تأتي أهمية الحديث عن هذا الفن الأدبي ،لكون هذه السيرة التي نحن بصدد الحديث عنها لتربوي عمل معلما ومديرا لسنوات كثيرة،فجاء كتابه "مواقف وخواطر في حياة معلم" ليقدم حصيلة تجربة تربوية لعل فيها الفائدة لأجيال المعلمين الشباب.
يسرنا في الحلقة الأولى من هذا البرنامج أن نستضيف مؤلف الكتاب الأستاذ مطلب العبادي..فأهلا بك ومرحبا.

أستاذ مطلب،كتبت ثلاث كلمات في بداية الفصل الأول من الكتاب ، قلت:- "مبروك أنت معلم"في إشارة إلى مدى احترام الناس في ذلك الزمن لمهنة التعليم،وكتبت مقالا في صحيفة الرأي بتاريخ 2/12/2007م نشرته في كتابك صفحة ( 157 ) بعنوان"متى يتمنى الخريج أن يكون معلما" تحدثت فيه عن دورالمعلم وعن البنية التحتية وإرهاصات المهنة..فما الذي تغير؟وأتساءل معك متى يتمنى الخريج أن يكون معلما؟.
- كما هو معلوم أن النظام التربوي يتغير بين الفينة والأخرى اعتمادا على التجارب والأبحاث وعادة ما يقوم بذلك الخبراء والعلماء ، يؤلفون الكتب والنظريات ثم يمارس التربويون ما يطلب منهم.
لا شك أن هناك فارقا بين النظرة للمعلم سابقا ولاحقا ... أولا المعلم كان مصدر المعلومة الرئيسي  الأمر الذي يعطيه أهمية وقيمة واحتراما... وثانيا كان مع قلة من الموظفين الذين يتقاضون راتبا شهريا منتظما ....وهذا دليل على أهمية الوسع المادي لدى الناس...إضافة إلى تناسب البيئة التعليمية لحال التعليم في ذلك الوقت... واختلافه مع الحاضر الذي لا يواكب التطور المعاصر ولا يوفر المعلم الجيد  الذي يواكب التطور التربوي  وهذا أكثر ما يحير ، فالمرء يتساءل دائما من وراء تجهيل المعلم تحديدا....
ومن هنا كان يتمنى الكثيرون في ذلك الزمن أن يكونوا معلمين وهذا ما استفزني لكتابة المقال الذي ذكرت في الصفحة157.
- في الصفحة ( 17 ) من الكتاب تحدثت عن المدرسة الأولى ، وعن حماسك للتدريس و حادثة ضرب أحد الطلبة ، وكيف أبدى شقيقه الذي كان يعمل معلما بنفس المدرسة  تسامحا كبيرا..كيف تنظر لتلك التجربة وكيف انعكست على سلوكك كمعلم فيما بعد ،وبرأيك ماهي الأساليب البديلة للعقاب البدني؟.
- سننطلق مما تحدثنا عنه في السابق  وهو تمني أي خريج أن يكون معلما فالحماس في السابق له علاقة بذلك فإذا ما تمنى أي شخص عملا ما يحبه فإن  الحماس سيكون كبيرا...أما العقاب البدني فإنه مرفوض وليس ممنوع فالمنع عن أي شيء قد يكون هذا الشيء مرغوبا ولكن رفض الشيء هو الامتناع عنه قطعا وممارسته جريمة...لكن المشكلة تكمن في المجتمع كله وليس المعلم وقد كتبت مقالا يشير إلى ذلك في جريدة الرأي تاريخ 6/4/2005  ونشرته في الكتاب صفحة117 جاء فيه..."إن التوافق التام في تربية الأبناء بين البيت والمدرسة يولد الصدق والثقة لدى الطالب والمطلوب من وسائل الاتصال المتعددة الحديثة حملة توعية واسعة لبيوتنا وأولياء أمور طلابنا ولكافة أبناء مجتمعنا بعدم عقاب الأبناء كوسيلة ردع وزجر..وإلا فإن ثقافة العقاب البدني في المدارس ستبقى.
- كانت أولى رحلاتك إلى العراق عام 1976م،تحدثت فيها عن معاناة السفر وركوب الجرار الزراعي من قريتك عيرا إلى مدينة السلط،وعند وصولك لمدينة بغداد كانت أولى تجاربك في اختلاف الثقافات واللهجات في العراق و في باقي الدول التي زرتها ..كيف تصف لنا مشاعرك ومدى تقبلك لهذا التحول الكبير في حياتك؟.
- دائما لدي الرغبة في التعرف على كل جديد وخاصة إذا كان هذا الجديد في الوطن العربي الكبير فتوجهنا منذ الثانوي الأول بل الإعدادي هو توجه عروبي قومي ... فأحببت ما شاهدته من جغرافيا وتاريخ وعادات ولهجات وغيره...
- تحدثت  في كتابك عن المكان من خلال سفرك من مصر إلى ليبيا، وسفرك فيما بعد إلى سلطنة عمان ، فذكرت الكثير من المدن المصرية والليبية والعمانية الجميلة،وذكرت أحداثا طريفة حصلت معك نتيجة عدم معرفتك باللهجات والتقاليد في كلا البلدين ..كيف تصف ذلك..وإن كنت تذكر كلمات تلك الأغنية الجميلة التي كان الليبيون يتغنون بمدينة سبها؟؟.
- صحيح أن هناك اختلافا في اللهجات ولكنها مفهومة بشكل عام، لكن في تلك الأيام كان الاختلاط بين الشعوب العربية نادرا،  فذكرت في كتابي عندما دخلت الرطبة ورغبنا في تناول الطعام قال صاحب المطعم (ما كو صمون..خبز) وفيه (تمن .. أرز)  والشكرجي صانع الحلوى والبطيخ في العراق (الرقي) وفي ليبيا (الدلاع) والشطة(هريسة) وكيس الورق(كاغط). وعندما شاهدت دجلة والفرات ذهلت وقلت أنه اكبر نهر شاهدته في حياتي قبل ذلك كان سيل وادي شعيب بجوار قريتنا....مررنا بسيدي جابر..مطروح ..والسلوم في مصر ..مساعد.. أوباري..درنة..كشحات..سوسة..البيضاء..المرج..رأس هلال.الجبل الأخضر..جسر الكوف في ليبيا ، وهي مدن ومناطق جميلة جدا..وأذكر أننا طلبنا من السائق التوقف لنرتاح ونأكل، فقال في (هون) سكتنا قليلا على أمل أن يلوح في الأفق المكان..لكننا سرنا أكثر من مائة وخمسين كيلومترا وإذ بلافتة مكتوب عليها)مدينة هون ترحب بكم) لنكتشف أنه يقصد مدينة اسمها هون..
تقول كلمات تلك الأغنية:-
يا عين...يا عين...إنت هنا والغالي وين
يا عين...ياعين..بين البركة وسيدي حسين
صابري عرجون الفل..صابري ما عمره ذل
صابري زين على زين..صابري ورد وياسمين.
صابري والبركة وسيدي حسين مناطق جميلة في ليبيا.
وكذلك يرتجلون زجلية غزلية جميلة في الأعراس مطلعها:-
فيك الضي          حوش الغالي
فيك الضي          وفيك غزالي
يعز علي            حوش الغالي.
(الحوش:- البيت الشعبي الليبي).
- رحلتك الثانية إلى سلطنة عمان مليئة بالمفارقات والوصف الجميل لكثير من مناطق عمان مثل مدينة صلالة عاصمة ولاية ظفار،فتصف سهلها المنبسط المكسو بالأشجار والبساتين..ولهجتهم المختلفة..فماذا تقول عن تلك التجربة؟
ُعمان حالة مختلفة ... ُعمان دولة خليجية وليست خليجية ...الخليج قليل الخضرة والماء وُعمان مليئة بالخضرة والجداول المائية ....الفلج....الغابات ...العمانيون يعملون... يرعون الأغنام والإبل ، معظم عملي في ولاية ظفار في الجنوب وعاصمتها صلالة... اللهجات مختلفة..فلهجة أهل مدينة جفا في الجنوب مختلفة وصعبة..طلبت من أحد الطلبة أن يكتب على السبورة وبدأت بإملاء بعض الكلمات عليه..فخرجت أصوات وكلمات من الطلاب لم افهمها مثل(أبقع نقطات) أي ضع نقطة. ومن الكلمات الأخرى:( أملات- يمين )، ( شملات -شمال )، ( أغوف- أعلى )، ( ترف- أمام ).
ومن أغانيهم:-
تعبور بسن كالطفول        تعبور بسن كالطفول.
الشطر بس بلميظون . 

هي مقدمة لأغنية تمدح ناقة أو شاة اسمها طفول وينتشر اسم طفول في ظفار وهو اسم مشترك بين الإبل والفتيات.
- بعد هذا الاغتراب الذي امتد بين عامي 1976 و1990 وعودتك إلى مدرستك الأولى في قرية يرقا..ماذا وجدت؟ وكيف كان تعاملك مع الطلبة من خلال حادثة المختبر وغيرها من الأحداث ، وما هي نصيحتك للمعلمين ؟.
- وجدتها قد توسعت وازداد عدد طلبتها ،عملت فيها قيم مختبر..وفي إحدى التجارب وضع احد الطلبة أنفه على الدورق مباشرة واخذ نفسا عميقا من غاز ثاني أكسيد الكربون وذهب في غيبوبة.حملته بسيارتي ،شرحت الأمر للطبيب بعد أن دب الرعب في أوصالي وكاد يقتلني.تعلمت درسا في الحرص والحيطة لن أنساه..وهي الرسالة للمعلمين لأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر.
- أستاذ مطلب..عملت في العمل الإداري موظفا في تربية السلط  ومن ثم مديرا في أكثر من مدرسة..وذكرت في كتابك صفحة ( 111 ) جملة قالها أحد زملائك الغاضب من مديره آنذاك قال لك:-إذا قابلت مسؤولا وشعرت أنك كبير فأعلم أنه كبير وإذا شعرت أنك صغير فأعلم أنه صغير.ماذا نفهم من هذه العبارة ومتى يكون المسؤول كبيرا؟.
- كان ذلك قبل سنوات عندما استدعى احد مدراء التربية زميلا لي في القسم....فقال تلك العبارة  فالشخص الصغير هو الذي يسعى على إعطاء نفسه هيبة بالتكبر على الآخرين أو الاستخفاف بهم والعكس صحيح.
- تقول في كتابك في الصفحة (111) " نادي المعلمين أوجدته الوزارة ملهاة للمعلمين عن المطالبة بنقابة للمعلمين" وتقول في صفحة (112) أنك قدمت استقالتك من النادي لأن الحرية مقيدة ومحدودة من قبل النظام الداخلي للنادي وأن هناك ضغوطات رسمية ولا يوجد هامش مصان من الحرية لممارسة الواجبات تجاه المعلم وحقوقه" وتقول في مقالة بعنوان نقابة المعلمين في جريدة العرب اليوم بتاريخ12/5/2006م والمنشورة في كتابك صفحة (125) "لا بد من العودة لتوجيهات جلالة الملك من أن الإصلاح يجب أن ينعكس على حياة الأردنيين جميعا،ولا بد من اعتبار النقابة جانبا مهما من هذه الجوانب." وتضيف "نسأل الله العلي القدير أن يلهم هذه الحكومة الرشيدة القوة والمنعة والجرأة في اتخاذ القرار الجريء والشجاع في إظهار النقابة للوجود".
والآن وقد ظهرت النقابة إلى الوجود..كيف تنظر لتجربتك في نادي المعلمين وبرأيك ما هو الدور المطلوب الآن من النقابة والنقابيون الجدد؟.
- نادي المعلمين ملهاة صغيرة استخفوا بها في عقول المعلمين ... وعندما أردنا كأول هيئة إدارية أن نتوسع في خدمة أنفسنا والحصول على هامش مصان من الحرية ولم نطالب بالنقابة بعد حتى كان الرد عجيبا فقد صارت الهيئة العامة تنتخب خمسة أعضاء والحكومة تعين أربعة فقدمت استقالتي...
وكتبت المقال الذي ذكرته في الكتاب ص125..
- أستاذ مطلب تحدثت باهتمام عن جماعة بذور السلام( (Seeds of Peace Group) وعن رحلتك إلى واشنطن كنتيجة لتطور التبادل الثقافي والتربوي بين البلدين وإيفاد معلمين كنت واحدا منهم..تناولت طبيعة هذه الدورات التدريبية وأهميتها ومدى الفائدة التي تحققت..كيف تنظر لتلك التجربة؟.
- لا شك أن تجارب وممارسات الآخرين الإيجابية تضيف شيئا عندما يتم الإطلاع عليها ولا شك أن هناك ما لا يمكن تقبله بل إنه مرفوض من الذين يمارسونه وهنا بالتأكيد أقصد الغرب وعلى رأسهم الأمريكان ...وقد يظن بعض من السياسيين عن هذه الدورات على أنها يقصد منها احتواء الشعوب وتوجيه سلوكها لرغباتهم ... غير أنني أقول..أن ما يقصدونه غير ما نقصده ولنختار فنحن بحاجة إلى توجيه السلوك وتغييره أحيانا في مدارسنا وفي كثير من الجوانب وخاصة ما يتعلق منها في البيئة المدرسية من كل النواحي من المعلم والطالب وولي الأمر والبناء المدرسي والبيئة المحيطة وهذا ما حاولنا أن نستفيد.
- في الفصل السابع من الكتاب بعنوان "التاريخ يعيد نفسه" قارنت بين سفرك عام 1976 وسفر نجلك قيس إلى الامارات العربية المتحدة عام 2008 ،فكانت مقارنة ومفارقة عجيبة بين الأمس واليوم..فهل لك أن تلخصها لنا .؟
- كتبت الخاطرة الأخيرة في آخر صفحتين من الكتاب للفرق الشاسع بين السفرين..مشيت عل الأقدام وركبت الجرار الزراعي لم يتجاوز عدد المودعين أصابع اليد الواحدة ..بينما أمضينا ليلة سفر قيس بحزم الأمتعة وسط ازدحام المنزل بالمودعين .. بعد شهرين أبلغت أهلي بوصولي وقيس ابلغنا لحظة هبوط الطائرة..قبل ثلاثين عاما أرسلت شريط كاسيت (وعملوا عليه تعليله) بينما قيس لم يكتفِ بالاتصال الهاتفي،بل استخدم كاميرا الانترنت.
أيها  الأعزاء في ختام هذه الحلقة من برنامج (كُتًابْ ومؤلفون تحت الأضواء) والتي استضفنا فيها الأستاذ مطلب العبادي صاحب كتاب "مواقف وخواطر في حياة معلم" ..نشكر ضيفنا الكريم على هذه الاضاءات على تجربته الغنية..ونشكركم على حسن المتابعة وحتى نلتقي بكم في حلقة قادمة من هذا البرنامج نستودعكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله