(عازف اللحن الأخير) هو الديوان الثاني للشاعر (محمد حرب الرمحي) وكان قد سبقه ديوان صدر في القاهرة أثناء دراسته عام 1979 بعنوان (تأشيرة سفر إلى قلب امرأة). يبدو أن الشاعر يحاول من خلال هذا الديوان، أن يكرس ذاته في عالم الشعر العربي المعاصر، وهو يحث الخطأ في سبيل ذلك، خصوصا بعد أن اصدر ملحمة شعرية إنسانية مسجلة على شرائط، بصوت الفنان (محمود سعيد) وقد جعل عنوانها (فقراء في مدن الزمن القديم). هذه مقدمه استشعرت انه لابد من تثبيتها، رغبة في إيصال هوية الشاعر إلى القارئ. والآن ندع حديث الشاعر إلى حديث الشعر، اطل علينا ديوان(عازف اللحن الأخير) في حلة قشيبة بدءا من الغلاف وانتهاء برسوماته الداخلية الرقيقة التي أبدعتها ريشة الفنان (محمد ابو زريق)، مسافر عبر قصائده في جو عابق بالشذى نابض بالحس والشعور، مجنح برؤى الخيال، عبر سيل رائع من الألوان والظلال والأنغام، تنبئ عن صوت شاعري يحاول أن يقول. ولعلنا نستطيع أن نتمثل في الديوان إحساس مضمر بالحزن والخيبة، من العنوان وانتهاء بقصيدة (أخر ما تبقى) انه وجدانيات شاعر يعيش في قلبه و لقلبه، لا يرى من الأشياء إلا صورة المرأة، اختزل فيها كل همومه وأحلامه، ولعلنا نلمس وجه الشاعر العربي الكبير (نزار قباني) يطل علينا من كثير من قصائد الديوان، أملين أن نلمس صوت الشاعر الخاص بصورة أعمق وأقوى في أعماله القادمة. ولعل قصيدة (عازف اللحن الأخير) والذي جعل من اسمها عنوان للديوان، توضح بعض ما ذهبنا إليه ومنها يقول: «قولي/ لماذا خنتني/ وخدعتني/ وهدمت في لحظات صمت/ معبدي/ قولي/ لماذا/ قد كفرت بدين قلبي بعدما/ بنّيت في عينيك كل مساجدي/ قولي/ لماذا اخترت غيري/ بعدما قد كنت لي/ وطني/ وإيماني/ ولحظه مولدي». إحساس غامر بالحزن والمرارة يبدو في تساؤلاته الهادئة، وهكذا تمضي القصيدة من تساؤل إلى تذكير بيوم جميل مضى، وصولا إلى إعلانها خائنة قاتلة للحس والوجدان: «قولي بأنك خنتني/ قولي/ ولا تترددي/ يا من قتلت بحقدك الدامي/ براءة مهجتي/ وتركها في حيرة لا تهتدي/ يا من شنقت أيام الهوى/ وشنقتني/ ودفنت حبي بعدما اغتالته أيديك/ بحبل حاقد». ولعلنا نلمس ذلك الصراع النفسي، الذي يتجاذب وجدان شاعرنا، بين قلبه المطعون، وفكره الرافض لهذا الحب الضائع، الذي ما يلبث أن يستعيد ذاته قبل لحظة الانهيار، نلمس هذا في صرخة مدوية، يحاول بها أن يغلق أبوابه الحالمة، على انه يترك لخيط ضئيل من الأمل أن يتسلل إلى نفسه المعذبة، انه يرفضها فعلا، ولكنه يترك لها أن تتنفس عبر قصائده، حتى وان كانت رصاصية الإيقاع: «فلتذهبي/ يا حيتي الرقطاء/ عني اذهبي/ لن تبعدي/ مادام سمك المجنون يجري/ في عروق موائدي/ ما دامت النار التي أشعلتها في داخلي/ تقتات وجداني/ وتأكل موعدي/ إن تهربي مني/ فكيف غريمتي/ ستهربين من رصاص قصائدي». قد تكون ميزه لشاعرنا، ذلك النسق القصصي الذي عمد إليه في كثير من قصائده، على أن طول القصيدة، يذهب في بعض الأحيان بجمالها، واخذ عليه تكرار المواقف التي أدخلت بعض الملل في بعض القصائد، لعله يتدارك ذلك فيما يلي من أعمال. أعود فأقول هذا ديوان يحمل فيضا غامرا من الإحساس والرقة، يعلن عن شاعر سيكون له مكان تحت شمس الشعر عما قريب.