|
عرار:
أحمد الكواملة يطل علينا الناقد الأديب الدكتور زياد أبو لبن، بين الحين والآخر، بإصدارات خارج إطار النقد الذي تميز به، ما بين مجموعة قصصية للأطفال، أو مجموعة قصصية للكبار. وهو هنا يقدم مجموعته القصصية «أنفاس مكتومة» وكأنه ضاق ذرعا بثقل قيد «المسكوت عنه» الذي يكتم أنفاسه التي تتوق للبوح، هي أسرار صغيرة بسيطة، ليس لها علاقة بالقضايا الكبرى، ولا بهم السياسة والأجندات الداخلية والخارجية، إنها قصص تحكي اليومي المعيش لنا نحن البسطاء، لكنها تأخذ حيزها الدائم الحميم والملح في زوايا ذاكرة أكثرنا. ما ان نلج أول قصة في المجموعة، قصة «أنفاس مكتومة»، حتى تأخذنا جمل قصيرة رشيقة، تتيح للقارئ التنفس والتأمل والاستمتاع معا في واقعية معبرة، تعيدنا إلى طفولتنا، وكأن كل واحد وكل واحدة منا «ابتسام وعمر». واقعية جميلة يلتقط القاص من خلالها العادي، محولا إياه إلى حالة من الرومانسية الحميمة ’ شيء يذكرنا بالبيئة البسيطة الدافئة. طقوس الغسيل والاغتسال هي ذاتها قديما والى يومنا هذا، مع اختلاف التقنيات «المخيم نموذجا» هي لقطه لواقع أسبوعي عشناه وعاشه أطفالنا وان اختلفت الأدوات، لكن التفاصيل ذات التفاصيل، وما بين «ابتسام وعمر» حالة من تحسس الذات واكتشاف أوجه الشبه والاختلاف، بين الولد والبنت. والقاص في هذه القصة، ينقلنا بإلماحة سريعة، إلى ما يعتري الطفلة وهي تغادر الطفولة الأخيرة، نحو تخوم الصبا، حيث يرتفع صوت الرومانسية، والتعلق بنداء الحب الطفولي، حيث لقصيدة شعر أو وردة سحر عجيب، تطير به الصبية والفتاة، نحو عوالم مخملية ساذجة، تجعل الأدمغة تدور وتدور، في سديم مشاعر طفولية مثيرة. والقاص يقدم اغلب قصصه بصوت «الراوي» وإي تقنية لا تعني شيئا بمقدار نجاحها في إيصال الرسائل، وجذب القارئ لمزيد تواصل وإفادة واستمتاع. وهنا نجح القاص «زياد ابو لبن» في ذلك بشكل كبير، وفي قصة «في السرير» يضعنا القاص بوضوح أمام واقع، ربما يحدث في اغلب البيوت في سن معين من الطفولة، حيث يتحسس كل ولد وبنت ما فيهما من توافق أو اختلاف، وحيث لا يحتاط الوالدان لحظة خلوتهما لأعين اللصوص الصغار، التي تسترق بعضا من مقارفاتهما على السرير، فيتولد لدى الصغار ميل جارف للتجريب، فتكون لعبة «عريس وعروس» وفيها ما فيها من براءة وخطورة لا يدرك الصغار. وكأن القاص في هذه القصة، يقرع جرس إنذار، ويقول بصوت عال «تنبهوا أيها الآباء». ألفاظ محكية: «وقلب دينا يتشعلق» من قص «دينا». «جاروشة القمح» من قصة أنفاس مكتومة. «ولك يا مقصوفة الرقبة، عيب» من قصة أنفاس مكتومة. «وقلب دينا «يتشعلق» حيطان البيوت» من قصة دينا. وقد أفاد من بعض الأمثال الشعبية في تعميق الفكرة، وإيصال ما يريد مثل «هم البنات للممات». صور شعرية: صور شعرية تضيء النص مثل: «كنحله ابهرها حقل زهر ندي» من قص «أنفاس مكتومة». «تكشف عن بياض يلامس ضوء النهار بشغف» من قصة «أنفاس مكتومة». «اقبل الليل يمزق وحشة الروح» من قصة «دينا». «يكتم صدرها المسند إلى طفولة كزهر الرمان» من قصة «دينا». «كشمعة لامست شغافها الحياة» من قصة «دينا». «لا يستمع إلا عواء جسدها في زقاق طويل» من قصة «دينا» «اخذ جسدي يرتعد كطير بلله المطر» من قصة «سعاد». إن قصة ليلى تحمل تفاصيل بيئة الفقراء، حيث لا خلوة حقيقية، تتاح للزوجين «الأب والأم» أنهما مكشوفان من أول لحظة يحاولان فيها إجابة نداء الجسد وتوق الحب. وفي قصة «سارة» نراه يمر مرورا ذكيا سلسا، على حالة تتكرر لدى الفتيات اللواتي يغادرن الطفولة إلى بدايات الصبا، حيث يدهمها زائر احمر مؤلم بعض الشيء، يدخلها حالة توتر وخوف وإرباك، وربما حالة حزن حين تعرف أنها ستترك مرتع الطفولة بما فيه من ألعاب بريئة وإلى الأبد. صياغة دالة معبرة: وكم وفق الدكتور زياد في صياغة قصة «سعاد»، منتهى الرهافة والإحساس، تركنا نعيش الم وأمل تلك الطفلة التي كل ما تطمح إليه، بعض الملابس البسيطة، ووجبة من دجاج تسد به رمقها ورمق أسرتها،.. صياغة دالة معبرة. بوح: و»زياد ابو لبن» باح بما لم يبح به أكثرنا، فنحن جميعا عشنا تلك اللحظة التي وصف ملامحها، حيث تحدث عن أنفاس والديه المتلاحقة، وحرصهما على التأكد أكثر من مرة، من نوم الأولاد. ما يلاحظ ان قصص «أنفاس مكتومة» للقاص الدكتور زياد أبو لبن، أنها تحكي الواقع، أسرار البيوت الساذجة المكشوفة، نمط الحياة على بساطتها، ألعاب الطفولة. ان الأنثى هي البطل في اغلب قصص القاص الدكتور زياد أبو لبن، وهي في الغالب محور النصوص القصصية، حتى أن الكثير من قصصه حمل اسم «مؤنث» مثل «دينا، ليلى، سارة، سعاد، دلال، لبنى، نيسان، نوران، رنيم، ميدانة، فرح». وحتى عندما لا تحمل القصة اسم أنثى، فإنها تمور بأثر وجود الأنثى، فهي البطل في اغلب قصصه. وقد خرجت قصة «الشطرنج» من الإطار العام الذي تبوح به اغلب القصص، حيث تحاكي القصة، قصص التراث العربي والشرقي القديم، هي أحجية رياضية فكرية فانتازية ممتعة، لا غير. أخيرا أقول: إن القاص دكتور زياد أبو لبن، استطاع من خلال هذه المجموعة أن يقدم قصصا، هي قصص قصيرة، تكاد تقترب من أجواء القصص القصيرة جدا، وهي قصص معبرة بسيطة تعكس واقع البيئة البسيطة المعيشة. قدم كل هذا بلغة رشيقة، فيها إحساس شعري واضح. قصص لا تخلو من ملامستها لوقع مسكوت عنه، رغم حضورها الصارخ. مجموعة قصصية خفيفة ممتعة، تلامس نبض الإنسان البسيط، وتكشف جوانب من حياه الناس في بيئتهم الطبيعية المغرقة في البساطة، كحالة اغلب الفقراء. ولعل عنوان المجموعة «أنفاس مكتومة» وقصة «أنفاس مكتومة» يمثلان عتبة مناسبة معبرة، للولوج إلى أجواء قصص سائر المجموعة. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 29-01-2024 08:02 مساء
الزوار: 356 التعليقات: 0
|