و»أمينة» التي شغلت العالم الإسلامي بخطوتها الجريئة حين أمّت الصلاة منبهة إلى عدم وجود نص قرآني يمنع المرأة من الإمامة، هي أميركية من أصل أفريقي، وقد قدمت في مداخلتها في عمّان تفسيراً لمفهوم المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام يستند إلى أن الله الواحد الأحد خلق خليفته على شاكلته، يقف الناس جميعاً في علاقة أفقية؛ والله هو الأعلى. وعليه لا يجوز أن يكون لإنسان سطوة على آخر، ولا أن يكون أحد وسيطاً لآخر للوصول إلى الله، وكما الرجل كذلك المرأة. كذلك أشارت «ودود» إلى أن الإسلام للجميع وليس لفئة أن تدعي أنها الأمينة عليه أو الوصية أو الأعرف به، سواء كان هذا من علماء أو فئات أو أمم أو شعوب.
يبدو التفسير الذي قرأت به «ودود» علاقة الكون بالخالق، والإنسان بالإسلام، تفسيراً منطقياً عقلانياً إنسانياً، ولكن كم فيه من الواقعية التي تقارب حال المجتمعات العربية أو الإسلامية في كل مكان؟
شهد هذا العصر خروج النساء من مجال الإبداع الفردي في كل المجالات إلى مساحة أوسع وأرحب وأكثر تأثيراً، وربما لهذا السبب من انتشار التعليم وحاجة الحضارة إلى القوى العاملة صار دور المرأة أكبر، وتفجرت حركات التحرر النسوية، وإن كانت امرأة مثل «أمينة» لم تعلم أنها تعمل في إطار النسوية حين كانت في أميركا، لأنها فئة مهمشة، فهي: امرأة، ملونة، مسلمة. لكنها بما قدمت من قراءة للنص الديني وبما فعلت من عمل أثار الجدل، دخلت مع مجموع النسويات الثائرات في العالم اللواتي يرغبن بقراءة الكون بعيون النساء، وتفسيره أيضاً من زوايا تخصهن.
مع تقديري الكبير لهذا الجهد العالمي، وتصنيفي لكل ذلك الحراك النسوي والفئوي أيضاً بأنه محاولات دائمة لتحريك الحياة إلى الأمام، وللتغلب على المشاكل التي تعتري المجتمعات، فإني أراه أيضاً محاولة مستميتة للدفاع عن الهوية التي وُجدنا عليها، ولا شأن لنا في اختيارها. فنحن ندافع عن أوطاننا لأننا منها، وندافع عن أدياننا لأننا منها، وندافع عن أنوثتنا لأننا هكذا، كما يدافع الرجال عن مكتسبات تاريخية حصلوا عليها لقرون عبر الحروب والتسلط أو الفكر والاجتهاد، أو الدين والعرف والتقاليد. كل هذا الحراك الحداثي الذي يحاول قراءة العالم على نحو مغاير مقبول، دليل على عافية البشرية وعدم الوقوع في مستنقع الماضي، ولكن!
عندما كان الرجال يقرأون العالم على هواهم ويفسرون ظواهره ويكتبون قوانينه، ويزيحون النار إلى جهتهم، ويهمشون النساء، سواء في الحياة أو في الحقوق والواجبات، كما في الفن والأدب، حتى في تفسير الكون خيراً وشراً، فإنهم وقعوا في فخ أنانية جعلت الحياة على ما هي عليه الآن، وحرمت النساء من حقوقهن وحولتهن إلى مضطَهدات ينجحن أحياناً وبجهود متفرقة وفي عصور متباعدة بكسب القليل، ثم جاءت النسوية حركةَ احتجاج عالمي تريد تقديم وجهة نظر جديدة للعالم من منظور نسوي، وهو أمر جيد لأن تعدد القراءات سيقود إلى واقع الاقتناع بأن أحداً لا يملك هذا العالم وحده، كما لا يملك الحقيقة المطلقة، لكن الخطير والمخاتل هو أن تقع النساء في الفخ نفسه؛ أن يفسرن النصوص والوقائع والتاريخ والمستقبل من زاوية أحادية. ويمكن تلمس مثل هذا الخطر عند تفسير النصوص الدينية.
لا أميل إلى الامتناع عن تفسير النص الديني، بل أرى عظمة أيّ دين في إمكانية الاجتهاد فيه وتفسيره، ولكن الخطر خصوصاً في تلك المرحلة التي يلعب فيها النص الديني دوراً جديداً مهماً بعد ركود طويل، أن نقوم رجالاً أو نساءً، أصوليين أو حداثيين، بليّ عنق النص لنفسره على هوانا، ولا أحسب أن خطورة القراءة المغلوطة تأتي لتشوه النص، فالنص حر خارجنا، ولكن الخطر أن تشوه القراءة الواقعَ المعاش اليوم، قد تعطي قراءة المرأة للواقع والعالم من حولها وللنصوص المتداولة روحاً جديدة، تؤنت العالم الجاف الصارم وتمنحه روحاً خصبة معطاءة، ولكنها قد تجنح إلى الخطأ نفسه، وهو الادعاء بأننا معشر النساء وحدنا من يعرف ويملك الحقيقة.
في كل الأحوال لم تعد المرأة ذات دور محدود في فهم الحياة وقراءتها، لم تعد مجرد حكواتية وساردة تنسج الحكايات وتدس بين أعطافها المعاني والعبر، لم تعد تهز السرير فقط؛ ولكنها تصنعه، صارت المرأة رقماً صعباً على العالم احتماله

المصدر: الرأي