بقلم الشاعرة التونسية  وهيبة المهذبي 
"طرق على ستائر الرّوح" هو الدّيوان الشّعري الثّاني (بعد ديوان "زفرات شهد") للشاعرة التونسية وسيلة المولهي الصّادر عن مؤسّسة " يسطّرون للطّباعة والنشر"/ مصر- الجيزة في طبعته الأولى لسنة 2018 وقد توزّعت نصوصه ال 47 على امتداد 108 صفحة .متراوحة في الطّول والقصر ومتنوّعة من حيث شكلها الشّعري فمنها ما يمكن اعتباره قصيدة نثر ومنه ما يدخل حيّز الخواطر الشّعريّة أو يصب في خانة القصّ الشّعريّة لطغيان السّرد عليه. 
وسيلة المولهي أو "بنت الصّنوبر" كما يحلو لها أن تسمي نفسها وهي تسميّة ليس عبثا أن ترى نفسها فيها إذ أنّها تكشف برأيي عن مدى التصاقها بموطنها الأصل بالشّمال الغربي للبلاد التّونسية تحديدا مدينة تاجر وين من ولاية الكاف حيث تمتد غابات الصّنوبر معمّرة تلك الأرض الطيّبة حارسة لها من الاختناق ومباركة صمود اخضرارها معاندة انتكاسات زمن روحه متورّمة. الكتاب أيضا لم يخط بعيدا عن "منطق" وسيلة في تكوين تفرّدها واختلافها إذ فيه من رسم التّجربة الذّاتيّة الكثير و القارئ حين يقع نظره على نصوصه سيلمس التّغيير والسّير في نهج مختلف عن السّابق من حيث شكل الكتابة الشّعريّة وكيفيّة توزيعها على المساحة الورقية للكتاب . عن نفسي اتفق معها في هذا التوجّه لأنني أؤمن بأن التّفاعل مع التّجديد أمر مطلوب والوقوف على الإعادة ليس فيه دائما إفادة وقوانين التّطوّر تفترض أن يجيء العمل مضافا إليه تجديدٌ حبّذا لو يأخذ بالشّكل والمضمون معا .
العنوان "طرق على ستائر الرّوح" هو العتبة الأولى والمدخل الرّئيس للعبور نحو المتن لذلك فنحن ومنذ البداية نرى أنّ الشّاعرة تسحبنا مباشرة من عالم الواقع إلى ما وراء الواقع وكأنّها وبطريقة ضمنيّة تدعونا إلى تغليب المحسوس على الملموس بتحريك جزء هام من انتباهنا إلى الهندسة الداخليّة للنصوص وأن نبحث على ما وراء الظّاهر من الألفاظ. وليس صدفة في اعتقادي أن تنخرط بنت الصّنوبر في صياغة العنوان بشكل مجازيّ لو لن تكن تقدر على ذلك أوّلا وثانيّا والأهم لو لم تكن لها قصديّة تحرّكها وتنطلق بها نحو لفت انتباه المتلقّي وتحفيزه على جعل صلته قريبة من منجزها الشّعريّ وتحبيبه في الإطّلاع عليه.
يقول مصطفى خريف "الشّعر لسان القلب" والقلب يعني العاطفة يعني الإحساس وهذا ما تجلّى حسب رأيي بامتياز في كتابات بنت الصّنوبر في هذا المنجز الشّعري وارتدته لغتها حتّى وإن وضعت بيننا وبينه " ستائر" من التّخييل إيهاما لنا بأنّها تنشيء عالما غير واقعٍ لنغفل عن حقيقة تلك "الرّوح" الّتي استأنست بروحها لتظلّ داخل النّصّ تُرتِّبُهَا فيه كما تشاء وتُوزِّعها هنا وهناك ظلاّ لها قد يتفاعل الضّوء في اتّساق خفيف ويتضافر مع ما تصوغه رؤيتها حين ترضى أن يُسفر " الطّرق "عن انكشاف شفيفٍ لما يخصّها ولعلّ الرّسم المرفق بالغلاف يخفف قليلا من أيّ اشكال في الفهم يَنحُته تأويلي هنا, لأن صنع العنوان وحده جزء من عمل يُورّط فيه الشّاعر أشياء عديدة غير اللّغة وغير الألفاظ بمعناها الظّاهر و المخفي أي ذلك المجازيّ الذّي يسعى به لاستغواء المتلقي واحداث وقع خاص في نفسه إذا نحن بصدد حضورٍ لتفاصيلِ اللاّمَرئيّ في المَرئيّ بمعنى أنّ اللّوحة التّشكيليّة المرفقة بالغلاف هي بدورها تمثل فضاء شاسعا لرؤية ما إليه المَعنى يَنتهِي.وهذا إجمالا فعلٌ تَمتلكه قصديّه كل مبدع ليَسِمَ إبداعه بعمق جمالٍ يُحبّذه القارئ ويُفتَتَنُ منذ البدء به. 
ونحن إذ نُنصِتُ إلى "الطّرق" الذي يحيلنا مباشرة على المتن سنسمع نبض قلب الشّاعرة وما اختلج في وجدانها فتتلاشى السّتائر ولا تَعُود تحجب تلك "الرّوح" الّتي نراها تنصهر مع البوح فيصير الكلام طيّعا ترسمه الشّاعرة تارة مآسيَّ ومواجعَ وتارة تبعثه من قلب السّعادة راقصا متمايلا . أوّل ما لفت انتباهي بعد التّصدير والإهداء أنّ مدارات النّصوص في هذا المنجز لا تنفصل عن روح العصر وقد اشتغلت وسيلة المولهي على مواضيع مختلفة فيها كمٌّ هائل من التّدفق التّلقائي الّذي لا يُجيد التّصنّع فاقتنصت من عناصر الواقع بأزمنته وأمكنته وشخوصه وأشيائه ما يجعلها تنخرط في بناء الفكرة بلغة سلسة لا تعقيد فيها ولا تكثيف يحبس المعنى داخله ويجعل الفهم يتلبّس على المتلقي لتقوده بيسر إلى فهمها بعيدا عن السّطحيّة بعيدا عن الكشف التّام عن الفكرة دعوة له إلى التّوحّد مع المسؤوليّة فيعطي من جهده الذّهني ما يليق به كقارئ يقظ .
في مقطع من نصّها المطوّل بعنوان"حين يجيء الحلم من بقايا الخلاص" تقول:
"للبحر شذى عطري
وروح قصائدي كلّها 
هدير مواجعي الّتي أسكنها
شواطئ غربتي الممتدّة من زمن طفولة الأصداف
وطفولة الأقلام
إلى متانة الأرض
وعزّة الكاف..ونماء الصّنوبر
وسنابل القمح الّتي أهدتني قافيّتي
وعمّدتني بماء طهور
وأسمتني بنت الصّنوبر"
هذا المقطع يتّسم بقدرة كبيرة على رسم تفاصيل التّجربة الذّاتية يُدركها كل مَن تمعّن في الألفاظ تلك الّتي تعتبر وعاء للمعنى وكما قال ابن طباطبا " اللّفظ جسم وروحه المعنى" . إنّها تلوذ بشعرها , بحرفها وما تخّطّه لتكشف عن دواخل دواخلها وتعيد النّور إلى صُبحها فتتوهج روحها . إنّها شاعرة لا تتعارض مع ذاتها الشّاعرة ممّا يجعلنا نفهم هنا قوّة انشدادها إلى ال "أنا" فهي "العاشقة دون نهاية "( ص 7) "لها" لروحها إذ تقول أيضا:
في نصها عدد 22 بعنوان :" اكتفاء"
هذه الرّوح لي 
العالم ملك يدي 
وأنا أميرة على عرش أبيّ
الله خالقي 
والأنفاس نور ساقتها
غيمة بالصّبر تنجلي"
إنّها تصنع من وراء بوحها وشكواها تحدّيها وإصرارها على سكب الارتياح سكبا في عمق عمقها . إنّها تبحث عمّا لا يخون الذّاكرة وعما لا يظلّ يؤرقها لتهدأ أمواج الحزن الصّاخبة ويعمُر عزف الفرح بداخلها ويعود القلب لا يعصي إنصاته للحبّ ويجتهد كي يعزّز صلته بالآخر ولا تتستّر العواطف بل تنفتح على البوح الشّفيف الّذي يُحضر الآخر من الذّاكرة اّعترافا بالحب والوفاء والاخلاص له شكلا ومضمونا وأمام دهشة الزّمن:
" بين نوم وصحوة " /قصيدة عدد38
" ننام ونصحو
ومازال ليل الغريب طويلا
يقاسمنا السّهر
وذكرى حبيب ضياه أفل
ننام ونصحو
وفي البال أنتَ وتلك الحفر
محاها الزّمان
سقاها من الحلم صبرا
يزيح الكدر"
لمَ لاَ ؟ لابد للرّوح أن تتوحّد مع الارتياح ، لابد أن تُشُدَّ ال"أنا" الملتحمة بالآخر أواصر المحبّة والسّكينة :
"نداء" نص عدد 10
" يا هذا ..يا أنتَ.. يا أنا..
إنّني أفنيت عمري 
وحان لي أن أشرب 
من كأس النّعيم رشفة"
المرأة في العادة تستحي من أن تعترف بمشاعرها لكن عند وسيلة لا طقوس محرمة في البوح بالعشق حتى أنّه حقٌ تَحتفي به في نصوص عديدة من الكتاب منها( دثار العشق22/ بعض من العشق28 /حديث العشق31 /أنت والعشق لي32 /عشقتك قبل أن أكون34)
وهذا نظام "المنطق الوسيلي" كما يحلو لي أن أسميّه لأنّه ينتهي إليها مبنى ومعنى تحكمه قناعتها لما يحمله من قيمة إنسانيّة رفيعة وتسمو به روحها واقعا وتخييلا وتحتفي به ببراءة الشّاعرة وتلقائيّتها داخل شعرها وخارجه وهذا ما لم يتغيّر ولم يتقاطع كغرض من أغراض الشّعر عند بنت الصّنوبر بالنّظر إلى مجموعتها السّابقة "زفرات شهد". 
لا يخفى على القارئ أن فهم النّصّ باعث على الاستمتاع والصّورة الشعريّة إن خلت من جماليّة صياغتها الفنيّة ولم يكن منشؤها الحسّ بالأساس لن تتجاوز حدود نسيجها اللّفظي وستظلّ تساق في استعراض لغوي لا أكثر. وما لاحظته في نصوص المجموعة هو أن الرّغبة تصبّ في هذا المُبتَغى لكن تنشيط الصّناعة ينقصها فالإلهام محفّز على الكتابة لكن أن تجيء بشكل واع قائمة على المعرفة فذاك أنجع وأمتع.
أخيرا تظلّ قراءتي ل"طرق على ستائر الروح" قراءة عاشقة أحببت أن أُلقي من خلالها الضّوء على جهد جميل بُذل وعمل شعريٍّ جديد لذات شاعرة أتمنى أن تزداد مؤلفاتها مستقبلا وأن تنتهي إليها اهتمامات مستطيبي "الشّعر" كتابة وقراءة لتأخذ شرف الّتواجد أكثر في " مدونة الشّعر التّونسي الحديث ".