|
|
||
|
(أقدامٌ علَى الرّملِ) للرّوائيّةِ زهرة مراد.... قراءة النّاقدة سهيلة حمّاد بن حسين
(أقدامٌ علَى الرّملِ) للرّوائيّةِ زهرة مراد، صّادرة عن دار زينب للنّشر سنة 2021. قراءة النّاقدة سهيلة حمّاد بن حسين تُعتبَرُ هَاتِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ جِنْسِ النُّوفَلْ (une nouvelle) لقصرِهَا إذْ تَتَألّفُ مِن 78 صَفْحَة مِنَ الْحَجْمِ الصَّغِيرِ. يُمكنُ مُطالَعَتُهَا في جلْسَةٍ وَاحِدَةٍ. فَهِيَ بمَثَابَةِ الرِّوَايَةِ المُكَثّفَةِ أو القِصَّةِ الطَّوِيلَةِ، تُذكِّرُنَا بِالْقِصَصِ الطّوِيلَةِ قبْلَ سُطوعِ الرِّوَايَةِ إذْ وَقَعَ التَّرْكِيزُ فِيهَا عَلَى بَطَلَتَيْنِ: عِلّيسَة وَالكَاهِنَة. وَظَّفَت السّارِدَةُ الرُّمُوزَ وَالدَّوَائِرَ السَّرْدِيَّةَ لِمُصَاحَبَةِ النَّوَاةِ السَّرْدِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ مِنْ أجْلِ دَعْمِ الحِكَائِيّةِ بِبَثِّ الرُّوحِ فِي الرُّكْحِ وتَحْسِينِ الصّورَةِ لِلرَّائِي لإغْرَائِهِ بِالمُؤثّرَاتِ الْخَارِجِيَّةِ بِاعْتِمَادِ الرَّوَائِحِ وَكَثْرَةِ الْألْوَانِ وَالأنغَامِ لِشَدَّهِ بِغَرَضِ تَحْفِيزِهِ بتَوْظِيفِ كُلِّ مَا يَخْدِمُ فِكْرَتَهَا عَبْرَ الإيحَاءِ وَالانْزِيَاحِ فِي لَمْحَةٍ كَوَمْضةٍ مِنْ دُونِ غَوْصٍ كَبِيرٍ، فَاسِحَةً المَجَالَ بِالاقْتِصَادِ فِي الْعِبَارَةِ لِتَمْكِينِ الرَّائِي مِنْ مُشَارَكَتِهَا لِلرَّدِّ عَلَى مَوْضُوعِ الأفْضَلِيَّةِ بِغَرَضِ إعَادَةِ النَّظَرِ فِي حَقِيقَةِ مَا وَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ سِيَرٍ وَأَخْبَارٍ تَارِيخِيّةٍ وَدِينِيَّةٍ لِطَرْحِ سُؤَالٍ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الأهَمِّيَّةِ فِي بُعْدٍ أرْكِيُولُوجِي أنْترُوبُولُوجِي تَارِيخِي دِينِي إيديُولُوجِي مُتَطَرِّفٍ هَلْ هِيَ حَقِيقَةٌ وَقَعَتْ أمْ وَاقِعَةٌ زَيَّفَهَا مَنْ يَمْتَلِكُ قُوَّةَ التّعْبِيرِ وَالنُّفُوذِ، مُؤَسِّسَةً رُكْحًا وَاحِدًا مِنْ رِمَالٍ، مُنْفَتِحًا عَلى الحَضَارَاتِ وَالحَاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلِ عَبْرَ سَقْفِ رَحَابَةِ سَمَائِهِ الزّرْقَاءِ، قَادِرًا عَلَى اسْتِيعَابِ التَّارِيخِ لِهَشَاشَةِ رِمَالِهِ. فَالكُلُّ قَادِرٌ أَنْ يُشَكِّلَ عَلَيْهِ مَمْلَكَتَهُ وَحُصُونَهُ كَمثالٍ، فَكُلُّ الأقْدَامِ العَابِرَةِ تُؤدِّي عَلَيْهِ دَوْرَهَا مِنْ دُونِ أَنْ تَتْرُكَ آثَارًا لمُرُورِهَا.. ذَلِكَ أنَّ الْأمْوَاجَ والرِّيَاحَ قَادِرَةٌ أَنْ تَكْسِرَ كُلَّ تِلْكَ القُصُورِ بِمَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ وَتُعِيدَهُ إلَى صُورَتِهِ الأُولَى كَصَفْحَةٍ بَيْضَاءَ.. فَالرِّمَالُ لَيْسَت كَالأحْجَارِ، فَالنَّقْشُ عَلَى الْحَجَرِ لَا يُشْبِهُ النّقْشَ عَلَى الرّمَالِ مِنْ حَيْثُ سُرْعَةِ الزَّوَالِ. نَحْنُ أمَامَ رِوَايَةٍ عَجَائِبِيَّةٍ تَارِيخِيَّةٍ تَحْفِرُ فِي الْأسْطُورِي حَفْرًا أرْكيُولُوجِيًّا عمِيقًا وَبلِيغًا، مِنْ حَيْثُ الرَّمْز وَالخَصَائِصِ وَمَا ارْتَبَطَ بِهَا مِنْ ذَاكِرَة بَدِيلَةٍ مِنْ خِلَالِ مُقَاوَمَةِ ثَقَافَةٍ اسْتِعْمَارِيَّةٍ وُجِدَتْ وَمَازَالَتْ فَاعِلَةً بِأيَادِي مُرْتَزِقَةٍ تُحَاوِلُ أَنْ تَطْمَسَ الْحَقِيقَةَ بِالهَيْمَنَةِ عَلَى الآثَارِ التُّونِسِيَّةِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَأيْضًا حَوْلَ هَيْمَنَةِ الْهَوَى وَالإيديُولُوجِيّةِ الدِّينِيَّةِ والقَوْمِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ الّتي مَا تَزَالُ تَبْحَثُ فِي مَوْضُوعِ الهَوِيَّةِ التّونِسِيَّةِ فِي فَضَائِهَا المَغَارِبِي مُفَعِّلَةً الخُرَافَةَ مِنْ حَيْثُ أنَّهَا أُسْطُورَةٌ أُزِيلَتْ عَنْهَا قُدُسِيّتُهَا، وَكذَلكَ الحِكَايَةَ الشّعْبِيَّةَ البُطُولِيَّةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا خُرَافَةً مَحْكُومَةً بِقَوَانينِ الوَاقِعِ المَادِّيِّ فِي مُعْظَمِ الأحْيَانِ كَمَا يَرَاهَا بَعْضُهُمْ لِتَكُونَ رَافِدًا لِرِوَايَتِهَا "أقْدَامٌ عَلَى الرَّمْلِ" مُثِيرَةً مُعْضِلَةَ أَفْضَلِيَّةَ الْجِنْسِ الأمَازِيغِي أو الفِينِيقِي فِي الظَّاهرِ، لِتَسْحَبَهُ فِي المُضْمَرِ رُبَّمَا عَلَى اللّغَةِ الأمَازِيغِيَّةِ وَعَلَى كُلِّ مُسْتَعْمِرٍ غَازٍ رُومَانِيٌّ كَانَ أَمْ عَرَبِيٌّ إِيطَالِيٌّ فَرَنْسِيٌّ أو غَيْرَهُمْ وَمِنْ ثَمَّ التّعْرِيجُ عَلَى نِسْبِيَّةِ فِكْرَةِ الأفْضَلِيَّةِ التّارِيخِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ وَحَقِيقَةِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ؟ وَشَعْبُ الله المُخْتَارِ؟ والجَحِيمُ الكَبِيرُ؟ وَمُخَلِّصُ البَشَرِ؟ وَمَنْ يَمْتَلِكُ العَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ؟ وَهَلْ فِي السَّابِقِ قَبْلَ الحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ وُجِدَتْ فِعْلًا حُرُوبٌ دِينِيَّةٌ أخْرَى أَمْ أنَّهَا مَطِيَّةٌ لِنَهْبِ الخَيْرَاتِ؟ وَمَنْ يَمْتَلِكُ حَقَّ الزَّعَامَةِ وَالْوِصَايَةِ عَلَى الْأوْطَانِ وَعَلَى الْعَالَمِ؟ وَهَلْ طَرْحُنَا لِهَذَا الْمَوْضُوعِ يُشَكِّلُ تَشْكِيكًا فِي إيمَانِ البَشَرِ، أمْ أنَّ طُقُوسَ الْمُخْتَبَرِ تَسْتَوْجِبُ مِنَّا كُلَّ هَذَا الْحَذَرِ، لِنَتَجَنَّبَ السُّقُوطَ فِي المَحْظُورِ وَالتَّحَيُّزَ لِإحْدَى الإيديولوجيّاتِ الدِّينِيَّةِ وَالقَوْمِيَّةِ حَتَّى لَا نَبْتَعِدَ عَنِ المَوْضُوعِيَّةِ؟ هَلْ أَنَّ مَا يَحْدُثُ الآنَ فِي أَوْطَانِنَا وَفِي الْعَالَمِ عَفْوِيٌّ وَتَطَوَّرَ لِجَدَلِيَّةِ فِكْرِ الْإنْسَانِ وَبَحْثٍ عَنْ حُرِّيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لِكَسْرِ أغْلَالِ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ أَمْ مِنْ أَجْلِ مَزِيدِ تَفْكِيكِ الْأوْطَانِ وَجَدَلٍ عَقِيمٍ غَايَتُهُ تَوَسُّعٌ جَغْرَافِيٌّ وَطَمْسٌ لِتَارِيخِ وَهَوِيَّةِ بَعْضِ الأقْطَارِ؟ مَا تَعَرَّضَ لَهُ تِمْثَالُ الْكَاهِنَةِ مِنْ تَدْمِيرٍ، هَلْ هُوَ مُخَطَّطٌ اسْتِعْمَارِيٌّ غَايَتُهُ طَمْسُ الْهَوِيَّةِ التّونِسِيَّةِ أمْ طَمْسُ تَارِيخِ حَضَارَةِ إنْسَانِيَّةِ الإنسانِ؟ أمْ تَغْرِيبُ الْمَرْأَةِ فِي مُجْتَمَعٍ ذُكُورِيٍّ شَهْرَيَارِيٍّ يَتَوَهَّمُ أنَّ قُوَّتَهُ فِي إزَالَة هَالَةِ الزَّعَامَةِ عَنِ الْكَاهِنَةِ وَبِالتَّالِي عَنْ كُلِّ اِمْرَأَةٍ حَتَّى لَا تُحَاوِلَ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِقُوَّتِهَا، تِلكَ القُوَّةِ الّتِي كَانَتْ هَالَةً طَوَّقَت الْكَاهِنَةَ لِقُرُونٍ مُحَوِّلَةً إيَّاهَا إلَى أسْطُورَةٍ تَنَاقَلَتْهَا الذّاكِرَةُ الشَّعْبِيَّةُ لِقُرُونٍ، وَيُحَاوِلُ الْبَعْضُ إبْعَادَهَا بِإزَاحَةِ تِمْثَالِهَا مِنْ عَلَى مِنَصّةِ التّتْوِيجِ التّارِيخِيِّ وَكَأنّهُمْ بِذَلكَ يُقْصُونَ الْمَرْأَةَ عَنْ مَوَاقِعِ القَرَارِ الّتِي اكْتَسَبَتْهَا مُنْذُ الْقِدَمِ، لِإقْصَاءِ الْمَرْأَةِ الرَّمْزِ عَنْ مَلَاعِبِ وَسَاحَاتِ الوَغَى. لِيَنْفُشَ الشَّهْرَيَارُ النّرْجَسِيُّ المَرِيضُ رِيشَهُ، أَمَامَ كُلِّ حَوَّاء لِتَتَقَوْقَعَ دَاخِلَ صَدَفَتِهَا فِي عَبَاءَةِ ضُعْفٍ اِبْتَاعَهَا لَهَا شَهْرَيَارُ وَأَوْهَمَهَا بِأَنَّهَا لَا تَلِيقُ إِلّا بِجِنْسِهَا لِتَغْدُوَ سَجِينَةً فِي دِيَارِ رِجَالِ دِينٍ كَكَهَنَةِ الْمَعَابِدِ فِي التّارِيخِ الغَابِرِ، مَنْ يَرَوْنَ أنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصْلُحُ إلّا لِتَلْبِيَةِ حَاجَاتِه لِتَكُونَ تَابِعَةً لَهُ كَظِلِّهِ خَاضِعَةً لِغَطْرَسَةِ بَعْضِهِمْ، أولَئِكَ الّذِينَ لَمْ يَفْهَمُوا بَعْدُ كُنْهَ الدِّينِ الحَقِيقِيِّ وَانْفِتَاحَهُ وَشُمُوليّتَهُ، وَمَعْنَى حُرِّيَّةِ الإنْسَانِ اِمْرَأةً كَانَتْ أَمْ رَجُلًا...خَاصَّةً إذا مَا أضَفْنَا إلَى كُلِّ هَذَا مَا طَالَ بَعْضَ أضْرِحَةِ بَعْضِ رِجَالَاتِ الدِّينِ مِنْ أَوْلِيَاءَ مَا يُطْلِقُ عَلَيْهِمْ الأهَالِي (صُلّاحَ البِلَادِ) لِهَاتِهِ الْأرْضِ الطّيّبَةِ مُلْتَقَى الحَضَارَاتِ وَبَوّابَةُ الشّرْقِ وَالغَرْبِ تِلْكَ الّتِي كَانَتْ تُسَمَّى مَطْمُورَةُ رُومَا، فَمَا طَالَهَا مِنْ حَرْقٍ وَتَدْمِيرٍ مُنْذُ ثَوْرَةِ اليَاسَمِينِ أو مَا اُصْطُلِحَ علَى تَسْمِيَتِهِ بِالرَّبِيعِ الْعَرَبِيِّ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ الْمُتَطَرِّفِينَ الدِّينِيِّينَ إلَى جَانِبِ مَا حَدَثَ وَيَحْدُثُ وَمَا نَسْمَعُ عَنْهُ مِنْ حَرْقٍ لِغَابَاتِ "الزّﭬوﭬو" وَغَيْرِهِ تُذَكِّرُنَا بِسِينَارْيُو الدَّوَاعِشِ فِي سُورِيَا وَالعِرَاق دُونَ أنْ نَنْسَى حَادِثَةَ نَهْبِ الْجُيُوشِ الأمْرِيكِيّةِ لِلْمَتَاحِفِ العِرَاقِيّةِ، إذْ مَا يَحْدُثُ فِي سُورِيَا وَتَدْمِير آثارِ تَدْمُرْ مِنْ قِبَلِ تَـتَارِ هَذَا الزّمَانِ مِنَ الدَّوَاعشِ وَالمُتَطَرِّفِينَ المَزْرُوعِينَ فِي سَائِرِ الأقْطَارِ الْعَرَبِيَّةِ لَهُوَ مُؤَشِّرٌ قَوِيٌّ يُبْرِزُ سُوءَ نِيّةٍ خَبِيثَةٍ يَجْعَلُنَا نَتَسَاءَلُ وَنَبْحَثُ عَنْ مَنْ يَقِفُ وَرَاءَ هَاتِهِ القُوَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ البَشِعَةِ الّتِي تَدْفَعُ بِالإنْسَانِيَّةِ إلَى الْعَدَمِ فِي لُعْبَةٍ عَبَثِيَّةٍ تُجَرِّدُ الْأفْرَادَ مِنْ إنْسَانِيَّتِهِمْ. لِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ وَقْفَةٍ حَاسِمَةٍ وَتَوَجَّبَ التَّكَتُّلُ ضِدَّ كُلِّ نِيَّةٍ دَوْلِيَّةٍ اِسْتِعْمَارِيَّةٍ عُنْصُرِيَّةٍ غَاشِمَةٍ وَإنْ كَانَتْ لَا تَخْتَلِفُ عَنْ مَا قَامَتْ بِهِ الْكَاهِنَةُ الْبَرْبَرِيَّةُ عِنْدَمَا طَالَبَتْ الْأَهَالِي بِحَرْقِ وَتَخْرِيبِ الْبِلَادِ قَبْلَ دُخُولِ الْعَرَبِ حَسْبَ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ "نِسَاءٌ تُونِسِيَّاتٌ" شَأْنُهَا شَأْنُ عِلِّيسَة الَّتِي تَتَّهِمُهَا بِجَلْبِ ثَقَافَةِ الْحَرْقِ لِلبِلَادِ.. لَابُدَّ هُنَا أَنْ نُذَكِّرَ بِأَنَّ بَعْضَ مُلُوكِ بِلَادِنَا فِي الْقَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرْ وَفِي الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ فَرَّطُوا فِي آثَارِ شُعُوبِهِمْ بِمَنْحِ بَعْضِ الآثَارِ لِبِلَادِ الْفَرَنْجَةِ كَهَدَايَا كَعُرْبُونِ وَفَاءٍ وَصَدَاقَةٍ رُبَّمَا بِدَافِعِ الْجَهْلِ بِخُطُورَةِ مَا يَصْنَعُونَ وَلَكِنَّ الْيَوْمَ وَبَعْدَ مَا حَصَلَ لِبَعْضِ مَعَالِمِنَا...بَعْدَ أَنْ صَارَتْ حُقُولُ آثَارِنَا مَرْتَعًا لِلْعَابِثِينَ وَلِلْمُرْتَزِقَةِ وَلِلْبَاحِثِينَ عَنِ الْكُنُوزِ وَاخْتَفَى بَعْضُهَا بِفِعْلِ السَّرِقَاتِ؟ هَلْ نُحَاسِبُهُمْ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ مِنْ كُنُوزٍ لِآثَارِ شُعُوبِهِمْ، أَمْ نَشْكُرُهُمْ عَلَى صَنِيعِهِمْ لأنَّهُمْ فَوَّتُوا فِيهِ لِمَنْ كَانَ أَقْدَرَ مِنْهُمْ عَلَى حُسْنِ حِرَاسَةِ وَصِيَانَةِ آثَارِهِمْ.. رَغْمَ أنَّهُ أَمْرٌ مُحْزِنٌ وَمُؤْلِمٌ إلّا أنّهُ بَاتَ وَاقِعًا وَحَقِيقَةً مُؤْسِفَةً فَهَا هِيَ مِسَلَّةُ حَمُورَابِي أَسِيرَةً فِي "اللُّوفَرْ" وَمِسَلَّةُ مَعْبَدِ الْأُقْصُرْ يَتِيمَةً وَحِيدَةً فِي كُونْكُوردْ في الهَوَاءِ الطّلْقِ بَعْدَ أَنْ فَرَّقُوهَا عَنْ تَوْأَمِهَا وَكَذَلِكَ آَثَارُ دُﭬّـة والْجَمْ وَقَرْطَاجْ مُتَنَاثِرَةً هُنَا وَهُنَاك بَعْدَ أَنْ فَرَّطَ فِيهَا بَايْ تُونِسْ زَمَنَ الْحِمَايَةِ. السُّؤَالُ الْمَطْرُوحُ بَعْدَ تَغْرِيبِهَا هَلْ يُمْكِنُ أَنْ تُمْنَحَ هَاتِهِ الآثَارُ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ الجِنْسِيَّةَ كَمَا أَبْنَائِنَا فِي بُعْدٍ عَجَائِبِيٍّ آخَرَ بِطَلَبٍ مِنَ الآثَارِ نَفْسِهَا خَوْفًا مِنْ مَصِيرٍ يُشَابِهُ مَا لَحِقَ بِأَرَاضِينَا؟ فَتُصْبِحُ آثَارًا إفْرَنْجِيَّةً. مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ الَّتِي أثَارَتْهَا الرِّوَايَةُ: البَحْثُ فِي أُصُولِ الْبِلَادِ التُّونِسِيَّةِ هَلْ التُّونِسِيُّونَ مَا زَالُوا يَنْتَمُونَ فِعْلًا لِلْأَمَازِيغِ أمْ لِلعَرَبِ أمْ هُمْ فُسَيْفُسَاءٌ مِنَ الْأجْنَاسِ تَعَايَشَتْ فَأنْتَجَتْ حَضَارَةً مُنْفَتِحَةً عَلَى العَالَمِ؟ وَهَلْ فِي وَقْتِنَا الرَّاهِنِ وَأمَامَ عِلْمِ التَّارِيخِ هَلْ يُمْكِنُنَا طَرْحُ مَوْضُوعِ الْأفْضَلِيَّةِ؟ هَلْ تَتَعَارَضُ حَقِيقَتُنَا كَمُسْلِمِينَ عَرَبٍ مَعَ الْبَحْثِ الْمَخْبَرِيِّ الْمَيْدَانِيِّ الْأرْكيُولُوجِيِّ كَعِلْمٍ يَبْحَثُ فِي الآثَارِ وأيْضًا البَحْث فِي الأسْطُورَةِ وفِي الرُّمُوزِ وَهَلْ اخْتِلَافُنَا مَعَ دِيَانَةِ بَعْضِ رُمُوزِنَا يَسْمَحُ لَنَا بِعَدَمِ إنْصَافِهِمْ بِحُجَّةِ اِخْتِلَافِنَا الدِّينِيِّ... إنَّ الْأمْرَ دَقِيقٌ وَحَسَّاسٌ. بِاعْتِبَارِ أنَّ التَّارِيخَ يَنْتَمِي لِلْحَضَارَةِ الإنْسَانِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنْقِيَةِ الْحَقِيقَةِ مِنْ شَوَائِبِ الْأسْطُورَةِ وَأيْضًا تَنْقِيَةِ الْخُرَافَةِ وَمَا اِرْتَبَطَ بِاللَّاوَعْيِ الْجَمْعِيِّ بِالذَّاكِرَةِ الشَّعْبِيَّةِ لِتَشْكِيلِ عَقْدٍ فَرِيدٍ حَضَارِيٍّ وَلَكِنْ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّارِيخَ يَكْتُبُهُ الْمُنْتَصِرُونَ كَمَا وَرَدَ عَلَى لِسَانِ الْكَاهِنَةِ وَقَدْ رَدَّدَتْهُ كَثِيرًا. هَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا إِعَادَةَ النَّظَرِ فِي قِرَاءَةِ التَّارِيخِ بِحَذَرٍ شَدِيدٍ بِتَفْعِيلِ آليَاتِ الْبَحْثِ وَأَدَوَاتِ التَّمْحِيصِ وَالتَّدْقِيقِ فِي كُلِّ مَا وَرَدَ عَلَيْنا منْ أَخْبَارٍ عَنِ السَّابِقِينَ وَلَكِنْ مَنْ يَضْمَنُ لَنَا سَلَامَتَهَا ومَوْضُوعِيَّتَهَا مِنْ إيدْيُولُوجِيَّةِ الْبَاحِثِ نَفْسِهِ هَلْ بِإمْكَانِهِ خَلْعُ جُبَّةِ الْإيمَانِ وَالْاِعْتِنَاءُ بِالْبُرْهَانِ فِي الْمُخْتَبَرِ وَاسْتِرْجَاعُ إيمَانِهِ وَقَوْمِيَّتِهِ وَكُلَّ إيدْيُولُوجِيَّتِهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمُخْتَبَرِ أمْرٌ مُمْكِنٌ وَلَكِنَّ تَطْبِيقَهُ قَدْ يَسْتَدْعِي دُرْبَةً وَتَأْهِيلًا... فِي رِوَايَتِهَا مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ أَمْ لَا تَعْلَمُ، جَعَلَتْ زهرة مرَاد قَارِئَهَا يَقِفُ وَيَتَأَمَّلُ، لِيُعِيدَ طَرْحَ السُّؤَالِ: أَيُّ السُّبُلِ يَخْتَارُ؟ كَأنَّهَا تَدْعُو الْقَارِئَ أَنْ يَتَوَقَّفَ وَيَتَأَمَّلَ فِي الْحَدَثِ الْعَجَائِبِيِّ مِنْ خِلَالِ رَمْزِ الصُّنْدُوقِ وَمَا لَحِقَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ، وَكَذَلكَ منْ خِلَالِ اِفْتِعَالِ لِقَاءِ عِلِّيسَة وَالْكَاهِنَة وَالْحِوَارِ الَّذِي لَعِبَ دَوْرَ الْاِسْتِنْطَاقِ لِتَغْطِيَةِ عَجْزِ أَنَاةِ السَّارِدَةِ وَمَا نَشَأَ مِنْ أجْوَاءَ مُصَاحِبَةٍ مَشْحُونَةٍ بِالتَّوَتُّرِ وَالْغُمُوضِ فِي إخْرَاجٍ يُوهِمُ بِجَمْعِ الْحَقِيقَةِ بِالْخَيَالِ وَالْخُرَافَةِ بِالْأسْطُورَةِ وَالْحِكَايَةِ الشَّعْبِيَّةِ بِقِصَصِ الْأبْطَالِ وَالْحَدْسِ بِالْبُرْهَانِ وَالظِّلِّ بِالضَّوْءِ وَالْمَدَى بِالصَّدَى وَالصُّورَةِ الشَّاعِرِيَّةِ بِالْبَلَاغَةِ وَالْجِنَاسِ بالطِّبَاقِ وَالمُقَابَلَةِ وَالْحَرَاكِ عَبْرَ اِعْتِمَادِ أَفْعَالِ الْحَرَكَةِ وَالْحِسِّ إلَى جَانِبِ التّشَظِّي...زَادَ تشْكِيلَ النَّصِّ أَنَاقَةً فِي إيقَاعِ صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ مُفَعِّلَةً طُقُوسَ اِسْتِحْضَارَ الْأَمْكِنَةِ وَتَصَادُمِهَا فِي اِصْطِدَامِ الْوَاقِعِ الْحَاضِرِ بِالْمَاضِي فِي تَخْيِيلٍ عَجَائِبِيٍّ مِنْ خِلَالِ حُضُورِ الْكَاهِنَةِ.. فِي وُجُودِ مَلِكَةِ قَرْطَاجْ وَانْسِيَابِ الْمَاءِ فِي جَوْفِ السَّارِدَةِ وَعَلَى صَدْرِهَا كَانْسِيَابِ القَصِّ الَّذِي يَرْوِي ضَمَأَ كُلِّ مُتَعَطِّشٍ جَفَّ حَلْقُهُ وَبَحَّ صَوْتُهُ رَاكِضًا بَحْثًا عَنِ الْحَقِيقَةِ فَأَوْقَعَهُ حَظُّهُ بَيْنَ وَاقِعَيْنِ وَاقِعُ حَقِيقَةِ عَالَمٍ اِفْتِرَاضِيٍّ أَزْرَقَ بِشَاشَاتِهِ الْخَارِقَةِ لِكُلِّ الْمَسَافَاتِ فِي زَمَنٍ مُوَحَّدٍ تُرْهِقُهُ حَرَكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَاقِعٌ بَيْنَ سَمَاءٍ وَرِمَالٍ وَبَحْرٍ بِأَمْوَاجِهِ الْمُتَهَادِيَةِ الَّتِي تَحْمِلُ مَعَهَا قَرَاصِنَةَ دِينٍ وَتُرَاثٍ تُذَكِّرُنَا بِالآثَارِ الْمَسْرُوقَةِ أوْ المَنْقُولَةِ أَوْ الْمُهْدَاةِ مِنْ مُلُوكِ الْعَرَبِ إِلَى بَرِّ الْفَرَنْجَةِ الَّتِي كُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا عَنْهَا سَابِقًا فَكَانَ مِنْهَا أنْ اِنْتَزَعَتْنَا مِنْ وَاقِعِنَا عُنْوَةً لِنُتَابِعَ أَحْدَاثَ "نُوفِلَّا" مُشَوِّقَة لِتَارِيخٍ نَعْلَمُهُ، بِطَرِيقَةٍ مُشَوِّقَةٍ مُبَرْهِنَةً بِأَنَّ لِلْحَكْيِ لَذَّةٌ وَمُتْعَةٌ وَمُؤَانَسَةٌ. اِقْتِبِاسَاتٌ مِنَ النَّصِّ حِجَاجِيَّةٌ: " *مَلِكَةُ قَرْطَاجْ فِي الْمَدَى... وَبَقِيتُ وَحْدِي لَا أَسْمَعُ سِوَى صَدَى صَوْتِي الْمَبْحُوح تَذْرُوهُ نَسَائِمُ الْبَحْرِ"(صَدَى مَدَى) * "الْتَفَتُّ ألْفَيْتُ إنَاءَ الْمَاءِ الَّذِي شَرِبَتْ مِنْهُ الْمَلِكَةُ عِلِّيسَة عَلَى الرَّمْلِ وَأَحْسَسْتُ بِالْعَطَشِ" "رَفَعْتُ الْإنَاءَ إلَى فَمِي، فَانْسَابَ الْمَاءُ فِي جَوْفِي وَفَاضَ بَعْضُهُ عَلَى صَدْرِي.." "مَدَدْتُ يَدِي أتَحَسَّسُنِي فَإذَا بِي مُمَدَّدَةٌ عَلَى الشَّاطِئِ الرَّمْلِيِّ وَقَدْ بَلَغَنِي بَعْضُ الْمَوْجِ نَهَضْتُ مُسْرِعَةً وَحَرَّكْتُ رَأْسِي يَمْنَةً وَيَسْرَةً كَمَنْ يُرِيدُ اِسْتِيعَابَ مَا حَدَثَ...وَطَفَا عَلَى ذِهْنِي وُجُودُ مَلِكَةُ قَرْطَاجْ وَحُضُورُ الْكَاهِنَةِ...هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأمْرُ حَقِيقَةً؟ يَا إِلَاهِي!" "نَظَرْتُ حَوْلِي فَلَمْ أَرَ الْكَاهِنَةَ وَلَمْ أَلْمَحْ عِلِّيسَةَ وَتَخَيَّلْتُنِي أَسْمَعُ أَصْدَاءَ صَوْتِي لَحَظَاتٍ...نَهَضْتُ مِنْ مَكَانِي وَتَوَجَّهْتُ إلَى شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ جَلَسْتُ عِنْدَ ظِلِّهَا ونَظَرْتُ إلَى شَاشَةِ هَاتِفِي فَوَجَدْتُ أَثَرَ اِتِّصَالٍ مِنْ أَحَدِ أَصْدِقَائِي لَقَدْ وَصَلُوا إذَنْ عَلَيَّ أَنْ أُهَاتِفَهُمْ." فِي الْخِتَام: نُلَاحِظُ أنَّ الْمَتْنَ يُحَاكِي الْعَجَائِبِي وَالْوَاقِعَ وَالطُّوبُونِيمِيَا بِحَيَاءٍ أخَذَتْ بِعَيْنِ الْاِعْتِبَارِ رُوحَ الْعَصْرِ فَنَقَلَتْهُ بتفضيته مُقْحِمَةً الْأغْنِيَةَ وَالْجَوَّالَ وَالشِّعْرَ أوْهَمَتْنَا بِعَدَمِ سَيْطَرَتِهَا عَلَى شُخُوصِ رِوَايَتِهَا حَتَّى أَنَّهَا رَاحَتْ تَبْحَثُ عَنْهَا. رَكَّزَتْ خَاصَّةً عَلَى مَسْأَلَةِ مِصْدَاقِيَّةِ كِتَابَةِ التَّارِيخِ وَمَصْدَرِ الْأُسْطُورَةِ وَمَسْأَلَةِ الْجِينَاتِ رِوَايَةٌ ذَاتَ مَغْزَى اِخْتَارَتْ أَنْ تُعَالِجَ مَوَاضِيعَ شَائِكَةً رَاهِنَةً بِطَرِيقَةٍ غَيْرَ مُبَاشَرَتِيَّةٍ كَالإرْهَابِ وَالْحَرْقِ وَسَرِقَةِ الْآثَارِ وَالتَّارِيخِ مِنْ خِلَالِ الصُّنْدُوقِ ملاحظة 1: الرِّوَايَةُ ذَاتَ فَصْلٍ وَاحِدٍ لَا يَحْمِلُ عُنْوَانًا رُبَّمَا كَانَ بِالْإمْكَانِ تَقْسِيمُهَا إلَى أَكْثَرِ مِنْ فَصْلَيْنِ لِتَهْوِيَةِ السَّرْدِ وَتَمْكِينِ الْقَارِئِ مِنْ فُسْحَةٍ لِلْاِسْتِرَاحَةِ لِتَفْعِيلِ مُخَيِّلَتِهِ لَحْظَةَ مُشَاغَبَتِهِ لَحْظَةَ الْمُفَارَقَةِ. مُلَاحَظَةٌ ثَانِيَةٌ: وَإنْ اِسْتَطَاعَتْ تَذْويتَ التَّارِيخِ وَالْأُسْطُورَةِ وَالْخُرَافَةِ وَالْبُطُولَاتِ وَالْمَلَاحِمِ وَالْأُغْنِيَةِ وَالْأُنْشُودَةِ إِلَّا أَنَّهَا كَانَ بِإمْكَانِهَا ذِكْرُ الْمَصَادِرِ الَّتِي اِعْتَمَدَتْهَا، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا كَرِوَائِيَّةٍ غَيْرُ مُطَالَبَةٍ بِذَلِكَ بِدَعْوَى عَدَمِ مُشَاغَبَةِ الْقَارِئِ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَصَادِرَ الْمَعْلُومَةِ شَحِيحَةٌ فِي هَاتِهِ الْمَادَّةِ بِالذَّاتِ. كَانَ يُسْتَحْسَنُ جَعْلُ هَامِشٍ لِذِكْرِ مَصْدَرٍ أوْ مَصْدَرَيْنِ. وَإنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ لَيْسَتْ مَرْجَعًا تَارِيخِيًّا يَعْتَمِدُهُ الْمُؤَرِّخُونَ إِلَّا أَنَّ صِدْقَ الْحَدَثِ التَّارِيخِيِّ وَمَنْطَقَهُ مَطْلُوبَانِ وَهِيَ أَيْضًا تَبْقَى صَوْتًا مُبَلِّغًا عَنِ الشُّعُورِ وَالتَّفْكِيرِ تُعْطِي فِكْرَةً عَنْ جَدَلِيَّةِ التَّعَاطِي مَعَ الْأَحْدَاثِ التَّارِيخِيَّةِ زَمَنَ الْكِتَابَةِ فَهِيَ رَدَّةُ فِعْلٍ وَمَنْهَجُ تَفْكِيرٍ مُهِمَّانِ وَذَلكَ حَتَّى يُمْكِنَ بِصِدْقٍ تَصْنِيفَهَا رِوَايَةً تَارِيخِيَّةً تَنْضُحُ بِنَبْضِ اللَّاوَعْيِ وَالْوَعْيِ الْجَمْعِيِّ وَتُعَبِّرُ عَنْ رُؤْيَةِ الْكَاتِبِ لَا كَمُدَوِّنٍ بَلْ كَفَاعِلٍ لَهُ رُؤْيَةٌ يَسْعَى لِإيصَالِهَا لِقَارِئِهِ مِنْ أَجْلِ إيجَادِ وَاقِعٍ أَفْضَلٍ. هامش2 لِنَعُدْ إلَى الْكَاهِنَة لِنَرَى بَعْضَ مَا أوْرَدَهُ فِيهَا مِنْ تَنْوِيهٍ عَنْ شَهَامَتِهَا وَعَنْ شَهَامَةِ اِبْنَيْهَا إذْ يُذْكَرُ كَيْفَ طَلَبَ مِنْهَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدٍ أَنْ تَرْحَلَ قَبْلَ دُخُولِ الْعَرَبِ الفَاتِحِينَ حَتَّى لَا تُهْلكَ غَيْرَ أنَّهَا رَفَضَتْ قَائِلَةً "كَيْفَ أَفِرُّ وَأَنَا مَلِكَةٌ؟ وَالْمُلُوكُ لَا تَفِرُّ مِنَ الْمَوْتِ، فَأُقَلِّدُ قَوْمِي عَارًا إلَى آخِرِ الدَّهْرِ!" ص 24 ملَاحَظَة: عِلْمًا أنَّ خَالِدُ بْنُ يَزِيدْ فِي الْأَصْلِ أَسِيرُهَا وَكَانَتْ اِتَّخَذَتْهُ اِبْنًا وَأَخًا لِابْنَيْهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّفْحَةِ 25 مِنَ الشَّهِيرَاتِ التُّونِسِيَّاتِ لِحَسَنْ حُسْنِي عَبْدِ الْوَهَابْ "وَتَقَدَّمَ حَسَّانُ بْنُ النُّعْمَانِ الغَسَّانِيّ عَلَى أَعِنَّةِ الْخَيْلِ وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ بِالْفَحْصِ (الْجَمْ) وَقَدْ اِتَّخَذَتْ الْكَاهِنَةُ الْقَصْرَ الرُّومَانِيِّ هُنَاكَ حِصْنًا لِرِجَالِهَا فَتَكَافَحَ الفَرِيقَانِ وَتَجَالَدَ الْجَيْشَانِ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ الْفَنَاءُ فَانْهَزَمَتْ الْكَاهِنَةُ وَقُتِلَتْ عِنْدَ بِئْرٍ سَمَّاهَا النَّاسُ (بِئْرَ الْكَاهِنَة) وَلَقَدْ أحْسَنَ الْعَرَبُ مُعَامَلَةَ مَنْ كَانُوا مَعَ الْكَاهِنَة وَأَظْهَرُوا عَلَى عَادَتِهِمْ شَهَامَةَ الْكِرَامِ لِأَنَّ حَسَّانَ لَمَّا اِمْتَلَكَ الْبِلَادَ أمَّنَ الْبَرْبَرَ واشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْطُوهُ إثْنَيْ عَشَرَ ألْفِ فَارِسٍ بِرَسْمِ الْجِهَادِ فَأَجَابُوهُ لِذَلِكَ وَأَسْلَمُوا عَلَى يَدَيْهِ، فَعَقَدَ لِوَلدَيْ الكَاهِنَة كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى سِتَّةِ آلَافِ فَارِسٍ مِنَ الْبَرْبَرِ وَأَخْرَجَهُمْ مَعَ الْعَرَبِ إلَى النَّوَاحِي يَفْتَحُونَ إفْرِيقِيَّةَ وَالْمَغْرِبَ وَيُقَاسِمُونَ الْفَاتِحِينَ الْفَيْءَ وَالأَرَاضِي وَالشَّرَفَ. وَبِذَلِكَ حَسُنَتْ طَاعَتُهُمْ وَخَضَعُوا لِلدِّينِ القَوِيمِ وَصَارُوا لَهُ أنْصَارًا وَأَعْوَانًا وَأَمَّا الْكَاهِنَة فَإنَّهَا مَاتَتْ - كَمَا تَرَى مَوْتَةَ الْأَحْرَارِ بَعْدَ أنْ خَلَّدَتْ فِي تَارِيخِ هَذَا الْقُطْرِ ذِكْرَ الْأبْطَالِ الَّذِي لَا يَنْقَضِي بِمُرُورِ الدُّهُورِ وَالْأَجْيَالِ، فَمَا أَجْمَلَ مَا انْتَهَى بِهِ أَمْرُ هَذِهِ الصِّنْدِيدَةِ التّونِسِيَّةِ، وَمَا أَبْهَى وَأَبْهَرَ سُلُوكَ الْعَرَبِ مَعَ الْأُمَمِ الْخَاضِعَةِ لسُلْطَانِ الدِّيَانَةِ الإسْلَامِيَّةِ... الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الخميس 27-01-2022 10:50 مساء الزوار: 271 التعليقات: 0
|
|