من طرف/ججيقة بسوف

الدرجة العلمية:أستاذة محاضرة (أ)           

جامعة عبد الرحمن ميرة (بجاية) الجزائر.

البريد الإلكتروني/ djedjigabessouf15_(at)_gmail.com

عنوان المقال:

"البنية الأسلوبية في قصيدة (يا بنت العرب) ،للشاعر (موسى الشيخاني ) أنموذجا".

ملخص المقال:

من بين المناهج النقدية المعاصرة التي يعتمد عليها الشاعر في تحليل نصه الشعري 

المنهج الأسلوبي لما يحمله من سمات جمالية في تفكيك شفرات النص والتعمق فيه،وذلك من خلال مستويات التحليل الأسلوبي ودورها الفعال في تحريك عجلة ودينامكية وهندسة والكشف عن الوشائج والعلاقات التي يتكون منها العمل الأدبي ،وهذا ما سنحاول الكشف عنه من خلال تحلينا لقصيدة (يا بنت العرب) للشاعر الأردني (موسى الشيخاني ).

1-الهندسة التركيبة: يسعى الشاعر من خلال قصيدته إلى انسجام وتنسيق أفكاره ، في عمله الإبداعي بإدماج الألفاظ المناسبة في علاقات سياقية تركيبية ، باعتبار التركيب مرحلة أساسية في اللغة ليستقيم الكلام لأن :"الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة"()

1-1-شبكة متعلقات الفعل:

أ-تعريف الفعل: هو :"ما وضع ليدل على معنى مستقل بالفهم،والزمن جزء منه:كتب،يقرأ،أحفظ..."()

ب-أقسام الفعل: ينقسم الفعل إلى ثلاثة أقسام:

1-الفعل الماضي: "هو الزمن الذي مضى و انقطع قبل زمن التكلم،والزمان الماضي تعبر عنه صيغة الفعل الماضي الذي يشمل الماضي القريب و البعيد ".()

الشاعر لم يوظف الأفعال الماضية في قصيدته.

   2-الفعل المضارع:" ما دل على وقوع حدث أو عمل يقع في الزمن الحاضر" ()

للفعل المضارع بروز واضح في القصيدة ،إذ عبر الشاعر من خلاله على توالي أصوات الاستفهام فيتردد صوت الافتخار و الاعتزاز بالنفس واحتقار تلك البنت ، في قوله:

لا يعنيني من أنت؟

ومن أين أنت؟.

ويضيف قائلا:

لا تعتبري ابتسامتي إغواء

ولا تصدقي ظواهر الأشياء.()

3-فعل الأمر:

"يدل الأمر على طلب حصول شيء بعد زمن التكلم مثل:قرأ،ويقبل نون التوكيد مع دلالته على الطلب"()

برز الشاعر عدم مبالاته بمشاعر تلك البنت ،في قوله:

ارحلي متى شئت

 وبرحيلك لا تهدديني()

ج-الجملة:

1-في ماهية الجملة: "هي الكلام الذي يتركب من كلمتين أو أكثر و له معنى مفيد مستقل و الجملة العربية نوعان لا ثالث لهما،جملة اسمية و جملة فعلية".()

2-أقسام الجملة: 

أ-الجملة الفعلية:" هي جملة تحمل الإسناد ،يكون المسند فعلا مسندا إلى فاعل ويكون جزءا من أجزاء الفعل الذي أسند إليه، الجملة الفعلية تبدأ أصالة بالفعل، وعمدتها الفعل و الفاعل أو نائب الفاعل".() 

استعمل الشاعر ( الجمل الفعلية)، في هذه القصيدة (تسعة وعشرون مرة ) للدلالة على التجدد و الحركة والحيوية و النشاط و الديمومة.

إذ نجد مجموعة من الصور المتعاقبة، المحملة بشتى الدلالات، التي تتحرك فيها الأشياء وتومئ إلى عبثية يتساوى فيها الشيء وضده، ويتوازى الفرح والحزن والموت والحياة ، ويبرز ذلك في قوله:

فمهما كبرت وعلا شئنك

فلن تصلي أسفل حذائي

لا تغويني مناصبك والرتب

يواصل الشاعر في رسم صورة كبرياءه وعظمته في قوله: 

وإن غضبت 

تهتز جنيات الأرض

تحت أقدامي

ويكون الرمح والسيف طوعي ()

ب-الجملة الاسمية: " هي الجملة التي تحمل الإسناد بأنواعها المثبتة و المنسوخة والمنفية،فالاسم يسند و يسند إليه، يكون المسند اسم أو ما يجري مجراه (أي أن الجملة الاسمية قد تسند إلى اسم أو فعل) ليست الجملة الاسمية وحدة متكاملة، حيث يمكن الفصل بين المبتدأ و الخبر، أي يحدث استقلال كل واحد عن الآخر".()

 وظف الشاعر (الجملة الاسمية) ،(واحد وعشرون مرة ) ، للدلالة على طبيعتها الساكنة والهادئة والثابتة.

ويظهر ذلك من خلال ثورة الشاعر على تلك الفتاة العربية التي تعشقه،إذ يصرخ في وجهها مهددا في قوله: 

فحبيبتي أنا ...

ليست كباقي النساء

عربية حرة()

2-المستوى الصوتي:

2-1-البنية الإيقاعية الداخلية: لهذا النوع من التحليل علم قائم بذاته يسمى:علم 

الجمال الصوتي و هو فرع من علم " الأسلوبية،يهتم بالجانب الصوتي و الفونولوجي في النصوص الجميلة حيث يساعد في كشف التوظيف الصوتي لتجسيد الخيال و تحقيق الصورة شارحا أبعاد التكرار التقابل التوازي،و يدرس النواحي التالية من وجهة نظر لسانية تعبيرية ،التشكيل الصوتي اللغوي ،و الصوت البلاغي في النصوص بعامة يضاف إليها التشكيل الصوتي العروضي في النصوص الشعرية خاصة ّ. "()

2-3-بنية التكرارات:

        أ-تكرار الكلمة:

"هذا اللون من التكرار قد غلب على أسلوب الشعراء القدامى والمعاصرين على حد سواء، باعتباره محاولة لخلق إيقاع مغاير للقصائد السابقة،وربما لأنه اشتراك للحن في أداء المعنى،عدا ذلك يفيد في التأكيد على المعنى المراد وتثبيته في ذهن المتلقي".()

1-كلمة (بنت ):ترددت هذه الكلمة (مرتين)،إذ عبر الشاعر عن رفضه وسخطه واحتقاره  

لمشاعر تلك المرأة العربية التي تظهر عشقها،ويبرز ذلك جليا في قوله :

يا بنت العرب 

لا يعنيني من أنت؟.

2-كلمة (اسألي): تكررت (مرتين)،للدلالة على افتخار الشاعر بأصله وفصله، في قوله:

اسألي عني

سروج الخيل

ونجوم الليل 

3-كلمة (سيف) ترددت(مرتين) أيضا،للدلالة على قوة وشجاعة وشرسة الشاعر،في قوله:

أنا سيف ذو حدين

شهم إذا صادقتني

وعدو إذا عاديتني

4-كلمة(رجل) ترددت (مرتين)، للدلالة على بسالة وموقف الشاعر الحازم اتجاه تلك البنت العربية،إذ يحذرها من بطشه وغضبه ،قائلا:

لكني رجل مبهم السطور()

أحمل كل المتناقضات

5-كلمة(نساء) ترددت (مرتين)،للدلالة على دعوة الشاعر البنت العربية إلى الانصراف لأنه يحب امرأة ليست ككل نساء العالم،ويبرز ذلك في قوله:

فحبيبتي أنا ...

ليست كباقي النساء

عربية أصيلة

تجمع كل الخصال()

ب.تكرار الحروف (الأصوات):

"إن القول بقيمة الصوت أو الحرف قديما و حديثا جعل بعض الشعراء و الكتاب في مختلف العصور مهتمين به فأكثروا من اللعب به،و تبعا لذلك بالكلمات بل و أعرب بعضهم في ذلك مثلما نجد عند بعض الشعراء و كتاب المقامات العرب و كانت هذه الغرابة تزداد كلما أسندتها ظروف اقتصادية واجتماعية و ثقافية..."()

تحولت الحروف من اهتزازات صوتية مجردة إلى نماذج حية ،من خلال تجواله في أجواء هذه الأصوات المختلفة التي تعبر بصدق عن معاناة الشاعر تجاه تلك المرأة المتعجرفة ، ويظهر ذلك من خلال هذه اللوحة المتنوعة من الأصوات ،و إذا أردنا إحصاء نسبة تردد الحروف في هذه القصيدة، نلاحظ ما يلي:

1-صوت (يا): تردد هذا الحرف (ثلاث مرات)، ،إذ خاطب الشاعر تلك الفتاة المتعجرفة بنبرة احتقار واستصغار من قيمتها قائلا:

يا من تظنين

أنك سيدة كل النساء

فمهما كبرت وعلا شأنك

فلن تصلي أسفل حذائي

2-صوت (من) تردد (خمس مرات) وقد أراد الشاعر أن يلفت ذهن المتلقي بعمليتي التأكيد والبناء في نفس الوقت،أنه لا يمنح أدنى اهتمام لتلك الفتاة، في قوله:

لا يعنيني من أنت

ومن أين أتيت؟

من الشرق أم من الغرب

فشتان بين عقلي وقلبي

3-صوت(الواو): تكرر(ثلاثة عشرة مرة)، إذ صور لنا الشاعر في هذا المقطع أنه لا يبالي برحيل أو بقاء تلك المرأة ،قائلا:

ارحلي متى شئت

وبرحيلك لا تهدديني()

بالإضافة للكثير من الأصوات التي لعبت دورا محسوسا في بناء هندسة هذه القصيدة ،نظرا للقيمة الأسلوبية التي تقوم عليها عملية نسج الحروف فيما بينها بأنواعها المختلفة (حروف الجر،النصب،...).

3-الهندسة الدلالية:

"هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالتها و توضع تحت لفظ عام يجمعها"() 

بتفكيك شفرات القصيدة، نستشف أن الحركة الدلالية تجسدت في الحقول الدلالية التالية:

أ-حقل الحب و العشق : يواصل الشاعر خطابه ،في البحث عن ومضة الأمل ،والملاذ الذي يوصل إلى منابع النقاء والحنان ، وإيمانه القوي بعفة الحب ،وهو ضد المرأة الشرسة التي لا تتقن لغة الحب، ،ويظهر ذلك جليا في قوله:

فقربك أو بعدك

لم يعد يعنيني ()

ويضيف قائلا:

عربية حرة

تجمع كل الخصال

إذا نطقت 

تلين لها الكلمات دلالا

وإذا تبسمت 

انحنت لها الدنيا إجلالا

وإذا غصبت 

ازداد حسنها جمالا.

ب-حقل الطبيعة: استعان الشاعر من الطبيعة أجمل عناصرها مكسوة بلوحة بالاعتزاز والافتخار، محولا كل العناصر الجامدة إلى كائنات حية، تتحرك وتحس ،كقوله:

اسألي عني

سروج الخيل 

ونجوم الليل

واسألي...

الدلة والشاة

دمها في البراري يسيل 

ج-حقل الحرب: عبر الشاعر عن الأنين والشكوى والإحساس بالضياع والتمزق ،والثورة على واقعه بما فيه من ظلم وقهر،وهذا ما ولد إيقاع مأساوي صارخ برزه كوثيقة إنسانية مشحونة بالحسرة والتوجع، كقوله:

إن غضبت 

تهتز جنبات الأرض

تحت أقدامي

ويكون الرمح والسيف طوعي ()

خاتمة:

من خلال المقاربة الأسلوبية لهذه القصيدة ،توصلنا إلى جملة من النتائج التي تتعلق بمختلف المستويات التي قمنا بتحليلها،أهمها:

- الشاعر من بين الشعراء المعاصرين الذين انشغلوا بقضايا عامة،كقضية (الوطن الغربة، العالم العربي...) عامة و قضية الحب (الوطن ) خاصة .

-الشاعر يفجر في أحاسيسنا بحرا من التوترات النفسية يزخر بعواطف ومشاعر مميزة،التي تدفع المتلقي إلى التوحد معه في همومه الذاتية التي هي جزء من هموم الإنسان.

- حضور كثيف للجمل الاسمية مقارنة بالجمل الفعلية ،لأنها الأنسب لانفعالات و عواطف الشاعر.

- وظف الشاعر الكثير من الحقول الدلالية التي صورت نفسيته .

قائمة المصادر والمراجع:

1- موسى الشيخاني ،قصيدة( يا بنت العرب).

2- أمال منصور،أدونيس وبنية القصيدة القصيرة،ط1،عالم الكتب الحديث،أربد،الأردن،2007.

3-خليل عطية،قواعد اللغة العربية،ط1،دار الشروق،عمان،الأردن،2002.

 عادل خلف،نحو اللغة العربية،مصر،القاهرة،1994 . 4-

5- هنداوي،منشورات محمد بيضون،دار الكتب العلمية،بيروت،لبنان،2000.

6- صالح بلعيد،الصرف والنحو،دراسة وصفية تطبيقية من مفردات السنة الأولى