرّبُ الشكُّ أبدا .. و لا تقتربُ الأخطاء أبدا فهي التي تعتمد المراجعة والتأكّد والتثبّت لأنها تعي ـــ أهمية المواجهة ـــ التي يغفل عنها الكثيرون بحكم تجربتي في " إدارة شؤون بعض الصفحات الأدبية الهامة " هذه التجربة تٌقنعُني بحضرة هذه الأديبة في بال التقنيات والدربة والتجربة هذا لأنها تتعامل بجدّية واعتبار مع منتجها وتدري الوجهة وتعلم من هم وراء كتاباتها وترى من يتربّص بأهمية القول والفعل الإبداعي .. .وهيَ التِي تحلَّجَتْ بالهَوى : تحلّجتُ في الهوى كم ثرثرتَ ايّها القلب في غلمة الرّؤى تلامس المدى احتضنتك عصفورا صغيرا وطبعتُ على منقارك النّديّ قبلة مضمّخة بعطر المشتهى قبل أن تغدو نثارا أأدماك سُخام السّنين؟ راضعتَ ذا النّون كأس الظّلام وجالستَ الوحدة فوق مقعد يتيم على رصيف النّوى هوت الرّوح من لظى هرّت كلاب الغيوم عزّ القرى إبليس ينفث في العقد تحطّم القارب ما اكتمل القمر والتهمك الخريف يقضم الغمّازتين الشّقيّتين يُلقمك بقايانا ها أنا أمزّق دفاتر الخذلان أتجرّد من عقال الأشلاء أضاجع النّور في فيء اليقين ولازالت فيّ رعدة الاشتهاء يمّمت وجهي شطرك شجبت حروف الهجاء إلّا ألفا رام مدّ السّماء عانقتك الرّوح عناقها الأوّل تعرّت من وشاح الكلمات سكبتُ خمري بين أحرف القصيد تغنّنيني وتخطّ سطور من تحلّج في الهوى ــــ في هذه المقاربة حاولتُ أن أكون موضوعيًّا ونزيهًا في أحكامي فلا أسمح لأهوائي أو تعصبّي لجانب "ابنة بلدي تونس " هدى كريد وهي التي فرضت هذا الهروب بحكم واسع اهتمام النقاد العرب بقصائدها ومن أهمّ بشائر الامتلاء وجدت كثافة مهمة في أغلب المواقع الإلكترونية التي تُعنى بالأدب والنقد بالخصوص بالمقارنة مع العديد من الأسماء ـــ ذات التجربة الكبيرة ـــ التي أهملتْ قيمتها بعدم الاجتهاد وفرض الأمر الواقع ــــ واكتشفت مدى الإشعاع الذي تمتاز به ومن خلاله أديبتنا هدى كريد ـــ وهي التي أسست لها الواقع وفرضت نفسها ونصوصها على الذوق الخاص للناقد ورأيه الشخصي وتعاطفه العاطفي معها ومع نصوصها ـــ فلولا إصرارها على الاختراق لما حظيت بكلّ هذا الكمّ من الكتابات المقارنة والمتعاطفة والمتفاعلة وهي التي كانت حريصة على تحقيق قيامتها وقيمتها .. فالنقد لايكونُ مٌنحازا إلاّ إلى مرجعيات وأدلّة فلا يخون من أقام الدليل ، ورفع الراية وهدى بعزمها الأكيد ترفع رايتها بقصائدها المبثوثة في الأرجاء ـــــ تقول " يا أيّها الطّين المعفّر حذار لا تشكّل الهباء يا صوت مردة آبقة من قماقم سليمان كفّ عن الوساوس والهذر نذرت لنفسي رهيف صمت لو أحرّر كلّ تفاصيلي منّي ومنك لو يبرق ثغري ويلفظ أصداءك الفارغات يغرورق قلبي طفلا شريدا أضاعه الأبد ـ ولشاهِدٍ أن يشهد .. فالكتابة من داخل الرّوعة تُعطي صحوها وتنشر أريجها وتمدُّ مداها .. تفتح يقظتها وتتجاوز العتمة والعراقيل وتفرض ظلّها بين الظلال وتستقيم حتّى تستقيم وتُقيم أدلّتها في النفوس وترسخ في الذّاكرة في إطار منهجية بيّنة تحسم بالآيات وتُبهر بالومضات وهي المتوفّرة والمتواترة في كلّ قصيدة .. فالجمل الواعية يمكن أن تتوقف منفصلة من سطرين فأربعة ويمكن التوزيع إلى ومضات في إطار ما يُعرفُ حديثا " الأدبُ الوجيز " على غرار ما أختاره من تجربتي في كتابة الومضة " ـــ " يا أيّها الطّين المعفّر حذار لا تشكّل الهباء " فهاذين السطرين يعبّران بوجيز وواضح عن تحقيق القصد ــ بالرمزية والشحن الدلالي ... ــــــ " كم شحذتُ الأغاني للعابرين على ضفافي كم أولمتُ من جسدي وجعتُ على منحدر أملسٍ أكتبني نجوى وصدقا ويقين كفر" فالفكرةُ حاصلة بقطع النظر عن ارتباطها بالنّصّ الكامل .... وتقفُ العباراتُ منتشية وشغوفة ومتشوقة إلى قراءات أعمق واهتمامات طويلة المدى إيمانا بقيمة ما تبثّه هدى كريد للوجود .. وهي الواثقة أبدا ومسكُ الختام من موهبة خارقة : كم ثرثرتَ ايّها القلب في غلمة الرّؤى تلامس المدى احتضنتنك عصفورا صغيرا وطبعتُ على منقارك النّديّ قبلة مضمّخة بعطر المشتهى قبل أن تغدو نثارا أأدماك سُخام السّنين؟ راضعتَ ذا النّون كأس الظّلام وجالستَ الوحدة فوق مقعد يتيم على رصيف النّوى