|
عرار:
عمر أبو الهيجاء أحمد الخطيب شاعر يمارس طقوسه التي انبثقت رؤاها المتخيلة تجاه الحرف المتقد بجمر الحياة، نراه يمزج هذه الرؤى بشؤونه الحياتية الطافحة بالتفاصيل والملتحمة بالمعطى اليومي، كل ذلك يتأتى من فعل المعاناة والتشرد التي عايشها وعايشته منذ بواكير طفولته المخيميّة التي رسمت ملامح هذا الشاعر الذي عارك الكائنات وعاركته. هكذا نرى الشاعر الخطيب من أكثر الشعراء نتاجا شعريا، هذا الفيض الشعري المشحون بمعنى الهم الإنساني والقومي والمستمد من قضيته الفلسطينية الأولى والتي عبر في قصيدته المعروفة «رابح ابن النكبة» في دواوينه الأولى ودواوينه اللاحقة، شاعر لغته محملة بالتباريح والجراح والعري والتشظي والغربة وحالات الفقد. هذا الفتى الذي عجنته الليالي والحزن المتصاعد من أتون اللحظة المستلبة والمفعمة بالإيقاع الروحي المتدفق من بحور الشجن والتجلّي التي منحته ترتيب تأويل الأشياء وتدوينها بتنويعاتها الموسيقية والتي تستند إلى فلسفة وهندسة وتشكيل وفتوحات لغوية مدهشة في معماره الشعري منذ ثمانينيات القرن الماضي. من هنا، يذهب الخطيب بنا إلى مناخاته الشعرية منذ ديوانه الأول «أصابع ضالعة في الانتشار» 1985، هذه الأصابع لم تزل تواصل انتشارها ملونة المشهد الشعري الأردني والعربي بالكثير من تدفقاتها الشعرية.. أصابع لم تمل من الإبحار في التشكيل والإيقاع والرؤى راسمة لنا أكثر من عشرين ديوانا شعريا إلى جانب كتب أخرى في نقد الشعر، هذا التدفق من العطاء الإبداعي تكلل مؤخرا بفوزه بالمركز الأول لجائزة الطيب صالح 2021. ضمن ما تقدم، ووصولا إلى الإصدار الجديد للشاعر أحمد الخطيب ديوانه الشعري «كواشين صالحة للحياة» الصادر عن دار الجنان وبدعم من وزارة الثقافة، اشتمل هذا الديوان على مجموعة من قصائد التفعيلة من مثل :»ما أعطشته ليرى، ليس انتهاكا لعرف القصيدة، عودة للحياة إذن، ناي الغفلة، يحاول أن يصطاد الضوء، ضوء من السقف، الرياح التي ذات ليل، الفراغ، خابية البيت، أشجار الديكور، عُرف الديك، لوحة، مفارقة، سهمان من ألفة، مقاربات، حبل الريح..» وقصائد أخرى. في هذا العمل الشعري الذي أسماه «كواشين صالحة للحياة» هذه العنونة المستقاة من أحقية الوجود وأحقية التراب والأرض للإنسان الفلسطيني الذي اقتلاع من أرضه وتشتت في أصقاع الدنيا، هذه الكواشين وغيرها من الأدلة والثوابت التاريخية دليل على معنى الوجود منذ الكنعانيين الأجداد، ضمن هذا المعطى يرسم الشاعر الخطيب إحساسه بالغربة والتشرد والنفي من خلال معطيات كثيرة تم نسج خيوطها بفنية وتقنية مبهرة في متون قصائد الديوان، فكانت سمة النفي والاغتراب يهجس بها الشاعر ويعزفها بنفس أثقلته ثقوب الحياة ونايها الحزين، وكذلك التاريخ والبيوت الفارغة وحجارتها كل ذلك دليل على رحم الوجود والولادة. يقول في قصيدة «ولم أنسج سمائي كلها»: (وغدا صفيح الناي مثقوبا هنا تاريخنا وبيوتنا هنا جنازتنا إذن فاستفتحي يا ريح إن متونه التابوت خيط من رداء الفجر تكرير الوصية للبنات وللذكور للنساء المترفات وللجواري ولفطنة الشعراء إذ يعشون عن أمر الخطاب والبرايا) لغة الخطيب المتحركة والمحترقة بنار الفقد والوجد معا المشحونة بقدسية الحلم والتي يرى من خلالها الاستشراف بالمستقبل والانبعاث من الرماد، فها هو يستخدم أكثر الرموز والدلالات وصولا إلى المعنى الذي يريد من التخييل الذي يمنحه فكرة الولوج إلى الحرية ورفعة الحياة وجوهر الحب وأسطرة الأشياء ومعنى مسألة الوجود، معتصرا حشاشة فلبه ليضيء بانفجاراته اللغوية التصويرية جوانب متعددة للوعة الاغتراب والحلم والنفي من حيث التجلّي الروحاني المغموس بحناء العشق وصوفية الروح وتباريحها. (بعد قليل وهو يدري سحنته عن أحلام الناس المنسيين وقد أشعله المفتاح كثيرا يشعل زر القلب فتسرح من يده رغوة أحلام لم يحفظ تاريخا لصلاحيتها تتهاوى من العتمة أيام...). هذا السرد المصحوب بإيقاع مغن لم يغالبه نايه المأخوذ بالغفلة، بل ظل المغني الذي يصحبنا إلى مساحات خضراء من الوعي الحلمي المشغول بكاميرا القلب التصويرية وبتدفق موسيقي آسر ضمن بناءات حوارية تلامس وتستحضر الوجع الإنساني وهذا الفقد والنفي ورياح الغربة فنرى الأحزان مبعثرة والأسئلة حيرى على الشفاه وكيف يعانده الهواء في الليل لكنه من وجع ووله جاز الليل. (في الليل عاندني الهواء فقلت: أدفع بالفراغ وأنطوي تحت اختلاط الورد بالأشواك ...... في الليل بعد تقلب الحيوات جزت الليل، لكني حذفت العالقين برأسه درءا لكل وشاية في الجب..). هذه وقفة تأملت جوانب من تجربة الشاعر أحمد الخطيب وإطلالة على تؤشر وتضاء متون ديوانه «كواشين صالحة للحياة»، هذا الديوان ومنجز الخطيب الشعري بحاجة إلى إضاءات وقراءات متعددة لسبر أغواره والوقوف على تجلياته الشعرية. المصدر: جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 29-07-2021 03:08 مساء
الزوار: 1252 التعليقات: 0
|