|
|
||
|
استبق مسارتجربة الشعر المنجمي " وانخرط باكرا في شعر الوجود
مقاربة : حسن بن عبدالله / الرديف _ تونس
" سويلمي بوجمعة " ،هو ابن الزرقاء _ الرديف .. وشاعرها الأولى ـ زاول تعليمه الابتدائي بالرديف، ثم واصل دراسته بالمتلوي قبل أن ينتقل إلى تونس العاصمة.التحق بالجامعة الفرنسية باريس VIII من 1972 إلى 1977. شغل خطةً بهيئة اتحاد الطلبة التونسيين بفرنسا، ثم اضطلع بمهمة التحرير في جريدة "بلادي" ..
بعد العودة النهائية إلى أرض الوطن تولى العديد من المسؤوليات في الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب
أشرف على نادي الشعر بدار الثقافة ابن خلدون، وفي اتحاد الكتاب التونسيين.
صدرت أولى مجموعاته الشعرية سنة 1978 بعنوان "غرباء عن دار الحرية للطباعة ببغداد.
مجموعته الثانية " قيظ في صحراء الثلج ، وكتب مقدمتها الأديب الليبي عبد الله القويري، وقد أتلفت ببيروت إبان الحرب الأهلية.
مجموعة " أنا من تراب السماء ، صدرت بتونس..
ـ سويلمي بوجمعة " ابن الزرقاء " التقط ذهنه المفتوح من صورها الأولى لحياة الكادحين ، فارتسمت في عيونه تلك المشاهد التي يسجلها اليومي ، ورسخت في ذهنه أحاديث الوقت ، وأحاديث المسافات بين اعتمالات ذاته ، والوجود وقد فكر ثم فكر ، ثم قدر كيف قدر بالقصد في قصائده ليعبر من يقينه الشعري المختلف عن باقي شعراء الحوض المنجمي _ وأقولها جازما " هو ذاك الذي تخطى الأضواء ، ورتب لنفسه مرتبة إرباك المتلقّي بالصّورة المباغتة المستحدَثة تماما و بعمق أفكاره وصدق أحاسيسه ، و أيضا بمتانة العبارات التي يستدرجها ويستعملها معتمدا على حذق ضوابط الصّناعة إمّا العروضيّة وإمّا الخاصّة بتقنيات قصيدة النّثر ، فابتعد عن النقل المباشر للحالة المنجمية وارهاصاتها الواقعية التي استدرجت في الستينات والسبعينات شعراء " تجربة الشعر المنجمي " ، أو "الشعر المناجمي " التي ظهرت من خلال قصائد الشعراء : احمد المختار الهادي ، ومحمد عمار شعابنية ، وسالم الشعباني ، ومحمد الخالدي وحسن بن عبدالله ، ومحمد العيش القوتي ، وقد تفاوتت تجاربهم لتلتقي في البداية في حلقة من حلقات الصراع مع الواقع المنجمي المرير، وبالأحرى من أجل الحياة في أعماق الدواميس والانفاق بين الركام ، والألغام ورائحتي العرق والدماء ومنهما إلى النواح ، والمقبرة ، فكانت تلك الصور مهيمنة على قصائد محمد عمار شعابنية وسالم الشعباني وحسن بن عبدالله ومحمد العايش القوتي ، وناطقة باسم تجاربهم الشخصية مع الكادحين فكانت المجموعات الشعرية الأولى وعناوينها دالة بوضوح على تأثير الواقع اليومي ومؤدية بالضرورة الى صميم و حقيقة تلك التجربة التي وجدت لها حيزا مهما لدى الأهالي وأيضا لدى من تابعوا ذاك الأثر الشعري العميق من النقاد ـ من خلال العناوين التالية : " العزف على ضفاف الجرح ، وتسابيح ، وعيناك والتراب الأخضر ، والغام في مدينة منجمية ، ونمنمات على جدار سنمار ، وغيرها من العناوين للشعراء المذكورين مؤكدة حديث تجربتهم التي راجت ووجدت طريقها سالكا للنشر في تونس وخارج الوطن
أما شاعرنا الفذ سويلمي بوجمعة فقد اختار باكرا الالتحاق ومباشرة بتجربة " بشعر الوجود " المفتوحة في المطلق على الوجود ، واختار أن يكون منفلتا عن السرب ، فانحاز إلى الوصف الأخضر ، والاستعارات العاطفية ـ فالعاصمة تونس ، ومنها إلى باريس وعبر كل المحطات والمهام وجد مصادر الهامه ، قد ارتشفت روحه عبق " ورد أريانة " وباقات " شارع الحبيب بورقيبة ، وقد حاز الواسع في أنهجها الضيقة التي تؤدي الى حقيقة العبور وطنيا إلى الساحات ...
ـ من المقاهي إلى التماهي مع الغايات والتحاور مع الأجواء الاستثناىية ، مستأنسا بالضجيج وقد امتلك القدرة على الفتح على فواصل حياته الجديدة التي تمادى فيها حتى أصبح قديما مرتحلا بعشقه الى أبعاد اخرى تلامس مختلف العلاقات بالحياة ومنسجما مع الأساليب والمناهج المرتبطة بالحداثة على مستوى كتابة قصائده التي تواشجت مع التجريب متلمسا بين الكلمات ملحمة يفرض فيها وجوده فكريا وانسانيا ، ومتمسّكا بأصالة التمكين كيف يجد تفاصيل مشروعه الابداعي وقد تمكن فعلا من اكتساب خصوصيته وفرض طابعه الذي يثبت هويته بين الشعراء من جيله فكانت قصيدته تقول فيها عنه فلا يشبه لباسها لباس غيرها وهي التي تخبر لغتها عنه فلا يكون الا هو " سويلمي بوجمعة " حين يقول :
حلّتْ بي سيّدةُ الخصبِ
فتحتْ عينيْها فاخضرَّ العشبُ
مَدّتْ للرّوحِ أصابعَها
عصرتْ ليمونةَ هذا القلبِ
وقادته كالطّفلِ إليها
فانبجستْ أنهارُ الحبّ
أوحين يعود إليه من مساءات أيامه محملا بأنفاس الذكرى تلك التي تمكنت منه ، وأيضا تأثير علاقته بمهنته وطابعها الاجتماعي وقد رسخت في شخصيته علاقته بوطنه وولائه له واعتصامه في ضميره مؤديا رسالته حتى غادر الى شرف المهنة مستريحا في أثره وقد يكون أختار هذا الطريق وسارت معه تجربته الشعرية المنفتحة على الوجود ـ
حين أعود الى ببتي
سأفتّشُ بين رسائلِكِ الأولى عن آخرِ عهدي بحياتي
لأواجهَ ذاتي ، وأعيد قراءة أوراقي في غرفة موتي
وسأبحث عنك أيتها الأنثى ـ " من أنت خلف غبار الصمت "
وللشاعر سويلمي بوجمعة تاريخ انتمائه لاتحاد الكتاب التونسيين وبناء علاقاته مع شعراء وشاعرات العاصمة ومثقفيها عموما وانفتاحه على كل التجارب في الجهات فكان بلطفه وسماحة روحه صديق الجميع ، أليفا جدا ولا يرد قاصدا في كل المجالات التي بجد نفسه متمكنا من اعانة من يستعين به وذلك عودا الى طبيعة نشأته في أهله في مدينتنا الأولى الزرقاء " الرديف ـ كيف لا وهو الأزرق روحا وطبعا وسيرة ومسيرة حين يرى حوله فيقول :
البكاءُ بدموعِ قابيلَ
لو كان درى بي حينَ أكونُ بلا قلبٍ
وبلا أنثى ، وبلا وطنٍ
أو حينَ أعودُ إلى موتي في اللّيلِ بلا كفن
لو كان درى بتشقّقُ روحي
في منفى جسدي
أو حينَ أراني مشنوقًا بيدي
أتدلّى من سقفِ الزّمنِ
وهو المتمكن كيف يأخذ من الحياة الى ذاته ، وكيف يحيل من ذاته الى مدونته الشعرية والى الوجود معتمدا على الوضوح في تحديد ملامح مضامينه التي يقوم ببثها فلا يحيد عن تمرير الصور المعبرة ، وتوطين أسلوب البناء الذي يقيم من خلاله قيامة الطين :
ما أسوأَ هذا الطّينَ
مغشوشٌ، مغشوشٌ منذ التّكوين
هذا الطّينُ الملعونُ أنا ، هذا الطّينُ
مسكونٌ بي ، مسكونٌ بي ـ هذا المسكين
فالعاشق الذي هاجر من الأعماق الى الأشواق لن يكون الا مبحرا وقد اعتنقت أنفاسه حديث الضفاف ، فانعكست أسفار وقته على فسيح الاستيعاب ، والاستلهام من البحر ورائحة البحر وحوريات الأمواج :
أسمعُ وقعَ خطاها تحتَ الماءِ
والموجُ القادمُ نحوي من عينيْها
يتلاطمُ في وجداني فأهبُّ كعاصفةٍ رمليّةٍ لأشقَّ البحرَ إليها
ـ وقد استهواه الانجذاب فانخرط في مشروع الانفتاح على الكون وعلى العشق بأطيافه وألوانه .. فالعشق سمة مميزة أخذت شاعرنا المنجمي سويلمي بوجمعة من واقع أليم تتخلله الفواجع إلى حالات منتعشة بالفرح والانشراح والامتلاء بالآخر / الأنثى فلا تغيب حصص كتاباته عن الأنثى فالتعابير واقفة على الأعتاب وفي السياقات ، ومطلة من النوافذ راصدة من الشروق إلى الغروب وكأنه يقول باختراق السائد وتجاوز المكان فارضا احتواءه للمكان يصفه كما يصفه:
موحشٌ ضوءُ المصابيحِ البعيدةِ
موحشٌ ظلُّ الصّنوبرِ حولَ منزلِها
بعدَ عشرينَ سنةً وتنتهي بصورة مشرقة
بعد عشرينَ سنةً ، صارتِ الأشجارُ من حولي شفاهَا وقُبَلْ
ـ لأجد شاعرنا التُّونسيّ " سويلمي بوجمعه " يعود من أيامه في نبض العاصمة ، ومن مشاغله اليومية الكثيرة معتنقا تواشجه مع الماضي فلا يخفي أواصر الحنين الى موطنه والى رائحة أمه وتأثير ابيه فيقول :
أشتهي أن أهربَ اللّيلةَ من اسمي
ومن غرفةِ نومي
أن تعودَ بي الذّكرى إلى حضنِ أبي
ـ يُخاطبُ نفسه في قصيدة " أبا جمعة
وها أنتَ وحدكَ في غربةِ اللّغةِ المُدقِعهْ
فهلاّ أضأتَ السّؤالَ فتيلًا
لتبصرَ ظلَّكَ ، وتمضي كطفلٍ معهْ
أبا جُمُعَهْ .. حرستَ الطّواحينُ ، قاتلتَ أشباحَهم
في خواءِ المدينهْ
وأسرجتَ خوفَكَ مُهرا يشقُّ غبارَ السّكينهْ
تشظّتْ رؤاكَ ، تقاسمَكَ الوهمُ بين الهنا ، والهناكَ
وما زلتْ خارجَ عصرِكَ تسألُ عن سرِّكَ
لتلقاكَ ، تلقاكَ فوق الضّفافِ حُطامَ سفينةٍ بلا أشرعهُ
وأختم : الحديث يطول لو كانت بحوزتي بعض كتبه الصادرة غير أنني أعتمد ت البحث هنا وهناك فانتقيت بعض النصوص المنشورة ، وطبعا هي مقاربة تعمدت استدراجها لغاية في نفسي " أنا الشغوف " بحب هذا الرجل الذي " استدرجني للشعر في بداياتي ، وكان سابقا في مدينتنا الزرقاء الرديف وهو الملهم فعلا لكل من جاء بعده على مستوى الشعر والأدب عموما وأعترف أنني مدين له ..
ـ وفي خاطري غبطة أن تكون هذه المقاربة مدخلا يقينيا ودعوة خالصة لكي نلتقي يوما ما " قبل أن تتوقّف بنا الأنفاس في موكب احتفالي يُعيدهُ إلينا مزدحما بذكرياته ـ فيقول عنها ـ ونقولُ عنه ـ لأنّه وبصدق " واحدٌ من كبار شعراء تونس
تونس في 25 ماي 2025
حسن بن عبدالله
الكاتب: سكرتاريا التحرير والنشر بتاريخ: الأحد 25-05-2025 02:35 مساء الزوار: 108 التعليقات: 0
|
|