|
|
||
|
تحليل قصيدة "ويرجعُ هاتفي يهتِفْ" لعبد العزيز جويدة:
تُقدم قصيدة الشاعر المصري عبد العزيز جويدة، "ويرجعُ هاتفي يهتِفْ"، صورة عميقة لمشاعر الحب والشوق، ممزوجة بالحزن والأمل. يغوص الشاعر في تفاصيل التجربة العاطفية، مستعرضًا تناقضات الحب التي تجمع بين الألم والسعادة، والفقدان والترقب.
---
### **المحور الأول: الألم المكتوم والحب المتجذر**
يبدأ الشاعر قصيدته بالحديث عن جراحه التي "تَنزِفْ"، لكنه يؤكد على إخفائها "مخافةَ في الهوى تستاءُ واللهِ/ مخافةَ مرةً تعرِفْ". هذا الافتتاح يكشف عن عمق الحب الذي يدفعه للتضحية بإظهار ألمه حرصًا على مشاعر المحبوب. إن الألم هنا ليس ضعفًا، بل هو تجلٍ لقوة العشق الذي يتجاوز الذات.
يُصور الشاعر العشق كقوة أصيلة "خيولُ العشقِ مذ خُلِقتْ / إذا صهلتْ بتكويني / لها نايٌ بثقبِ مدامعي يعزفْ". هذه الصورة البلاغية تدمج بين قوة الخيول ورقة الموسيقى، لتعكس كيف أن الحب، بكل قوته، يستخرج من الشاعر ألحانًا حزينة من دموعه. هذه الفكرة عن الحب المؤلم الذي يسكن الروح تذكرنا بما قاله الشاعر المصري **أحمد شوقي** في قصيدته "نيرون"، حيث يتناول فكرة العشق العميق الذي لا يزول بمرور الزمن: "والحبُّ ما هو إلا نفحةٌ قُدسيةٌ / سكنتْ فؤادَ العاشقِ وارتوتْ".
---
### **المحور الثاني: تناقضات الحب وأثره على الروح**
يتعجب الشاعر من طبيعة الحب، فيقول: "عجيبٌ أمرُ هذا الحبِّ واللهِ / إذا لم يسكنِ الأرواحَ / والأرواحُ تسكنُهُ / غدًا أو بعدَهُ يتلفْ". هذا التعجب يبرز فكرة التبادلية في الحب، وأنه لا يدوم إلا إذا كان متبادلاً، يسكن الروح وتسكنه الروح. هذا يعكس رؤية الشاعر للحب كعلاقة وجودية لا كعاطفة عابرة.
تظهر آثار المحبوب في كل تفصيلة من حياة الشاعر: "يمرُّ خيالُ ضحكتِكِ / على قلبي فيبتسمُ / ويتركُ طيفُكِ الباكي / علاماتٍ لكفيكِ / على الأكوابِ والمعطفْ". هذه الصور الحسية تحول غياب المحبوب إلى حضور دائم في الأماكن والأشياء، حتى أن المعطف يصبح "معبدًا" يُصلي فيه الشاعر. هذا التقديس للأشياء المرتبطة بالمحبوب هو تعبير عن مدى تأثيرها على حياة الشاعر. يمكن مقارنة هذا بما قاله الشاعر المصري **نزار قباني** في قصائده التي تمزج بين العامية والفصحى، والتي غالبًا ما تركز على تفاصيل حياة العاشق وآثار المحبوب على حياته اليومية. فمثلاً، تناوله لـ "رسائل الحب" التي تحتفظ بعبق المحبوب، يعكس ذات الفكرة التي يراها جويدة في "الأكواب والمعطف".
---
### **المحور الثالث: الحب الأبدي والترقب**
يستمر الشاعر في وصف الحب بـ "عجيبٌ أنتَ يا حبُّ / عجيبٌ أنتَ واللهِ / قلوبٌ في الهوى عاشتْ / برغمِ العمرِ لا تألَفْ / ولا تُؤلَفْ". هذه الأبيات تشير إلى طبيعة الحب الذي قد لا يجد استقرارًا أو "ألفة"، وربما تعكس حقيقة أن بعض القلوب تعيش تجربة الحب الأبدي الذي لا يذوب في تفاصيل الحياة اليومية، بل يبقى متقدًا حتى مع مرور الزمن.
يبلغ الشاعر ذروة الترقب في نهاية القصيدة، حين يُقبل بروز صورة المحبوبة على الهاتف، ويردد "أقولُ لعلَّها ستعودُ في يومٍ / ويرجعُ هاتفي يهتِفْ". هذه اللحظة تكثف كل الأمل والشوق في انتظار عودة الاتصال، التي تمثل عودة الحياة للشاعر. هذا الترقب يذكرنا بالشاعر المصري **صلاح عبد الصبور** في مسرحياته الشعرية التي تتناول انتظار الخلاص أو العودة، حيث غالبًا ما يكون هناك بطل ينتظر لحظة التنوير أو عودة غائب مؤثر.
### **المحور الرابع: الوصف العميق للذات العاشقة**
يصف الشاعر نفسه بـ "أنا المسجونُ في أوجاعِ أوجاعي / أنا المعجونُ في إحساسِهِ المرهَفْ". هذا التعبير القوي يبرز كيف أصبح الألم جزءًا لا يتجزأ من تكوينه، وكيف أن إحساسه المرهف هو مصدر هذا الألم. الحب هنا ليس مجرد شعور خارجي، بل هو كيان يمتزج بالذات ويحدد وجودها.
يختتم الشاعر القصيدة بتحية للمحبوب: "سلاماتٌ لعينيكِ وضحكتِكِ / وطلَّةِ وجهِكِ المحفورِ في أعماقِ أعماقي / لذا قلتُ / جمالُ الحبِّ لا يوصفْ". هذه النهاية تؤكد على جمال الحب المطلق، الذي يتجاوز الكلمات والوصف. إنها إقرار بأن التجربة العاطفية المعقدة التي عاشها الشاعر، بكل آلامها وآمالها، هي في جوهرها تجربة جمالية لا يمكن اختزالها في وصف بسيط. هذا الانغماس في تفاصيل الحبيبة وجمالها يمكن أن نراه في أعمال الشاعر المصري **إبراهيم ناجي**، خاصة في قصيدته الشهيرة "الأطلال" التي تصف عوالم الحب المفقود وجمال المحبوبة التي لا تزال تسكن الذاكرة والوجدان.
---
### **الخلاصة**
قصيدة عبد العزيز جويدة "ويرجعُ هاتفي يهتِفْ" هي لوحة شعرية ترسم صورة متكاملة للحب الذي يجمع بين الشوق والألم والأمل. إنها قصيدة تتنفس بوجع العاشق، لكنها تحتفي أيضًا بجمال الحب وقوته الخالدة، التي تجعله قادرًا على تحويل الدموع إلى ناي يعزف، والأشياء المادية إلى معابد للذكرى.
ويرجعُ هاتفي يهتِفْ
ولو حتى جِراحي في الهوى والعشقِ
مازالتْ لها تَنزِفْ
سأُخفيها
مخافةَ في الهوى تستاءُ واللهِ
مخافةَ مرةً تعرِفْ
خيولُ العشقِ مذ خُلِقتْ
إذا صهلتْ بتكويني
لها نايٌ بثقبِ مدامعي يعزفْ
عجيبٌ أمرُ هذا الحبِّ واللهِ
إذا لم يسكنِ الأرواحَ
والأرواحُ تسكنُهُ
غدًا أو بعدَهُ يتلفْ
يمرُّ خيالُ ضحكتِكِ
على قلبي فيبتسمُ
ويتركُ طيفُكِ الباكي
علاماتٍ لكفيكِ
على الأكوابِ والمعطفْ
أقبِّلُ معطفي هذا
وأجعلُ منهُ معبدَنا
أصلِّي في الهوى ما فاتْ
وأرشفُ من مواجعِنا
وأبكي كلما أرشُفْ
عجيبٌ أنتَ يا حبُّ
عجيبٌ أنتَ واللهِ
قلوبٌ في الهوى عاشتْ
برغمِ العمرِ لا تألَفْ
ولا تُؤلَفْ
وإحساسٌ كطفلٍ في الهوى نَزِقٍ وجبارٍ
يشُدُّ شواربَ الأحرفْ
هنا بروازُ صورتِكِ
على الهاتِفْ
أُقبِّلُهُ
أقولُ لعلَّها ستعودُ في يومٍ
ويرجعُ هاتفي يهتِفْ
أنا المسجونُ في أوجاعِ أوجاعي
أنا المعجونُ في إحساسِهِ المرهَفْ
سلاماتٌ لعينيكِ وضحكتِكِ
وطلَّةِ وجهِكِ المحفورِ في أعماقِ أعماقي
لذا قلتُ
جمالُ الحبِّ لا يوصفْ
الكاتب: سكرتاريا التحرير والنشر بتاريخ: السبت 28-06-2025 10:20 مساء الزوار: 32 التعليقات: 0
|
|