الناقد محمد المشايخ يحشد الشاعر سعيد يعقوب كل طاقاته الشعرية، ليبثّ من قلب المعارك التي يشهدها قطاع غزة، وتشهدها الضفة الغربية، ردود فعله المقاومة، والرافضة لما يجريه الاحتلال هناك، فيستحيل الشعر بين يديه جمرا يكوي المعتدين، وبردا وسلاما على قلب المقاومين، بعد أن يعيد لأدب المقاومة، ولأدب الحرب، ولأدب المعركة، ولأدب المواجهة، أمجادها، وبعد أن يُسخّر خياله المحلـّق، لانجاز – ما يتواءم مع ما يجري على الأرض الفلسطينية – من صور شعرية أخـّاذة، ومشاهد فنية سينمائية، ترفع من مكانة المقاومين، وتسرد شعرا ما ينفذونه من عمليات نوعية ومن المسافة صفر، وتأخذه الحالة الشعرية، إلى مناطق بكر لم يطأها الشعر العربي من قبل، إذ يتفوّق الخيال على نفسه، ويعجز عن الوصول إلى وصف ما يجري: هذي المجازر فوق ما يُتـَـتصوّر عن وصفها حتى الخيــــال يُقصّر ولأنه ابن الشارع العربي بكل تجلياته وتوهجاته وإرهاصاته، فإنه يمزج بين ملكته وموهبته الشعرية، وبين بعض المصطلحات التي استحدثت مع الربيع العربي، وكانت مرافقة للقاعدة الشعبية خلال فعالياته، ومن ذلك قول «أحمد الحفناوي» الثائر التونسي الذي أطلق مقولة: «هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية» يقول سعيد يعقوب: أعمارنا مرت ولا ندري متـــى يا قوم من عنق الزجاجة نخرج إنا هرمنا والأماني لم تــــــــزل وهما نحوك به الخيال وننسج وضمن جلده للذات العربية المتخاذلة، ينسى الشاعر الجماهيري سعيد يعقوب نفسه في أثناء إبداعه لشعره، ويعيش حالة من يهتف في المظاهرات الشعبية العارمة، ليبدأ بالتكبير: الله أكبر لم يعد في أمتــــي قلب يُحسّ ولا ضمير يشعرُ سعيد يعقوب، شاعر مستقل، ولكن الأحداث العسكرية والوطنية تتكرر، فيتكرر التحذير من خطورة ما جرى ويجري على الأرض العربية، فيعيدنا دون أدنى تأثر، إلى قول ناصيف اليازجي: (تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب · فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ) فيقول سعيد يعقوب مكررا التحذير مليون مرة، دون أن يصغي له أحد، واعدا في عنوان ديوانه، أن للمعركة، وللأشعار التي تخلد وقائعها، بقية: وكم من قبل هذا بـُحّ صوتي وكم أفنيت في صحف مدادي كأني لم أخاطب غير صخر بما خاطبـــت أوسمع الجماد ويعيدنا أيضا، دونما أي تأثر، للشاعر عبد الرحيم محمود، إذ قال: ( فإمّا حياة تسرّ الصديق وإمّا مماتٌ يغيظ العدى)ليقول سعيد يعقوب: وشعاره إما انتصار ساحــــق يُخزي العدا..أو بالشهادة يظفر وينهض سعيد يعقوب بالقصيدة العمودية التقليدية، ويجعل من بحورها الشعرية، وقوافيها، موسيقى ذات صولجان أقوى من قوّة الخصوم، فيعيد لتلك القصيدة أمجادها الحربية، والمؤثرة، والمزلزلة، ويعيد للمقاومة أمجادها، وانتصاراتها، ويرفع قبل ذلك كله من معنويات الأمة، التي التزم بهمومها: شعب على صخر اليقين بقلبه أمواج كل مكيدة تتـــــــــــكسّر بعزيمة كالنار هاج ضرامها وإرادة كالسيف ليست تكسر ولم يترك سعيد يعقوب للبلاغة العربية ما تقوله، أمام عظمة التشخيص والتجسيد الذي بثه في ثنايا ديوانه، وما أجمل لحظات التجلـّي التي كان يمر بها وهو مستغرق في أعمق أعماق حالة الإلهام الشعري التي كان يعيشها وهو يبدع قصائده، ليقول لما لم يقله الأوائل في وصف رجل المقاومة: أمام مجدك يحني رأسه الكلم يا قمة قد حـَـبت من تحتها القمم إن المقاوم إقدام وتضحية وهمة عن مداها تقصر الهمم سعيد يعقوب، شاعر شمولي، وبعيد النظر، يًسخـّر القصائد، ويمنحها من إحساسه الوطني قوة تتجاوز قوة النثر، ولا سيما عندما يستشرف المستقبل، ويحذر من أداروا ظهورهم لما يجري، من الخطر الذي يُحدق بهم، وبأمتهم، مستخدما تقنية الأحلام: عين تحدق في البعيد الغائم تـُصغي بعمق للخفي القادم فترى غرائب لا تبين كما تـُـرى أضغاث أحلام بمقلة نائم وسعيد يعقوب، ابن الحداثة، وما بعدها، ظلّ في معظم قصائده مرتبطا بالتراث، وبالروح الدينية، التي ترفع من معنويات المقاوم، وتمده بأسباب القوة والاستمرارية في المواجهة، وتبث في قلب عدوّه الخوف، وتوصله إلى الدرك الأسفل من الجحيم: تقدّم أيها الغازي تقدّم إلى التدمير والموت المحتم إلى أن يقول: وكم قطعوا لجندك حين جاءوا تذاكر للذهاب إلى جهنم سعيد يعقوب، ابن التجربة الشعرية والحياتية الطويلة، يجري الشعر على لسانه، بعكس غيره من بعض الشعراء الذين ينحتون في الصخر، فهو يغرف من بحر الشعر بسلاسة، منطلقا من برجه العاجي، ليكرّس لنا صنفا جديدا من شعر الحكمة، الذي يعيد الفضل فيما يجري للأفعال، وليس للأقوال: والمجد فعل، ليس قولا فارغا فعل يزلزل من صداه جبالا سعيد يقوب، شاعر طويل النـّـفـَـس، تمتاز قصائده بوحدة البيت، ووحدة القصيدة، وبجماليات المفارقة، وبما فيها من أساطير ووقائع إنسانية وعالمية، وأسماء شخصيات وأماكن، وحتى الهجاء لديه جميل، يقول جالدا الذات العربية المتخاذلة بالتلميح لا بالتصريح: عار على العار أن يرضى بكم عارا يا من بلغتم من التعداد مليارا