|
عرار:
محمد علي شمس الدين/ شاعر وناقد وأكاديمي من لبنان (1) يمكنُ اعتبار أنَّ هذا الديوان كُتبَ على اسم الأنثى وأول عنوانهِ «نساء».. «نساء يرتِّبنَ فوضى النهار»... لكن ذلك لا يكفي لرسم ملمحين يقينيَّين أو أكثر لذلك، لأنهُ مكتوبٌ على اسم المجاز الطائر بأجنحةٍ مجنونةٍ أو على اسم امرأةٍ من «سراب الكناية».. ولأنَّ التطوُّحَ في كلِّ وادٍ والتباعدَ والدورانَ في الأقاصي.. كلها تشي بما يشبهُ القوَّةَ الطاردةَ لدى الشاعر لما يريدهُ في الأنثى أو يوحي به.. أو لكأنَّهُ يكتبُ ديواناً بعشراتِ القصائدِ والمقاطعِ والسونيتاتِ عن النساء لكي يتلافى قصيدةً مصوَّبةً أو مسنَّنةً من قصائد الغزل الذي كتبهُ شعراءُ الحُبِّ السابقون من عمر بن أبي ربيعة إلى نزار قباني ومن أوفيد إلى محمود درويش، فالمجازُ الطائرُ بأجنحةٍ من الخيال ينتقلُ بكَ «على اسم النساء» من ترتيبِ فوضى النَّهارِ إلى التباريحِ ومن عشبِ الرؤيا إلى الشتاءِ فالخريف الشرس إلى الشبابيك المنسيَّة.. إلى آخره. ومن الجُمل الأولى في القصيدة الأولى يمسكُ نمر سعدي بخيط التحوُّلات والصيرورةِ في قصائدهِ.. وهو خيطٌ خفيٌّ وظاهرٌ فيهِ من الغموضِ ما فيهِ من الامتدادِ وفيه من التسميةِ ما فيهِ من التشعُّب والتيهِ... بحيثُ أنَّ القصيدة بين يديهِ تبدو ممتدَّة ومعرِّشة وكأنها انتشارُ أرابسك شعري يتسِّم بالتدوير والتفريع والتكرار إلى ما لا نهايةٍ لمعدولٍ متشابهٍ أو موحَّدٍ في إيقاع نواة وزن المتدارك أو البسيط أو الطويل من أوزان الشِّعر، أو في سرد نثري هو استطراد شعري. لكن السونيتات الشعريَّة على اختلاف معدولاتها أو تفعيلاتها تدور في فلكٍ واحد. هذه هي تقنيَّة نمر سعدي في الإيقاع... وإضافته إلى صورةِ أسلافهِ من الشعراء الفلسطينيِّين (رغم أنه لم يذكر إلا مرَّة واحدة اسم مكان فلسطيني هو «حيفا»... «في الطابق السفليِّ من دهليز مستشفى/ مريضٌ دائمُ الدورانِ حول البحر أو حيفا» (قصيدة تباريح أنثويَّة) هو بصمة شعريَّة جديدة مضافة إلى «قرآن الموت والياسمين» (بعبارة سميح القاسم).. للشعراء الفلسطينيِّين أسلافهِ من أبي سلمى لدرويش ومن فدوى طوقان إلى توفيق زياد وسميح القاسم وحنا أبوحنا وأحمد دحبور... لنا أن نسأل عن عناصر هذه البصمة.. عن الكيمياءِ والشعريَّةِ المضافةِ.. ما هيَ؟ (2) رغمَ أنَّ القصيدة الأولى هي «نساء يرتِّبنَ فوضى النهار» إلا أنَّ الشاعر يبدأُ بتعريفِ نفسهِ «أنا» على أنهُ «شجرٌ قديمٌ» ثمَّ حينَ يذكرُ الحُبَّ سرعانَ ما يردفُ اليأسَ معهُ ثمَّ تتجادلُ هذهِ العناصرُ مع المتكلِّم «أنا» ومن ارتباك «قطَّة أو وردة» وجناس بين «الكآبة والكتابة» إلى عناصر البحرِ والصندلِ البريِّ... وهي جميعها استحالات أو بدائل الأنوثة في النصوصِ ليصلَ إلى مبتغاهُ وهو أنَّهُ يبحثُ عن» قصيدة». بعد ذلكَ في القصيدةِ الثانيةِ تردُ حروفيَّات اسمها لكن في العناصر (النون) نورس (الواو) وجع الكمنجة (السين) هيَ العرائس.. أساطير الرعاة.. أغاني البدو.. زهر اللوز.. الغيوم.. أثر الطيور.. كلُّ شيء إلا امرأة... ومن خلال التدوير والحشد (فأنت تقرأ القصيدة بنفس واحد) تبرزُ أنثى (شاعرة) لتقول لهُ/ كما أشرنا/ «لا ترتبكْ إن أضعتَ مفاتيحَ قلعتيَ المغلقة».. من حيثُ هو يمزجُ بين «القمحِ والحُبِّ والاشتهاء»... هل يكتبُ نمر سعدي عن امرأة؟.. أم عن شجرٍ عابرٍ في الخريف؟ ومع من يتشاجر.. وهو يتدرَّجُ لنهاية المقطع 8 من القصيدة الثانية على نواةِ « فعولن» ثمَّ من المقطع 9 على نواةِ «( متفاعلن)/ وزن الكامل» ...»وجسمكِ يوجعُ الصلصالَ في جسمي/ يضيءُ بحيرةً في القلبِ»... وتتوالى بين يديهِ من خلالِ التتابعِ والتبادلِ طقوسُ التعارضات... لكنَّه يتجاوزُ هذه الغنائيَّة lyrisme التي سبقَ وعُرف بها محمود درويش من خلال ذاكرة ثقافيَّة يلجأ إليها سعدي ويوظِّفها في تدعيم النصِّ وتحميلهِ... إلى ابن عربي وشوبنهاور وريلكه وقصص يوسا وصراخ كافكا ومسرحيَّات أسخيليوس... ثم يفاجئنا بقولهِ «يسكنني اثنان» ويكتبُ «حبقٌ على وجهين»... وقد أسعدتني هذه الاثنينيَّة عندَ الشاعرِ في مقطَّعاتهِ الغنائيَّة الرعويَّة في الحُبِّ والعناصر «كلما حدَّقتُ في وجهِ البحيرةِ تخرج امرأتانِ منها»... فخاخ الكلام وثياب النساء.. «امرأة تخلطُ التبغ بالماريجوانا وتكلِّم عصفوراً على غصنِ قلبها المحشوِّ بالأسماكِ»... ثمَّةَ غرابةٌ وسرياليَّةٌ لطيفةٌ ما ينزع عن النصوصِ الوصف والرصف الدرويشيَّين أو التعداد لدى سميح القاسم. هل يتكلَّم نمر سعدي عن مكان؟ نسأل أنفسنا ونجيبُ بشكٍّ غير قاطع ويقينٍ مشوبٍ بالشكِّ. ولولا كلمة واحدة «حيفا» وسيرتهُ التي تشيرُ إلى مولدهِ الفلسطينيِّ لما أعلنتِ القصائدُ الكثيرَ من ذلك.. هل يتحدَّثُ عن نساءٍ محليَّات؟ عن الأنثى؟... نتفاجأ بأنه يستعيرُ للسعادةِ جملة تؤدِّي إلى مدام بوفاري «السعادةُ أنوثةٌ تركتها مدام بوفاري»... هل يكتبُ عن القصيدة؟... يقول: «مايسترو خفيٌّ يعلِّمني كيفَ أقرأ شِّعراً لنفسي أمام جمهور من الهواء».. هل يكتبُ عن الحُبِّ؟.. يقولُ: «أحملُ على رأسي جرَّةً من النوستالجيا»... إنَّ نمر سعدي شاعرٌ يلعبُ ببراعةٍ على حبالٍ طويلةٍ. كلمة الشاعر اللبناني الكبير الدكتور محمد علي شمس الدين في مفتتح ديوان «نساء يرتبن فوضى النهار» للشاعر الفلسطيني نمر سعدي الصادر حديثا ضمن مطبوعات الثقافة الفلسطينية 2021. وينسج الشاعر الفلسطيني نمر سعدي، في ديوان «نساء يرتبن فوضى النهار» ، ثنائية تجمع الكتابة بالمرأة حيث صيغة التأنيث هي المهيمنة والذات في حلول، بينهما سفر مستعاد بين صيغة النص الشعري وصورة المرأة في النص وفي حيوات مستعادة أو عابرة، لذلك ينسج الشاعر ما يراه ترتيبا لفوضى وهي هنا مرآته على حروف وكلمات يخيط بها النص. مقطع من مطولة «نساء يرتبن فوضى النهار»: شجرٌ أنا، شجرٌ قديمٌ طاعنٌ في الحبِّ أو في اليأسِ، أبحثُ في الحياةِ عن القصيدةِ، والقصيدةُ وردةٌ مائيَّةٌ في القلبِ، تلمعُ كلَّما اشتعلتْ رمالُ الروحِ من عطشٍ، أُريدكِ... فاحتويني، قالها رجلٌ لسيَّدةٍ تُربِّي حزنها الرعويَّ كي ينمو كلبلابٍ على الشرفاتِ أو كالوعلِ في تيهِ الفلاةِ... وكيْ يخطَّ على البحيرةِ شاعرٌ مرثيَّةً لغبارِ قبلتهِ.. ويبحثَ فيكِ عن معنى القصيدةِ والقصيدةُ عن سرابِ الحبِّ تبحثُ.. لن أُضيءَ الليلَ بالكلماتِ أو قمرِ الكنايةِ لن أضيءَ دمي بعينيْ من أُحبُّ ولن أُسوِّرَ بالفراشةِ نهدها وفمي أنا فقط المُغنِّي عازفُ الجيتارِ في أوجِ الخريفِ سليلُ أوجاعِ الكمانِ أقولُ للمعنى: أنا شجرٌ.. أقولُ لبائعِ الأحلامِ: خذ حبقَ الظهيرةِ وانصرفْ عنيِّ ولامرأةٍ يرفرفُ وجهها الشتويُّ في وجهي وأطرافِ الأصابعِ: جنَّتي كوني لأهبطَ مثلَ آدمَ من سمائي.. واحتويني من تلهُّفِ كلِّ أُمٍّ أو توقُّفِ رغبتي في المنتصفْ لا تُطلقي ناراً على فرحي فلستُ أنا الهدفْ أنا نجمةٌ في الماءِ عصفُ فراشةٍ منسيَّةٍ في النثرِ صيفُ قصيدةٍ بحريَّةٍ بقميصِ نومكِ لوحةٌ ينسلُّ منها عاشقانِ ملوَّعانِ ويذهبانِ إلى حدودِ العطرِ بالليمونِ أو أقصى الشغفْ لكِ ما أُريدُ من الحديقةِ أو تعاليمِ المسيحِ.. من الخريفِ.. ومن تأمُّلِ قطَّةٍ أو وردةٍ وحدي ومن عبثِ الكآبةِ والكتابةِ واستحالاتِ الأنوثةِ وانصبابِ ندائكِ الأبديِّ في قلبي كما ينصبُّ صوتُ البحرِ في جوفِ الصدفْ وليَ اشتهاءٌ كانَ من عدمِ التملُّكِ واحتراقِ مجرَّةِ الليمونِ في جسدي ومن ندمِ الكلامِ عن الحياةِ عن التفاصيلِ الصغيرةِ للكنايةِ والحنينِ إلى احتمالاتِ الجمالِ أو التألُّمِ في المراثي أو مزاميرِ الترفْ في القلبِ متسَّعٌ لقطرةِ مائكِ الأولى ومتَّسعٌ لرائحةِ الخريفِ لأوَّلِ المعنى لآخرِ صرخةٍ في البحرِ والجسدينِ متَّسعٌ لأمطارٍ تضيءُ كلامنا وغموضنا أو رغبةَ الندمِ الإباحي صُبِّي خطاكِ على طريقِ اللازوردِ وشَعرَكِ المضفورَ بالأحلامِ أو بالقُبَّراتِ على يديَّ لكي أُزوِّجَ غيمةً لترابِ صوتكِ أو أُسيِّجَ بالغناءِ صدى رياحي أنسلُّ من ضلعِ الأنوثةِ كلَّما احترقتْ مَحارةُ رغبتي في الليلِ كي أنجو من التأويلِ أو تشفى تماماً من زنابقها جراحي. المصدر: جردة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 09-04-2021 08:59 مساء
الزوار: 1139 التعليقات: 0
|