«بين يدي أنا» للشاعر سليم الصباح.. مرايا الماضي والحاضر
عرار:
أحمد الكواملة وأنا أقرأ المجموعة الشعرية (بين يديَّ أنا) للصديق الشاعر سليم الصباح، أقف أمام الغلاف الأول، استشرف دلالاته التي تشي بها قصائد المجموعة، مباشرة أو مجازا. الغلاف صورة يدين تحويان مراحل العمر لشاعرنا، حيث الصبا والشباب والشيخوخة في صور يعلو بعضها بعضا، ولكل مرحة هواجسها ودلالاتها وإشراقاتها. الصبا والوعد كأنه حوار بين الصبي ووالده، يقول الصبي: هانا اليوم أرى اليوم الذي هو يومي، وكأني أرى غدك، الذي هوغدي، فهل اقفل التنصيص، وكأن ذا قدرنا: هل اقفل التنصيص يا ليتي هنا وكأنما خلف الزمان نجومنا والبرق مستتر هناك الوعد في أيدي الغبار وكأن منولوجا يعلن عن نفسه، بين الصبي وأبيه حين يرد... كأنه يقول للصبي... لا تغلق التنصيص، فما يزال لدينا الكثير مما يقال: أحبب سنابلك الجميلة يا فتى حتى وإن... الحقل سنبله يشاكس كالعدا والجوع طابون تكحل بالمدى والريح تأكل في الوجوه كأنها ذئب تمرس في الظلام على الردى وكأن الصبي لم يرتح لرد والده الشيخ: هل في جبينك من مرايا للحمام؟ يا صاحب الستين وعدا من صدى ماذا سترسمني النجوم على مقابرها الحسان؟ فيأتي جواب الشيخ نابضا بالأمل والتحدي والحضور: حمام بوح قصيدة يأتي إلينا في مواويل الضحى فيه الزنابق من يدي تمشي نسائم من عبير البوح سرو قد تسامق في العلا قلم بأيدينا يجفف خوفنا ........ الخيل ترقص ......... فوق أجنحة القمر جاء القمر جاء المطر ... هكذا يعلن الشيخ أن غدنا قادم بالبشر والثورة والخير والنور، وعندها يغلق الصبي التنصيص. على وعد قادم لفت انتباهي ذلك التناغم المعبر الجميل الذي يثري النص ويضاعف تأثير القصيدة دلالة وإيقاعا، عبر مراوحة بين مقاطع تفعيلية الإيقاع ومقاطع عمودية الإيقاع. و إن سبق شاعرنا شعراء آخرون، زاوجوا بين الشكلين ، نجح بعضهم في تعميق اثر النص، ولم يدرك بعضهم ذلك، غير أني وهنا في مجموعة الصديق الشاعر سليم الصباح (بين يديَّ أنا ) نلمس التأثير والتناغم عبر نسيج إيقاعي دلالي محكم، في كثير من مقاطعها: يا حسرتي إن الحسان فعالها كعيونها يفتكن بي مثل السهام إني بليت ببعضهن وإنني في الورد غر و هي إحدى العالمات يا ليل بلغها مقولة شاعر أفديك سنجابية العينين يا لحنا لأغنيتي على نبض المدى ( ما ضر قلبك) * قلبك لو تلطف مرة ...* وقع الحفر على الحافر كما يقال/ إشارة إلى أغنية الراحل فريد الأطرش و أتى الزهور بروضها كاس المنى .... رفقا بقلبي يا مليحة انه فيه البلابل من نواح ورموش عيني ساهرات ... ساهدات ... تناص ... فيض معرفة يشير النتاص إلى ما تراكم لدى الشاعر أو الكاتب من خبرة ومعرفة وثقافة، وهذا واضح في مجموعة الصديق الشاعر سليم صباح (بين يديَّ أنا). والتناص ليس هدفا بحد ذاته، فكثيرا ما يكون التناص ثرثرة لا لزوم لها، غير أن كثير من مواضع التناص في مجموعة سليم الصباح تضيف إلى النص عمقا معرفيا ودلاليا مؤثرا، وقد تمايزت تناصات شاعرنا بتمايز مرجعياتها ... منها: تناص صوفي بما يذكرنا بقول الصوفي (الحلاج) وهو ينفض جبته التي يلبس ... ليس في الجبة إلا الله ...، ولسان حاله يقول كلما ارتقيت في معرفة الله بلغت درجة الحلول والاتحاد ....يقول الشاعر: هل يا أبي في جبتي غيري أنا ؟ و أنا الذي غلقت أزرارا تمادى غيها ماذا بداخل جبتي ظ يبدو بداخلها أساطير الدجى .. و كأن شاعرنا في صراع بين خير يتمنى أن يكون في جبته ... وبين إثم .. (غلقت أزرار غواية) أغوته ففكها .. وكأنه أفاق من غيه الذي كاد يرديه، إلى لحظة طهر غلق بها الأزرار، هي حالة بين الإقصاء والحلول. و تتزاحم حالات التناص بين أمثال قديمة وإشارات قرآنية، وتأثيرات أسطورية، وتراث أدبي شعري عربي قديم ¸و غيره من حالات تعمق الدلالة وتطير بالمقاطع الشعرية إلى مناخات اشد عمقا. صور جميلة معبرة لا حاجة أن استرسل في ذكر كل ما في المجموعة من صور، ولا في شرح دلالاتها، غير أني اثبت القليل من هذه الصور الجميلة المعبرة بين يدي القارئ ... فيها الشموس أرانب ........... تجري مياهي ونهري ظل ظمآنا ! ........... على ظهور الموج ضبح منارة (و كأنها خيل أرهقها الشوط) ......... الرمز باب والنهى مفتاحه بيد الحكيم عن الهدى لم يمنع (حكمة) ......... هاتوا خيوط الفجر من رئة الظلام ......... رقص الغبار على الغبار .. المجموعة القصيدة مع إن مجموعة (بين يديَّ أنا) للشاعر الصديق سليم صباح، تتكون من قصيدة طويلة واحدة، ومع ما ملكت هذه المجموعة من ترابط وتناغم جدير بالملاحظة، غير أني أرى أن هذه القصيدة الطويلة، قابلة بسهولة أن تتوالد قصائد عديدة كل قصيدة بعنوان، دون أن تفقد ما باحت به المجموعة ذات القصيدة الطويلة الواحدة من تأثير وحضور