|
عرار: عندما أطلقت "الموقد الثقافي" على الشبكة العكبوتية، أسعدني كثيرا أن عددا من الكتاب والشعراء أخذوا يرسلون بابداعاتهم لهذا الموقع الذي أردته أن يكون موقعا ثقافيا يُعنى بنشر الأدب الفلسطيني بشكل خاص، وذلك انطلاقا من إيماني بأن الكثير من هذا الأدب يستحق الاهتمام ، ولعل نشره بشكل مكثّّف يكشف للقارئ والناقد والمهتم عموما جوانب جديدة لم يلحظها من قبل .. ولكن " وبدون سابق تخطيط " وجدتُ نفسي أمام كم لا بأس به من إبداع كتابنا وشعرائنا من الوطن العربي الكبير والمهجر، وهكذا أصبح "الموقد" موقعا عربيا ثقافيا شاملا يجمع حوله العديد من الكتاب الذين ربتطني مع بعضهم علاقة صداقة ساعدت على صقل وتطوير "الموقد"، ومن بينهم كانت الشاعرة والأديبة آمنة عبد العزيز التي أخذت بصوتها الأدبي القادم من العراق، والحامل في كثير من الأحيان همومه وجراحه، تساهم مشكورة في ما نقوم بنشره، والحقيقة انها لفتت انتباهي بعذوبة عباراتها، وبصدقها الفني والانساني، وبجملها الشعرية المبتكرة، بالاضافة إلى تعدد اهتماماتها الأدبية التي تتألق ما بين القصيدة والمقالة والقصة القصيرة ، وربما هذا هو الذي دفعني أن أتوجَّّّه إليها عبر بريدها الألكتروني، بالحوار التالي ... *كيف تعرِّّّّفين نفسك إلى قراء الموقد ؟ **أحمل بداخلي صراعات النساء وتناقضاتهن وحبهن وألبس ثياب شهرزاد وأقص حكايات الألف ألف التي لم تأت بعد , أقف على أول الطريق الذي يأتي منه صباح محملا بهواء خال من رائحة البارود لذا أنا أمرأة من زمن التيه وعراقية من زمن الحرب وعاشقة من زمن اللامتناهي وعربية من قوافل الصحراء البعيدة المحملة بالعطر والأسرار وآمنة بالحب والسلام والشعر قاب قوسين أو أدنى منه قريبة من أنفاسه حبيبي شاغلي وطني ( العراق ) أنا هو .. *أراك تكتبين قصيدة النثر وتصرِّّّّّّّّين على نشرها .. لماذا اخترت هذا النوع من الشعر، مع أن التراث الشعري العراقي كان السبّّّاق والمؤسِّس لقصيدة التفعيلة ؟ **حريتي تكمن في كم البوح من مساحات التحرك بحرية بين جسد القصيدة النقرية أعطتني فيض منها للقول دون خوف وتردد بأطار الأنحسار لقصيدة التفعيلة , والنثر هو كما زخات المطر تأتي قوية هادرة وفي لحظة تتوقف لتحيل الأشياء الى لحظات حلم ترتقي فوق القوافي كل المسميات .. وهذا لا يعني أني ضد كتابة قصيدة التفعيلة , فهي قصيدة النضوج والترقب والصمت والكلام من غير نطق لكنها تجعلني مقيدة وهذا ما لا أطيقه حتى وأن كانت كلمات قصيدة تفعيله ..أما عن التراث الشعري العراقي كان سباق والمؤسس لقصيدة التفعيلة ؟ فهذا ما لايمكن تناسيه أو تخطيه فقد أعطى الشعراء العراقيون الكبار حقها حتى عصرها كان له خصوصية التفرد بين قصيدة التفعيلة العربية .. *تكتبين أيضا القصة القصيرة والصورة القلمية وأحيانا المقالة الأدبية، هل تلجئين الى هذه الأصناف من الأدب حين لا تستطيعين التعبير عمَّّّّّّّّّّّّا يختلج في داخلك شعرا ؟ **هناك أنشطارات واضحة عند كثير من الشعراء والأدباء في توجيه دفة كتاباتهم وتنوعها وهذا هو مهم في عملية التزاوج الأدبي ليولد أبداعا آخر لشخص الأديب والكاتب والشاعر ومن ثم تصب جميعا في ذاته الأنسانية ليتبلور عنها فصول من حالا ت ألأنزياحات التي يعيشها بداخله فتكتمل الصورة , وأنا شخصيا كنت أكتب القصة التي تؤرخ مراحل ماضية من حياتنا أضيف لها ترجمة واقع الحياة الجديدة بأطار تشويقي لا يخلو من الواقعية , وايضا كتبت العمود الصحفي ولم أتخلى عن الأيقاع القصصي في السرد المكثف للقصة من خلال أعمدة بارزة في الصحافة العراقية مثل ( أمرأة خارج التغطية ) ( والعين الثالثة ) ( وتحت خط الحب ) ( وبين قوسين ) وغيرها , والشعر عالما آخر جرني الى نزواته منذ زمن بعيد لكني كنت أخشى أعلانه على أنه خطيئتي الأجمل . فدخلته فاتحة محرر لا غازية وأستبدلت ثيابي الخشنة بأثواب حريرية من نسجه فأصبحة الشعر غوايتي التي تشتعل بالأنفجار كل لحظة وأقول بصوت أمرأة عربية ( أنه أعطاني صوتي الآخر المكبوت وأطلق جميع ألسنتي دون خوف ) .. *ألاحظ أن المرأة قائمة في معظم ما تكتبين، وخاصة في الشعر ، هذا يقودني إلى أن أتوجَّّّّّه إليك بالسؤال عن رأيك بالأدب والشعر النسائي في الوطن العربي بشكل عام ، وفي العراق على وجه الخصوص ؟ **في أحدى اللقاأت الفضائية كان هناك حوارا يجمعني بالكاتبة الجميلة غادة السمان والشاعرة الرائعة فاطمة ناعوت , قلت : أن الكون أمرأة والرجل ولد بداخل الكون .. أي أن المرأة محورا جدليا قائما منذ بداية التكوين حتى ماشاء ربي , لهذا أعبر مسافات في تدوين كل ما يعتمر نفسي من متناقضات جميلة للوصول الى المرأة الأخرى في صورها العديدة, الأرض أمرأة , النخلة أمرأة , الليل , أمرأة , الصباح , أمرأة , الماء أمرأة , الجمال أمرأة ومابين كل هذه المكونات الرجل فهو العنصر الأحادي المتكامل بالمرأة بأخذ ذلك التكامل من عناصر البقاء في كل المسيميات أعلاه.. أما سؤالكم عن الأدب والشعر النسوي في الوطن العربي والعراق فأقول: المرأة محكومة بأرث قديم متراكم وهذا له تأثيره السلبي على فهم كينونتها الأدبية والثقافية لكنها أستطاعت أختراق حاجز اللعبة في تحجيمها وكسرت القيود لتكون متواجدة على الساحة الأدبية بالشكل الذي يليق بها كأمرأة عربية مثقفة وواعية لخطواتها, أتمنى أن تكون دائرة المثقفة العربية أوسع في محيطها كي تصل الى مدايات أوسع ثقافيا , أما في العراق فهناك خصوصية وأشكالية في ذات الوقت , أولا النزاعات والحروب أثرت على غياب أدب الداخل ودعمت من أدب الخارج النسوي وثانيا تأثرت لغة المرأة الأديبة بالحرب حتى باتت صورة منها, الآ قلة منهن أستطعن تدوين يوميات الحرب بلغة الحب وتحويل مسارات القلق اليومي الى حالة من الأنزياحات الأدبية والثقافية ,ولكن أقولها بألم أن المرأة المثقفة في داخل العراق تعيش صاعات التواجد الثقافي وكأنها تخوض معركة للوجود, وهذا أعزوه لأسباب سيطرة مفهوم المجتمع الذكوري الذي يبسط من نفوذه على اغلب المجتمعات العربية والعراق جزء منه .. *هناك رأي يقول بأن قصيدة النثر لم تثبت نفسها إلا عند محمد الماغوط .. وهناك رأي آخر يمكن تلخيصه بأنه يُخرج قصيدة النثر من دائرة الشعر .. وبصفتك إحدى أبرز كاتبات قصيدة النثر، كيف تردِّّّّّين ؟ **محمد الماغوط له أسلوبه وخصوصيته في تدوين حزنه وهمه العميق في تحويل مسارات القصيدة النثرية الى حقيقة تتلاشى بلحظة وتتحول الى حلم يقضة وهو ساحر ما أن تبدأ بالقراءة له تعود من جديد وكأنك لم تبدأ بالقراءة له , وقصيدته النثرية مختلفة عن كل أشكال القصائد النثرية لأنه أعطاها حرية أن تتلاعب به قبل أن يتلاعب بها هو وهذا ما جعلها متحررة أي قصيدتة من عقدة الأضطهاد التي يمارسها بعض الشعراء على قصائدهم . أما الرأي الذي يخرج قصيدة النثر من دائرة الشعر فأقول : قصيدة النثر هي الأبنة الشرعية للشعر حتى وأن أنكروا عليها هذا النسب ولأن لها جمالها الخاص حسدوها الحاسدون ,لذا فأنا منحتها سمة الدخول الى عقلي وروحي وسأدافع عنها بتدعيم ركائزها في بوح لا محدود وبلغة تليق بأسمها النثري .فهي صورة جميلة لأيقاع حياة متجددة نابض بالحرية . *قصيدة النثر، ولكي تكون شعرا - كما أري - يجب أن تعوِّّّّّّّض عن الوزن بالعديد من العناصر الشعرية والفنية مثل : الإيحاء والتَّضمين والتّّرميز وتفجير اللغة والصور الشعرية الحديثة المركبة .. ألخ .. هل استطاعت شاعرتنا آمنة عبد العزيز أن تجسد ذلك في قصائدها .. أم أن لها في الشعر مفاهيم أخرى ؟ ** التعويض يعني هناك خسارة , وهذا يعني أن القصيدة الموزونة رابحة في الوزن والقافية والقصيدة النثرية خاسرة هذا ؟ أعتقد أن الوزن ليس كافيا لولادة قصيدة جميلة وباقية في الذاكرة , بل الذي يرسخها هو كيف يمكن أختيار المفردات القوية , وهناك كثير من الشعر الموزون لا نتذكر منه الآ سويعات وفي قصائد نثرية لبعض الشعراء أستطاعوا أن يجعلوا منها راسخة بعمق جماليات الصورة الشعرية والتضمين والترميز أذن هم أستطاعوا الربح ولم تكن هناك خسارة , وأنا شخصيا ركزت على شعرية التضاد في اغلب قصائدي وكنت أختار تفجير بواطن الكلمات كي أستمع لصداها عند الآخرين ومفاهيمي الحقة لكتابة القصيدة هو تدوينصور منحياتنا الماضية والتي نعيش لحظاتها والحقيقة كنت في كثير مما أكتب وأنا مجنونة بلا وعي تام وعندما أعود لقرائتها أخفي وجهي بيدي وأنزوي خلف حجب خجلي وأردد معقول هذا يا آمنة ؟!! * لو طلبتُ منك أن تختاري قصيدة من شعرك .. ماذا تختارين ؟ لقاء بعطر ( الشبوي ) غاب مع صبح خجل ظل الشوق دربه بين مقلتينا ليل بغداد الحزين خجل من تلاقينا كنت أرتضي الأنتظار عند حاجز مكبل بصرخة طفل لو تأجج الشوق ليشعل ليل مدينتي كنت أتلمس أجزائي كي أصدق أن المكان والزمان يجمعنا .. أنا .. أنت قصة عشق في لحظة مسروقة كان بيننا حواجز محتل وأصوات طائرات وزمجرة ( سرفات ) دبابة لم تهزم همساتنا ما أقسى الأحتلال ما ألعــنه ما أبغضه تمنيت أن أشهر كل اسلحة الحب في وجه ذ لك الجندي وألقي بخدي فوق أكتافك وأجعل من قهقهة ضحكاتي دوي أنفجار أنساني وأسفح من رضابنا ينابيع لا تبقي ضامئين أخذت كأ س عصيرك دون أن تدري وأرتشفت عطرك هل تذكر ؟ ونحن نداعب أشجار ( الفيكس) تمنيت لو المكان مقتطع من الزمان تحيطه غابة من حراس نبلاء وتتوجني ملكة الليل والعطر كنت مترددا في طلب أخفته نظراتك لن أقول عنك متخاذل ! لن أفضح ترددك كان القلق يضج بك موشى بالتمني حتى ثيابك وأزرار معطفك ( الأنكليزي) تمنى أن يكون عراقيا تمنيت أن تبقي لي شعرة من فجرك على كتفك الأيسر نامت بصمت شارع بربيع لقائنا وشارع بمغيب سفرك ربما كانت حواجز الأسمنت شاهدا ! وذلك الجندي المتحقق من هويتنا أرخى بعيونه المستفزة عن شجاعة عاشقين غريب أن نسرق الحب في مدينة الحب غريب أن نسابق الخوف كي نلحق بالفرح غريب أن نبحث عن شوارع أختفت خلف الخوف غريب أن لا تأتي بغير موعد غريبة أن ألتقيتك تحت وطأة الأحتلال يشرئب صوتي عاليا لتولد حمامات في ذات المكان ونطلق صغارها في فضاء قادم يحمل لقاء آخر لا تغيب عنه عيناك تغيب عنه كتل الصمت وحواجز العتمة ومحتل جاثم وطائرات ( الأباتشي ) عندها أقول انت من حررني .. *عالم الشاعرة آمنة عبد العزيز يموج في أحيان كثيرة في مساحة أدبية وفنية أراها تلبس عدة أجناس أدبية في آن معا ، مما يحدُّّّّّّّّّّّّّّ أحيانا أمام بعض المهتمين الاحاطة ببعض جوانبها.. ما السبب ؟ **ربما منحني عملي في مجال الصحافة المكتوبة والأعلام المرئي أن أقف على مقربة من يوميات الناس وهموهمهم وصراعاتهم الحياتية وكنت ادون صور منها كل يوم وأحيلها الى تحقيقات ومن ثم تكون قصص بلغة أدبية وهذا أخذني الى خوض مجالات شتى في الأدب والفنون والشعر صورة منها , أضافة لمشاركتي في متابعات الفنون الأخرى ومنها رغبتي في التصوير الفوتغرافي والتصميم وأحيانا الرسم وكل هذا تعبيرات متداخلة في ذاتي وحينما ألبس عدة أجناس أدبية في آن معا هذا يعطيني أكثر من رؤيا لتدوين لواعج نفسي والآخرين معا , *بمن تأتَّرت شاعرتنا من الشعراء العرب والعالميين ؟ **عشقت حزن بدر شاكر السياب وتفتحت مراهقتي على جرأة غادة السمان وتوقفت كثيرا عند رجولة نزار قباني الشعرية وهذبت قرائتي بين أشعار نازك الملائكة وتسكعت في بيوت العشق لعمر أبن أبي ربيعة وأقتحمت أفكار لميعة عباس عمارة وأحببت الصمت وأنا أقرأ لمحمود درويش وأذهلني أدونيس بجنونه وتعلقت بأثواب المتنبي حتى تخيلته أنه أبي وبين فصاحة الفرزدق وجدت غياهب روحي فلم أعرف بعد الى من سأنتهي عشقا وشغفا بقرائتي لهم . أما أهم الشعراء العالمين فقرأت لشكسبيرو كولوريدج ورد زوورث وشيلي وهم فرسان الرومانسية . *ما هي مشاريعك المستقبلية ؟ **الآن توضع اللمسات الأخيرة على مجموعتي الشعرية الثانية في دار الينابيع في دمشق والتي ستحمل أسم ( ليا ل بيضاء )..وهناك في الأفق القريب أقامة معرضا للصور الصحفية التي ألتقطتها كامرتي خلال عملي في تلك الظروف الصعبة التي كان فيها وطني يشتعل بالخوف والموت ترافقها صورا نادرة للطفولة العراقية سيحمل المعرض أسم ( العين الثالثة ) *هل تودين أن تضيفي شيئا ؟ **حينما عرفت ( الموقد ) كان هذا قبل عام ونيف وفي حينها أحسست بدفء يغمرني لأحساسي أنه صوت صادق ووجه ترتسم عليه أعذب وأجمل الكلمات لكتاب متميزون ولهذا كنت حريصة على أن أكون واحدة من أفراد أسرته الكبيرة ولشخصكم أستاذ سيمون بالغ أحترامي وتقديري ، وأرجو أن أكون قد وفقت في الحوار معكم. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الجمعة 13-01-2012 12:05 صباحا
الزوار: 6406 التعليقات: 0
|