|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
قراءة سيميائية في "فيوض الدلاء" للأديبة "جميلة بلطي عطوي" بقلم/ عبد المجيد بَطال
عاشقة
الصحراء :
سيمياء الفيض في عتبة "فيوض الدلاء": يلعب المركب الإضافي المكون لعتبة النص دوره الأساس كوحدة دلالية لا تعرف الانفصال في إقامة علاقة حميمية بين متضايفين (فيوض+ الدلاء).. وقد تفرد العنوان بصيغة الجمع، لإيماءة في ذاته.. إذ تتميز (الدلاء) بالفيوض المادي المتعلق بالماء/ بالحياة.. وإن لم يصرح بذلك فهو متضمن في الدلالة القائمةِ علاقَتُها بين (الفيوض والدلاء).. فلا تكون الفيوض إلا فيوضا معنوية دالة على التدفق، والانسياب والامتلاء، الذي يتماشى وصيغة الجمع هنا في "فيوض" التي جاءت لتخدم البعد الدلالي لما تحمله الكلمة من معاني الغزارة والكثرة... ولها إحالة مرجعية في مجال الفلسفة الصوفية كما عند الفيلسوف الفارابي في (نظرية الفيض) التي تخلص إلى القول: بأن "الفيض هو القول بأن العالم يفيض عن الله كما يفيض النور عن الشمس، أو الحرارة عن النار، فيضا متدرجا" (2) سيمياء الفيض في نصوص المجموعة السردية "فيوض الدلاء": جميلة بلطي عطوي، وهي تحلق بالمتلقي في فضاء هذا النص المكثف بالمعاني والدلالات، عبر أزمنة متنوعة.. مستعملة في ذلك صيغ: (الأمر + الماضي + المضارع)، إذ تخاطب الفجر في رمزية تولّف فيها بين: سردية/ شعرية/ تعبيرية... باعتبار الفجر سيمة دالة على الانبلاج الذي سيلقي بفيض أنواره على الدنيا ككل.. وهو أيضا رمز للحياة، وللأمل المرتقب... لذلك يلاحظ توجيه خطاب الساردة جميلة بلطي في أربع جمل بصيغة الأمر، توزعت على مساحة النص توزيعا سيميائيا دالا على أهمية الشيء المخاطب (الفجر) كالتالي: لقد تكرر أسلوب النداء باستعمال الأداة (أيها) للمنادى (الفجر) وهو عبارة عن جمل إنشائية طلبية للدلالة على جلالة الأمر، وعظمته وعلو قدره ومكانته.. وقد تضمن خطاب الساردة للفجر طلبا لفيوض النور والصفاء تتدفق على الوجود كله.. "أوقد شموعك أيها الفجر لقد تقرحت عين الليل، أدمى الأرق وجدانه فثمل دون مدام... صار يهذي، نديمه الأسى وكأسه الموت الزؤام... كم بات يهفو إلى ضياء القمر، إلى لمعة النجم على فروع الدوح... إلى الهمس يفعم الأرواح فتنتشي..." وهنا يظهر الانتقال عبر الخط الزمني باستعمال الأداة (إلى) وهي تتكرر في إلحاح على التوق لكل ما هو جميل وناصع، بعيدا عن كل ما يقبّح الحياة ويشينها... وتتحول الكتابة عند الكاتبة: جميلة بلطي، من الوجع إلى فيوض في نص "قصة الحرف" (4) حين تصبح الكتابة علامة دالة على "روضة للبوح" تقول الساردة: "وفي روضة البوح تراءت المعاني تغازل الصور والألوان، تستدرجها لرسم أجمل اللوحات. ما أبهاك أيها الحرف وأنت تعبر الوجدان فتمتص أوجاعه وأشواقه، تصبها في ساقية البوح تلاوين من العطاء تكتسي ثوب الحزن حينا وتلبس حلة الفرح أحيانا. كم أسعد بك أنيسا في ساعات الوحشة تخفف ألام الاغتراب وتهون الأوجاع فأشكوك همومي.." ويتسم هذا التحول بصريا على مستوى البناء التركيبي من الكتابة أفقيا في السرد إلى الكتابة عموديا في النثر الشعري، بالمزاوجة والتداخل شكليا، بين أجناس أدبية، أتاحت للإبداع هامشا حرا ومتسعا من التعبير عن تباينات الواقع الإنساني، بإيجابياته وسلبياته، أو بكل ما تحمله النفس الإنسانية من متناقضات الحياة، بآلامها وأحلامها بأفراحها وأتراحها... تلجأ الساردة حسب رؤيتها التعبيرية إلى الكتابة/ الحرف، باعتباره صديقا لها، كلما ضاقت بها الأحوال أو تراكمت عليها الأوجاع بغية الاستفراغ الذي يستدعي فيوضا من التعافي، واسترجاع الطاقة النفسية والمعنوية، باستمطار الحرف الذي به تُسْقَى بذرة الأمل.. تقول الساردة جميلة بلطي: وتلقي دلالات الفيوض سيميائيا تجلياتها على نص "رواء" من خلال الجمل السردية التعبيرية، بداية من العتبة (رواء) باعتبارها وجها آخر للدلالة على معنى الفيوض الحامل لمعاني تحدي قسوة الطبيعة، ومقاومة الجفاف المعنوي نفسيا وإنسانيا. المتأمل في نص "رواء" يلاحظ نسقا من الجمل والكلمات التي تومئ بالفيض الروحي والمعنوي لــ "رواء" الشابة/ بطلة النص المسرود، وفي ذات الآن هي مصدر للرواء بتمظهراته المادية والمعنوية... فسيميائية الفيوض اتخذت سبلا متعددة الدلالة في نص: "رواء" منها: 1 - دلالة "السقي" الذي تكرر في سياقات تركيبية متعددة.. باعتباره أداة في النماء، ووسيلة من وسائل الفيوض بما يوحيه الماء من جلب للخير والسعادة والرخاء.. تقول الساردة: "... رواء هل سقيت شجرة الياسمين؟ ... تحمل الإناء... تمد يدا غضة، تسقي الزهيرات البيض وهن يتسابقن إلى مرمى يدها... تطأطئ فتسقي الأرض سلسبيلا زلالا يفعم الروح نشوة تتمطى لها الأغصان وتتطاول في عين الشمس... تروم عالم البقاء والبهاء.." "...ذاك بيتها وتلك أرضها تسقيها الحنان في أبهى الحلل وتتوجها عروس الدار بل عروس الدنيا بأسرها." (6) 2 – دلالة "الرواء" التي تكررت على مستوى الكتابة بصريا متفرقة بنقط فراغ توحي بتردد الصوت المنبثق من حنجرة العجوز ليصل إلى أذن ابنتها... صوت يحمل معاني الاستمرارية التي تبثها العجوز عبر الأثير للاعتناء بشجرة الياسمين رمزا للحياة والأمل... تقول الساردة جميلة بلطي عطوي: "...لكن الأمل يحوم فوق الأطلال... تهتز أغصانها العليلة، تهمس في شوق... رواء... رواء... ويتردد الصدى دون ارتواء... شجرة الياسمين كادت تعلن البوار لولا غيمة شاردة دفعتها الرياح، توقفت لاهثة فوق المكان... هزها مشهد الدمار يئد أغصان الياسمين المكدسة... رق منه القلب ودمعت العين سيلا مدرارا روى العروق المتيبسة لتتسلل من بين الحجارة فروعا خضراء يانعة، تعاند الجدران المهدمة وتردد... رواء... رواء... كل أجل بقضاء." (7) إن الدارس المتفحص في نصوص السرد التعبيري عند جميلة بلطي في "فيوض الدلاء" يلاحظ سيمة الانبعاث الدال على النهوض بعد العثرات كما في "مواسم الجذب": "بغثة من رحم التخبط تنبثق نبضة خفيفة رقيقة..." (8) وفي نص: "يا أبي" "بين صحوة وغفوة يعزفني الحنين نوتات شجية توشوش في وريد الحرف... اهمس... صوت أبي أنت يتردد بين الحنايا" (9) والمتجول في مراتع "فيوض الدلاء" لا ريب أنه سيرتوي من دنانها، فيض المعاني، وانسياب الأساليب ورشاقتها.. تأخذه الساردة بين جوانح الفيوض، بسحر العبارة، وومضة الإشارة، وحلو الاستعارة... 4- نفس المصدر السابق ص: 27 الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الجمعة 11-09-2020 08:51 مساء الزوار: 862
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
بطاقة تهنئة الى مؤسسة عرار بمناسبة حلول ... | مقالات كتاب عاشقة الصحراء | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 26-12-2020 |
قراءة في ديوان " طرق على ستائر ... | مقالات كتاب عاشقة الصحراء | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 17-04-2019 |
بقلم/ أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي)يوم ... | مقالات كتاب عاشقة الصحراء | ابتسام حياصات | 0 | السبت 11-05-2013 |