|
|
||
|
قراءة فنية لقصيدة "اعذروني" اعداد الباحثة والناقدة د/آمال بوحرب
قراءة فنية لقصيدة "اعذروني" بعنوان : "الهوية بحثٌ عن المعنى"للشاعر المتميز عماد الأسدي الباحثة والناقدة د/آمال بوحرب
يقول الشاعر من بحر الرمل. (اعذروني). قالَ شخصٌ نحنُ ما زلنا أباةْ وجموعاً مِن سيوفٍ مُرهفاتْ
اِسْأل التأريخ عنَّا مَن نكونْ نحنُ سادات الورى نحنُ الكماةْ
إنْ غضبنا رَجَفَت منَّا المَنونْ إنْ بَسمنا ثغرنا نبعُ الحياةْ
نحن لا زلنا كمثلِ السابقينْ نَافست هاماتنا للساطعاتْ
قلتُ يا موهوم صبراً ما تَقولْ اِسْتفق هل أنتَ عنَّا في سُباتْ
يا أخي مهلاً فلا زلنا شتاتْ بعضُ شيءٍ إنَّنا بعضُ الفتاتْ
لمْ نَعد فيها كما كنّا نَسودْ مزَّقَتنا ريحُ مَكرٍ عاتياتْ
دمَّرتنا يا صديقي الماجناتْ قد وثبنا للغوانِ الآثماتْ
كلَّما قد عَصَفَت فينا الخطوبْ إِتَكَلنا بقديمِ السابقاتْ
أنظرِ الأرجاء هل فيها بَريقْ بل كلومٌ من جراحٍ بالغاتْ
نَزرعُ الآمال في أرضِ السرابْ ما جنيناهُ بِها غَير الفواتْ
نرجمُ الخيرَ ونأوي للغريبْ قد غدونا كالسِّهامِ المارقاتْ
أَسْتميحُ العذر من كلِّ الأباةْ قد غفونا نحنُ فوق الشاهقاتْ
تعتبر قصيدة "اعذروني" تعبيرًا شعريًا عميقًا يجسد الصراعات المعقدة للهوية والانتماء في زمن تغيرت فيه قيم المجتمع وتطلعات الأفراد. تنطلق القصيدة من تجربة ذاتية تتداخل فيها الأبعاد الفردية والجماعية، حيث يبرز الشاعر مشاعر الفخر بالتراث والاعتزاز بالأصول، لكن في ذات الوقت يكشف عن مشاعر الفقد والاغتراب الناتجة عن التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها مجتمعه وتسود في النص أجواء من التأمل والفلسفية حيث يستخدم الشاعر لغة قوية ومؤثرة تجسد التحديات التي يواجهها الأفراد في سعيهم للعثور على مكانتهم في عالم متغير. من خلال استدعاء التاريخ والذكريات، يوجه الشاعر نقدًا ذاتيًا للمجتمع وللذات، ويطرح تساؤلات وجودية عميقة حول الهوية والانتماء والتغيير. ولكن ما هي تجليات الهوية في السياق الفلسفي المعاصر انطلاقاً من هذه القصيدة المتميزة؟ تُعتبر الهوية من بين الموضوعات الأكثر تعقيدًا في الفلسفة، حيث يشير الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو إلى أن الهوية ليست سمة ثابتة، بل تتشكل من خلال تفاعل الفرد مع المجتمع والبيئة فهل يمكننا فهم الذات من خلال ما يُسلط عليه الضوء في قصيدة "اعذروني"؟
يعكس هذا النص الأدبي تجارب فردية وجماعية مرتبطة بالصراع من أجل الهوية والانتماء كما يعبر الفيلسوف الوجودي مارتن هايدجر عن حاجة الأفراد لمواجهة أسئلة وجودية لفهم أنفسهم وهويتهم. في ظلّ هذه الرؤى، تعتبر "اعذروني" دعوة للتفكير في التجارب البشرية التي تشكل الهويات وتتحدى الثوابت. كيف يساهم الشكل الفني للقصيدة في تعبير الأفكار المعقدة حول الهوية؟ تتميز "اعذروني" باستخدام بحر الرمل، والذي يضيف إيقاعًا فنيًا سهل التدفق ويمنح النص عمقًا عاطفيًا. عبر هذا الشكل، تتمكن الأنا الفردية والجماعية من التواصل، مما يعكس تفاعلات الأفراد مع ماضيهم ومجتمعاتهم، كما يحثنا الشاعر على التفكير في تأثير التقاليد على الهويات المعاصرة. كما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر" ما هو تأثير اللغة والأسلوب المستخدم في القصيدة على المشاعر التي تُعبر عنها؟ تعتمد "اعذروني" على لغة مكثفة ومباشرة تعكس الفخر بالتراث، بالتوازي مع الإحباط الناتج عن الواقع المتغير. تعزز تعبيرات مثل "نحن لا زلنا كمثلِ السابقين" الفخر بالهوية التاريخية، في حين تشير العبارات الأُخرى إلى فقدان الهوية في الأزمة الراهنة. كما تكلم الفيلسوف الوجودي سارتر عن الهوية قائلاً: "الوجود يسبق الجوهر"، مما يبرز الصراع الذي يعيشه الأفراد لإثبات هويتهم، فكيف تتناغم مواضيع الفخر والاغتراب والأمل المفقود في القصيدة؟ تركز "اعذروني" على التأمل العميق في الهوية، حيث تظهر العناصر الثلاثة المذكورة بشكل متكامل. يعبر الشاعر في مطلع القصيدة عن الفخر بجذور الهوية، لكن مع تقدم السرد تتجلى مشاعر نتائج التغيرات الاجتماعية في عبارة "فلا زلنا شتات"، مما يعكس فقدان الوحدة والانتماء، ولقد تعكس المقاطع التالية سعي الأفراد لاستعادة الأمل من خلال التعبير عن التحديات التي تواجههم، حيث يُشير الشاعر إلى "نَزرعُ الآمال في أرضِ السراب" ككناية عن الإحباط ونعود إلى ما قاله بالكاتب التونسي محمود المسعدي الذي عبّر عن صراعات الهوية عبر أعماله، مؤكداً على أهمية إدراك الأبعاد الداخلية للنفس البشرية ولكن كيف يتجلى الصراع الداخلي في القصيدة وما دلالاته؟ يُبرز الشاعر حاجة الاعتراف بالمشاكل والصراعات التي يعيشها المُجتمع، حيث يعبر بوضوح عن ضرورة التفهم والمغفرة في تعبيره: "أستميح العذر من كلِّ الأباة" هذا العبور من مرحلة الفخر إلى الإقرار بالمضي قدمًا والتعامل مع الواقع، يسلط الضوء على أهمية الاستيعاب والتكيف كما قال الفيلسوف الإغريقي هرقليطس أن "الوجود في تغير دائم وتدفق مستمر". البعد النفسي في القصيدة؟ يتجلى البعد النفسي في قصيدة "اعذروني" من خلال استكشاف التجارب الذاتية للشاعر وكيف تعكس مشاعره الداخلية صراعات الهوية والانتماء. تُظهر القصيدة كيف تؤثر التحولات الاجتماعية والسياسية على النفس الإنسانية، حيث تتراوح المشاعر بين الفخر والألم، مما يوقظ في النفس تمزقًا داخليًا يحاول الشاعر فهمه والتعبير عنه يعكس اعترافه بمشاعر الاغتراب والبحث عن المعنى شعورًا عميقًا بالقلق الوجودي، حيث تتبدى الحاجة الملحّة للاعتراف والتقبّل كوسيلة للتصالح مع الذات. لقد أظهرت الدراسات النفسية كيف يمكن أن يؤثر التغير الاجتماعي على الهوية وهو ما يجسده الشاعر بصورة واضحة في سعيه نحو التوازن بين الهوية الثقافية والجوانب الشخصية يمكننا أن نفهم من خلال تأملاته كيف أن المواجهة مع الهوية ليست مجرد مسألة فردية بل هي تجربة جماعية تسعى للفهم وإيجاد المساحة النفسية التي تتيح للفرد استعادة صوته في مجتمع متغير. إذًا، تُعتبر "اعذروني" دعوة للتأمل في الروابط النفسية العميقة التي تربط بين الأنا والمجتمع، مما يسهم في إعادة تشكيل الهوية في سياقات صعبة ومتناقضة. الأسلوب والتشبيهات في قصيدة "اعذروني" تشكل قصيدة "اعذروني" نموذجًا للأدب الشعري الذي يتسم بالعمق العاطفي والتأمل الفلسفي. يأتي الأسلوب في القصيدة تحميلًا بالبلاغة، حيث يستخدم الشاعر لغةً مكثفة وقوية تعبر عن مشاعر الفخر واللوعة في آن واحد. تتجلى الفصاحة في دعم الأفكار العميقة من خلال استخدام كلمات مختارة بعناية، مما يعزز من تأثير الرسالة ويعكس الحالة النفسية للشاعر وواقعه. تتضمن القصيدة مجموعة من العناصر الأسلوبية مثل 1.-التكرار إن استخدام تكرار بعض العبارات مثل "نحن" و"لأننا"، مما يبرز الإحساس بالانتماء والفخر بالمجتمع. هذا يساهم في خلق تواصل مباشر مع القارئ، حيث يشعر بأنه جزء من تلك الهوية الجمعية. 2. -الاستفهام إن استعمال الاستفهام في بعض الأحيان، مثل "اِسْأل التأريخ عنَّا مَن نكون"، مما يفتح المجال للتفكير والتأمل في الهوية والتاريخ. هنا، يتجه الشاعر نحو استفزاز القارئ للتفاعل مع القضية المطروحة. 3. -التضاد يظهر بين حالتين، مثل الفخر بالأصول والمكانة، وبين الفقد والانكسار، مما يعكس الصراع الداخلي في نفس الشاعر. تستخدم القصيدة مجموعة من التشبيهات التي تعكس الصراعات والعواطف، ومن أمثلة ذلك 1. -التشبيه بالمجتمع يصف الشاعر نفسه وجماعته بأنهم "سادات الورى" و"الكماة" مما يبرز الفخر بالقوة والقيادة. هنا، تُستخدم هذه التشبيهات لتأكيد الهوية والوجود، حيث يمزج بين العزة والشدّة. 2. -التشبيه بالطبيعة: "نَزرعُ الآمال في أرضِ السراب" فهو حيث يعكس الفكرة القائلة بأن الأمل ربما يكون خادعًا أو غير قابل للتحقق، كما يُشير إلى إشكالية البحث عن الأمل في واقع يمثل السراب. هذا التشبيه يعبر عن الخيبة والفقد في سياق الواقع الاجتماعي. 3.-التشبيه عندما يشير إلى "سيوفٍ مُرهفات" فهو يقحم الشاعر أمورًا تاريخية وذهنية، ويرمز إلى أن القتال من أجل الهوية يتطلب سلاحًا، سواء كان ذلك بالسلاح الفعلي أو بسلاح الفكري شكلت أساليب البلاغة والتشبيهات المتنوعة في قصيدة "اعذروني" إطارًا قويًا لنقل المشاعر الصادقة والصراعات الداخلية التي يعيشها الأفراد في مواجهة التغيرات الاجتماعية. إن الطريقة التي يستخدم بها الشاعر التناقضات والتشبيهات تسهم في خلق عمق في المحتوى العاطفي وتجعل التجربة الإنسانية موصولة ومتداولة، مما يعزز من أثر القصيدة في محاورة القارئ ودعوته للتفكر في قضايا الهوية والانتماء. تمثل هذه القصيدة عملاً فنيًا يتناول المشاكل المعقدة المرتبطة بالهوية ومن خلال التأمل في الظروف الاجتماعية المتغيرة، تقدم القصيدة رؤية شاملة حول كيفية تشكيل الهوية في عصر تعاني فيه القيم من الاضطراب ولعل استكشاف الرموز والأفكار في القصيدة يدعونا إلى إعادة التفكير في علاقة الفرد بالمجتمع ويعزز من سعي الأفراد نحو استعادة هويتهم، وهو ما يكمن في صميم التجربة الإنسانية "اعذروني" هي أكثر من مجرد قصيدة فهي دعوة للعمل نحو الفهم والتقبّل في زمن يتطلب منا إعادة النظر في ماضيهم واستشراف مستقبلهم بوعي مستمر . الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الجمعة 22-11-2024 04:56 مساء الزوار: 11 التعليقات: 0
|
|