عمان -  

صدر حديثاً  كتاب « فلسفة فوكو وجذورها النيتشوية» للدكتورة نهلة الجمزاوي، عن جدل للنشر والتوزيع، ويناقش الكتاب فلسفة المفكر الفرنسي ميشيل فوكو ويبحث في الجذور النيتشوية التي انطلقت منها فلسفته، بوصفه -أي فوكو- من أبرز رواد فلسفة ما بعد الحداثة التي أرسى جذورها فريدريك نيتشه  بحسب الجمزاوي. ويتناول المبحث الأول للكتاب، عرضاً مكثفاً، لأبرز مبادئ فوكو الفلسفية وجهازه المفاهيمي الجديد، ومنهجه الآركولوجي الذي استقاه من جينيالوجيا نيتشه. بينما يعمد المبحث الثاني إلى إلقاء بعض الضوء على أبرز مكونات فلسفة نيتشه وجهازه المفاهيمي الجديد، بوصفها ثورة قيمية أثّرت على معظم فلاسفة ومفكري مرحلة ما بعد الحداثة. 

و يرصد المبحث الثالث، أوجه التقاطع بين فلسفتي كلٍّ من نيتشه وفوكو، في محاولة للإجابة عن سؤال الدراسة الأساس حول الجذور النيتشوية في فلسفة فوكو، أي ما مدى أثر نيتشه في تشكّل فلسفة فوكو. 

وفي معرض تقديمها للكتاب الواقع في (156) صفحة من القطع المتوسط،  تشير الجمزاوي إلى أن « نيتشه أحدث ثورة صادمة في المسار المعرفي الكوني، وأسهم في قلب نظام التأويل كلياً في الفكر الغربي، وكذلك ماركس وفرويد، ويعدّ ميشال فوكو من أبرز من تأثر بهذا الثلاثي، فجينيالوجيا نيتشه تكرس قطيعة مع التقاليد الفلسفية برمتها، وتنسف التراث الميتافيزيقي وتهدمه، ونيتشه بالنسبة لفوكو هو من أنقذنا من سباتنا الجدّي والإنتروبولوجي لذا صار لا بد من رصد الجذور النيتشوية التي تركت أثراً كبيراً في فلسفة فوكو وحفره الأركيولوجي للبحث عن المعرفة والحقيقة، بعد القطيعة التّامة أيضاً مع كلّ ما هو ميتافيزيقي، وجرّ الفلسفة من عليائها للبحث في الشّأن الأرضي ... ومن ثم انطلاق فوكو للبحث عن السلطة في أسفل القاعدة الهرمية للمجتمع، حيث تقبع شريحة لم تعالجها الفلسفات المتعالية..إنها طبقة المهمشين والضعفاء والمجانين في السجون والمستشفيات والعيادات النفسية وحتى الجنود وعمال المصانع.  ومن هنا يحق لنا التساؤل: إلى أيّ مدى شكلت فلسفة نيتشه جذوراً لانطلاقة فلسفة ميشيل فوكو، وكيف تجلت هذه الفلسفة في فكره على صعيدي الوعي واللاوعي».

وتقول الجمزاوي إنّ السّيطرة على كلّ المضامين والأفكار لدى كلٍّ من نيتشه وفوكو ضمن طيات هذه الدراسة البحثية، لمن الأمر المتعذر؛ لما تنطوي عليه فلسفتاهما من تفاصيل تمسّ حياة الإنسان الأرضية غير المتعالية، وفق نظرة ثورية نقدية زعزعت كلّ القيم المعرفية السّابقة، ووضعتها على مائدة النقاش والتعرية. إنّ ما تزخر به فلسفة نيتشه من تفاصيل حياتية أرضية تكاد تمس كل القضايا المادية والجسدية والذهنية للإنسان، التي شكّلت تأسيساً لفكر ما بعد الحداثة عند عدد كبير من المفكرين، تلك الجذور التي انطلق منها فوكو قارئاً ومحللاً ومضيفاً ومنتجاً للجديد الذي يراه متسقاً مع الإيقاع العصري للحياة، لخصها فوكو بجملته البسيطة السالفة الذكر: «أنا ببساطة نيتشوي...»... 

وتضيف: «أن فوكو تتبع آليات الحفر النيتشوي في البحث والتأسيس لفلسفته الجديدة ليرسم خطاً  جديداً لا يختلف مع نيتشه وإنما يعززه ويشرحه برؤية فوكوية خاصة. ذلك أن فلسفة نيتشه الشائكة الغارقة في اللغة المجازية والشعرية والعميقة حدّ التعمية في بعض أجزائها، هي حمّالة أوجه مفتوحة على التأويل، ولكنها وإن كانت تحتمل صروفاً من التأويل، أرى أن هذا التأويل لا يتجاوز حدّ المضامين والخطوط العامة لفلسفة نيتشه، ولا يقلب المعنى ويحرفه عن سياقه التاريخي العام....

 إنّ تأويلية فوكو لنيتشه لم تكن تنظيرية أو شارحة فقط، بل إنها تجسدت عبر فلسفة حيّة، ذات ملامح خاصة، لا تنسلخ عن جذورها الجينية النيتتشوية، إذ يتبدى هذا لعين القارىء بيسر....

ويذكر أن د. نهلة الجمزاوي الحاصلة على درجتي الماجستير والدكتوراه في الفلسفة من الجامعة الآردنية، أصدرت عددًا من الدراسات الفكرية والفلسفية، إضافة إلى إرث كبير من المنجزات الأدبية المقروءة والمرئية والمسموعة في مجالات الرواية والقصة والمسرح والدراما الإذاعية والتلفزيونية وأدب الطفل، وحصلت على عدد من الجوائز العربية في معظم تلك الصنوف الإبداعية. وهي عضو في رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد الكتاب والأدباء العرب والجمعية الفلسفية الأردنية وعضو مؤسس في جمعية الثقافة الفلسفة.