|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
صيته والصندل الأحمر.. (قصة قصيرة).. بقلم : جميلة عويصي السرحان
عاشقة
الصحراء :
تعود صيته ذات الصف السادس من المدرسة ظهراً، فتذهب لتحلّ محل أبيها في رعي الأغنام ليذهب إلى السوق ليقضي بعض الحاجيات الضرورية ، وعند المغيب تعود صيته مع أغنام والدها إلى (المراح) فتدقُ وتد سلسلة حمار الأغنام ،وتزيل (الخُرج)و( الوثارة) من على ظهر الحمار ، أو ما تسمى ب( البردعة) وهي ما توضع على ظهر الحمار ليُركب عليه. فينادي أباها عليها فتأتي مسرعةً ، فإذا بأبيها ممسكٌ بصندل أحمر لامعٌ جميل ،فيقول :هذا لك يا صيته ، هذا ل (بنتي الذيبة ). فتأخذه صيته وتلبسه لترى مقاسه على رجليها فإذا به على مقاسها تماماً، فتأتي مسرعةً لتريه أبيها . كانت قدميها على الأرض لكنّ روحها عانقت الغيم في السماء من شدة الفرح ، وبينما أبو صيته والأولاد وأمهم جالسين للعشاء ،بقيت صيته مع صندلها تلبسه تارةً وتمشي به تارةً أخرى تضعه عند رأسها بجانب فراشها فتتلمسه وتمسك بحلقاته فتغلغها وتدق به الأرض لتسمع صوته الرنان ، فتغرق في أحلامها وصندلها الأحمر ، وإذا بها تمشي به في الطريق إلى المدرسة وصويحباتها ينظرن لها ويسألنها: من أين لك بهذا الصندل، إنه جميل ؟ وهي تجيب بفخرٍ لقد أحضره لي والدي. وعند إصطفافها في الطابور تصعد لرفع العلم وكلها ثقة بنفسها، ثم في غرفة الصف تندفع بقوة لتجيب على أسئلة المعلمة وتكتب على السبورة فتمتدحها المعلمة ويصفق لها زميلاتها.. أحلامٌ كثيرة ومثيرة في نوم صيته. فإذا بالصباح قد أشرقت خيوط شمسه ،فتستيقظ مسرعةً في شرب الحليب ، فتلبس مريولها المدرسي وتمشّط أمها شعرها الجميل وجدّلت ظفائرها ثم وضعت عليها الشبر الأبيض، وهنا لبست صيته صندلها الأحمر ، وهي تغلق حلقاته تحلم كيف سيكون يومها المدرسي اليوم ، فتأخذ وتفترّ به أمام إخوتها وتريهم كيف تمشي به ، وكيف هو لامع وذو طقطقاتٍ على الأرض. وهي في هذا الحديث مع إخوتها يأتي عمها الذي يكبر أبيها، فيشرب فنجان قهوة عند أبيها فإذا به يقول لأبيها ( لو تعطل هالبنت اليوم ، ودنا نعدّي الغنم اليوم ورا ماكينات الحصيد ) . سمعت صيته ذلك وكأن صاعقةً أصابتها فتجمّدت مكانها تستمع لأبيها ماذا سيقول ، فإذا بأبيها ينادي عليها ويقول : ( صيته عطلي اليوم يمه هاذي بنت عمك نوير عطلت حتى تساعدنا على الغنم ورا الحصّادة ). ( إذ كانت صيته ونوير أكبر أبنائهم ، إذ يلجأن لهما عند الحاجة ). صيته سمعت أبيها ، فانكمش قلبها تريد البكاء لكن لا تستطيع ، ولا تستطيع أن تقول لوالدها لا ، فتنظر الى جدائلها مرةً ، ومرةً إلى صندلها الأحمر وجواربها البيضاء ، وأحلامها ، فيحمر وجهها من شدة الحزن ، فتقول لها أمها : ( يلا يمه عشان تساعدي أبوك بكرا تداومي ) . وصيته تريد ان تجهش بالبكاء ، لكنها تتماسك أمام والدها فتنزع صندلها وكأنها تنزع قلبها ثم تلحق بأبيها. تلتقي صيته بأبنة عمها نوير وكانت تكبرها بسنتين لكنها ليست مُجدّة في دروسها كصيته ، فترى صيته حزينة فتقول لها :(عادي يا صيته ، يوم اعتبريه رحلة ) ، وهن يتقدمن الأغنام وراء ماكنة الحصيد . فتأخذ صيته بالتفكّر بهذه الماكنة كيف بها تتلقف تلك السنابل الذهبية ثم تجمع حبوبها في اكياسٍ كبيرة ، وترمي بها على الأرض ، ومن الخلف تنزل قشاً وتبناً. فتنظر هناك فإذا بكثير من أهل الأغنام جميعهم قد جاؤوا بغنمهم للرعي في هذا الحصيد ، فيلتقي هذا وذاك وعند الظهيرة يجلسون ويعدّون شاياً على النار وهم في فرحة كبيرة . وهناك بعض الأمهات يلتقطن ما تركته الماكنة من سبلات القمح ، أما أصحاب الزرع فقد أتوا ب(التراكتور) وساروا وراء الماكنة ليجمعوا أكياس القمح في هذه العربة ، وهم يحيّون الجميع ، فتسمع صيته الرجال يرددون كلمة : (البركة ) لصاحب الزرع فيرد عليهم :(يا وجه البركة ، حياكم الله ). نسيت صيته صندلها الأحمر وسار فكرها بين سنابل القمح الذهبية والرعي وخراف أبيها والشاي على النار واللعب بجانب حفيرة الماء عند سقاية الأغنام. وعند المغيب يأتي عمّها ليعود الى البيوت فيقول أبو صيته لصيته : (لتعودي يا ابنتي مع عمّك ). صيته تتقاذفها الأفكار هل تبقى مع ابنه عمّها والتي ترغب بالبقاء أم تعود ، فتتذكر الصندل الأحمر ومدرستها فتسرع للعودة . تركب صيته بجانب عمها في سيارة (حصنية) يستخدمها البدو للترحال. فتعود صيته لمدرستها مندفعةً مجدةً ، فتكبر صيته ولَم تترك مدرستها رغم كل الظروف . وبَقى الصندل الأحمر في ذاكرتها شيئاً جميلاً بسيطاً دفعها لتحقيق أحلاماً كبيرة . الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: السبت 29-09-2018 03:09 مساء الزوار: 1193
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
بقلم الكاتبة هدى شفيق الالوسي | القصة والرواية | اسرة التحرير | 0 | الجمعة 24-06-2022 |
بقلم الشاعرة والكاتبة رانية مرعي ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 24-12-2021 |
بقلم الكاتبة أماني الراشد الأهواز رواية ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 25-05-2021 |
بقلم الروائية والقاصة عتيقة كلفاع قصة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 30-12-2020 |
بقلم الشاعرة والكاتبة ابتسام الخميري قصة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 16-10-2020 |
قصص قصيرة جدا ............ بقلم ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 24-09-2020 |
بقلم الشاعرة والأديبة فاطمة محمود سعد ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 17-07-2020 |
بقلم الكاتبة حنان عباسي قصة قصيرة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 17-05-2020 |
حديث الإنس والجن بقلم الاستاذة هالة مهدي | القصة والرواية | إدارة النشر والتحرير | 0 | الجمعة 15-05-2020 |
السقوط في الشمس" ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 04-05-2020 |
بقلم الاديبة أمل شلبي قصة قصيرة بعنوان ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 02-05-2020 |
بقلم الاديبة والشاعرة نجلاء ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 21-04-2020 |
بقلم الاديبة والكاتبة امل شلبي قصة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 18-04-2020 |
بقلم الكاتبة رشا الحجي قصة قصيرة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 05-04-2020 |
بقلم الكاتبة نرجس عمران قصة قصيرة بعنوان ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 27-01-2020 |