استخدم الشاعر سامي أبوبدر في ديوان (ساعة من ليل) الألفاظ الدالة على الزمن في سياقات وتراكيب دلالية تحمل حبه لوطنه، وحزنه وتألمه على محنه وآلامه، وتبشر بغد أفضل، وهكذا يكون الشاعر الحقيقي على إدراك ووعي بهموم وطنه ومجتمعه، ومتفاعلا مع آلام الناس وآمالهم.
وفيما يلي عرض موجز لأبرز السياقات والتراكيب الدلالية لألفاظ الزمن وعلاقتها بحب الوطن في ديوانه (ساعة من ليل). 
لقد سيطرت مشاعر حب الوطن والانشغال بقضاياه وهمومه وآلامه على أبوبدر في كل أوقاته وأيامه، وليله ونهاره وصباحه ومسائه، ظهر ذلك في استخدام أبوبدر الألفاظ الدالة على الزمن في سياقات وتراكيب دلالية تحمل حبه لوطنه، وحزنه وتألمه على محنه وآلامه، ومن أبرز هذه الألفاظ ما يلي:

الزمــــــــان:

ففي ظل حب الشاعر لوطنه ومشاركته لآلامه يبين أن زمان المحن ليس كزمان اليسر والسلامة، فيقول في قصيدة (أنين): (لا تستغيثي/ واكتمي الآلام/ إني عاجز/ أنا لا أجيد سوى البكاء/ هذا زمانٌ لا يقارن بالزمان/ ولا تعاتبه الجراح/ وحلمنا الوردي بات مهلهلا/ في زحمة الأشواك والآهات/ والدرب الذي غامرت/ في أرجائه معك ابتهاجا بالصبا/ هجرته أحلامي/ التي كانت تحلق في الفضاء).
وقوله في قصيدة (ساعة من ليل):
والدهر صوب سهمه متعمدًا/ قلبي، ولما قد ضعفت رماني/ من كل لون للجراح يذيقني / وبكل كأس للهموم سقاني

الأيـــــــــــــام:

وأبوبدر يستخدم التراكيب الدلالية لألفاظ الزمن (الأيام - الصبح - الليل) ويوظفها لإظهار مدى حبه لوطنه ومشاركته لآلامه؛ يقول في قصيدة (ريح عقيم): «أمضيتَ الأيام الأولى تنشدها طربًا/ فنشيدك بات مؤامرة/ ومزاج الصبح استعذب ما نعق الغربان/ ولدي.../ الليل أقام بلا سفر/ وتراقص فوق رفات الصبح/ وراح يغني أغنية الوجع الأبدي../ يطاردنا/ فاخلد للنوم.. وسلم أمرك للنسيان) 
اليوم: وظف أبوبدر لفظة اليوم في سياق دلالي معبر عن أحاسيسه بآلام الوطن ومحنه يقول في قصيدة (أنين): (اليوم يسقط عن قساوتك القناع.../ الآن تعصف بي حقيقتك التي/ باتت تجاهر بالشقاق/ وبالجفاء). 

الغروب - المساء - الليل:

استخدم أبوبدر لفظة (الغروب - المساء -الليل) ليعبر بها عن تراكم الأحزان والشدائد على فؤاده حزنًا على آلام الوطن ومحنه، ويمكن بيان ذلك على النحو التالي :

الغـــروب:

يقول في قصيدة (عاصفة): (ما عاد ينفعك النحيب/ على رفات الذكريات/ فلن تعيش إلى الغروب طيوفها/ لو تقرئين ملامحي...). وقوله في قصيدة (أنين): ( يمتطي ظهر الغروب مهاجرا في موكب.../ لم يبكه عند الفراق مودع)

المســــاء: 

يقول في قصيدة (أنين): يا ذكريات طفولتي وبراءتي/ أمسيت في الأعماق/ جُرحًا غائرًا/ وغدوت في الأحشاء داء)
وقوله في قصيدة (ترانيم): (عندما حل المساء/ وضمنا حلم يحاصر حلمنا/ حين احتسينا/ جرعة الموت المقنع بالحياة/ وحينها سالت دموعك/ تنبت الآلام في أرجاء قلبي/ تحرق الآمال فيْ)
وقوله في قصيدة (الوعد): وأبكى نهرنا جرحٌ/ فأمسى النهر مهمومًا يغالب دمعه القاني/ غدوت أسائل الماضي: أكنت حقيقة؟ أم أنك الوهم/ الذي كتبت أنامله نهاياتي؟)
وقوله في قصيدة (رحيل): وتصبح نفسك في روعة/ وتمسي وقد نالها نائل. وقوله: فأمسى سبيَّ النوازل لو/ تراه كأن الردى نازلُ. وقوله في قصيدة (ساعة من ليل):
ورأيتني أمسي يؤرق مضجعي/ هَمُّ ينوء بحمله الثقلان/ لما رأيت حبيبتي مكلومة/ والكون يبكيها بدمع قاني 

الليــــــــل: 

وها هي بلده تخاطبه في قصيدة (ريح عقيم): (قالت وسكون الليل يحاورني: قم مزق ما سطرت بصدرك/ ها هو في الساحات يداس بأحذية ويهان/ الريح عقيم يا ولدي/ لن ترحم قلبا من ورق/ لن تغني عقلا من طين ).
وقوله في قصيدة (ستار من حجر): (ثم ينزع بيننا الشيطان/ في خلواتنا/ يبدو كناصح قومه/ في ليلة دمس الظلام على القلوب/ وبات كلٌّ في خطر).
ويقول في قصيدة (حنين): (عروس/ وفي ليلة العرس قالت وداعًا/ وراحت تلملم حاجاتها/ واصطبار مرير يمزق فيها السكون/ الذي قد رأته ضياعًا/ وفي مقلتيها كلام/ يشتت قصد الدموع التي لا تجف/ يُهامسها المنتهى أن أفيضي/ ويحيا ابتسام على ثغرها/ يستبي اللفظ في خندق الغيظ).
وقوله في قصيدة (ساعة من ليل):
والليل يعجز عن بلوغ نهاره/ فالصبح أبعد من منالٍ دان/ وظلام هذا الليل يحجب رؤيتي/ فكأنه سجن بلا قضبان
وقوله في قصيدة(غرس):
بقلبي ثورة تغلي/ على الأوجاع والبؤس/ على ليل يخادعني/ يدس السم في الكأس

الفجــــــــر:

كعادة الشعراء سلك أبوبدر توظيف لفظة (الفجر) لتعبر عن الأمل في زوال محن الوطن وآلامه. 
يقول في قصيدة (ترانيم): (آمنتِ بالفجر المبين/ فقلتِ: لا تحزن /وهون من بكائك يا بني/ الفجر قد ثقلت به رحم الظلام/ وراح ليلك يكتسي منه/ ترانيم الرحيل/ وغاب في جو السماء /نعيب سجاني الشقي)
وقوله في قصيدة (حنين): (وتخطو بعزم/ يبدد ظلمة ليل طويل/ ليشرق فجر الرجال الهزيل). 
وقوله: وتزحزح الليل الكئيب وأقبلت نسمات فجر مؤنس بأذان 
وقوله في قصيدة (شروق):
ستشرق شمسها من غير شك/ ليعرى كل بهتان وإفك/ تراءى الفجر يبزغ من بعيد/ يشد رحاله شوقًا إليك/ ليرحل عنك يا سمراء ليل / بما غشاك من قهر وضنك.
وفي قصيدة (سأحيا أغني) حيث يقول: « سأحيا أغني/ لأني../ أرى الفجر يشرق من جوف ليل/ يمل سباتًا عميقًا/ ليرسم دربًا/ تُشد إليه خطا أمنيات الكبار/ ليبعث في الكون غيث السحائب في المرسلات/ ويسرج للخير/ خير الركائب والعاديات/ سأحيا أغني)
الصبح والصباح:
لقد وظف أبوبدر لفظتي (الصبح والصباح) لتحقيق أمنياته في زوال محن الوطن التي قد تشتد في الليل؛ ظهر ذلك في عدة قصائد في ديوان (ساعة من ليل) منها:
قوله في قصيدة (ترانيم): (والشوق يستبق الحنين/ وينهب الأرض اعتذارا/ نحو وجه الصبح يلتاث الأماني/ عند أحلام الصبي/ قم طارد الصمت المهين/ وقاوم العبرات/ إن هي أقبلت ليلا تعانق مقلتيك/ وشتت الحسرات/ من أعماق قلب مزقته الآه يومًا)
وفي قصيدة (نشيد النهر) بين أن الصباح كان موعدًا لاشتداد مآسي أبناء الوطن يقول: وحين تجلى ضياء الصباح/ تجلت لأعيننا مسرحية/ يوزع أدوارها مخرج طامح/جانح/ في مدار الخيال /ليكتب فينا نهايتنا/ مبدعا في صنوف الردى)
وقوله في قصيدة (تراتيل): (وكيف أن الصبح أشرق/ من حطام الذكريات الخالية/ وغدا يبوح النهر/ بالسر الذي أدمى فؤادك يا أميرة/ ليس يمنع فضفضات الروح منه/ ناعب يجثو على صدر الخواطر/ بعدما أضحى يحررها الربيع من السكوت/ ليرحل الخوف الذي سكن الجوانح/ واستقر على وجوه البائسين...). 
وقوله في قصيدة (أنين): (يفتش في دهاليز الظلام عن الصباح/ وقد بدا متعثر الخطوات/ في ليل طويل موحش/ يا أيها الصبح الكسيح/ ألم يحن أن تستفيق من السبات/ فتبعث الأمل المعفر بالرجاء).
و يقول في قصيدة (حنين): (ويزداد وجه الصبح اتساعًا/ وتمسك أطراف ثوب الزفاف/ ملائكة الحب/ والمهرجان تداعت له/ السابقات بأرواحهن مهورًا إلى الخلد/ حين تراءت /ولحن الوفاء يغني).
وقوله في قصيدة (ساعة من ليل):
ومع الصباح تراهم يسعون في/ أمل يسابق سرعة الركبان/ هم ثلة عشقوا الحياة لأنها/ سبب ومركبهم إلى الرحمان 
وقوله في قصيدة(غرس): دليل النور في دربي/ يبث العزم في نفسي/ (غدا) أمضي أسطره/ وأغزله من (الأمس)
وأجمل بـ (أبوبدر ) وهو يشنف آذاننا بدرته وحكمته الذهبية في عشق الوطن:من للبلاد يقوده عشق لها؟/ والعشق يسمو في هوى الأوطان/ إني نهلت العشق للأوطان من/ هدي الكتاب وسيرة العدنان.
لقد أبدع أبو بدر في توظيف الألفاظ الدالة على الزمن في سياقات وتراكيب دلالية؛ ليعبر بمهارة واقتدار وفنية عن حبه لوطنه، وحزنه وتألمه على محنه وآلامه، باعثا الأمل في نفس القارئ في غد أفضل، ومبشرا بأننا على مشارف فجر جديد.