|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
حديث الإنس والجن بقلم الاستاذة هالة مهدي
عاشقة
الصحراء :
حديث الإنس والجن بقلم الاستاذة هالة مهدي
كان يسير وحيدا في الطريق المؤدية إلى البحر بعد معركة ناريّة بينه وبين حبيبته انتهت بالانفصال الأبديّ، كان يحسّ بالضجر والملل من كلّ ما يدور حوله، لعن الشيطان مرات سرّا وجهرا فهو الذي وسوس له بأن ينظر إلى صديقة حبيبته نظرة شهوانيّة قذرة، وهو الذي جعل حبيبته تكشف أمرهما وهو الذي أشعل نيران الفتنة بينهما، هذا الكائن الناريّ المختفي أدى إلى هجر حبيبته له نهائيا. فجأة، سمع صوتا غريبا ينطلق من أعماقه يخاطبه: - أنا الشيطان الذي لعنته منذ حين، هل تسخر مني أم من نفسك؟ هل أنا من زينتُ لك شكل صديقتها وقلت لك ضاجعها؟ هل أنا من جعلك تمشي وراء شهوتك الحيوانية التي قادتك إلى الانفصال عن حبيبتك؟ ماذا تظنّ نفسك يا هذا؟ أنت أيّها الإنسان أضعف من أن تهزمني. فأنت خُلقت من طين أمّا أنا فقد خُلقتُ من نار. تململ الرجل وتنحنح قبل أن يجيب: - نعم، لكنّ كلينا مخلوق، لا أنا صنعتُ نفسي ولا أنت صنعت نفسك. أجابه الشيطان بعد نوبة ضحك وسخرية: - لكنّك غبيّ، نعم أنت غبيّ، لقد ملكتَ الجنّة لكنّك فرّطت فيها نتيجة طمعك، هل هناك من يترك كلّ ملذات الجنّة ويتشبّث بشجرة واحدة منها منعك عنها الله؟ لو شاء أن يتركها لك لما أمرك بألا تقترب منها. فلن ألومك الآن عن تخليك عن حبيبتك. اضطرب الرجل قليلا لكنّه أسرع بالقول: - إنّ كلّ ممنوع مرغوب، قد يكون الإنسان قد أخطأ في حقّ الله وفي حقّ البشريّة لكنّه أعلن توبته في الحين ونزل إلى الأرض وعمّرتها بعد أن جعله الله خليفة له فيها. ضحك الشيطان ثمّ قال: - نعم نزل إلى الأرض وبقي يتبعني رغم أنّي كنت السبب في هبوطه من الجنّة، وها أنت إلى اليوم أيها الإنسان تقتل وتفسد وتسرق وتغتصب وتقوم بكلّ ما أمليه عليك من شرّ دون أن تدري أنّ خاتمتك ستكون وخيمة. أجاب الرجل بعد تفكير: - إنّ الخير والشرّ صفتان موجودتان في كلّ نفس بشرية، لكن لولاك أنت لكنّا في أمن وسلام.. قاطعه الشيطان قائلا: - تمهّل يا هذا، لا ترم بذنوبك كلّها عليّ، فأنت تقوم بأعمال الشرّ بكامل إرادتك رغم علمك بأنّها شرّ، فلا تحمّلني وزرا أنت فاعله، فالشرّ الذي تقوم به أنت قد فاق قدرتي وفاق الحدود التي يمكن أن أصل إليها، وسأريك الآن مثالا بسيطا يدلّ على قولي... وهنا انطلق الشيطان ومعه الرجل نحو البحر، ثمّ قال له: - الآن سأقوم بعمل بسيط جدّا، ثمّ انظر إلى نهايته كيف ستصير بسبب غباء الإنسان. ثمّ تقدّم الشيطان من امرأة تلبس لباس البحر وقد كان مكشوفا يظهر أغلب جسدها، وكان إلى جانبها شابان بصدد لعب الكرة، فغيّر الشيطان اتجاه الكرة وجعله يتجه نحو المرأة فأصاب مؤخّرتها، وهنا فزعت المرأة وبدأت تصيح ظنّا منها أنّ أحدهم قد تجرّأ على لمسها، ولمّا انتبهت إلى الكرة صارت تصيح بأعلى صوتها طالبة العون من زوجها الذي كان بصدد قراءة كتاب، رمى الزوج الكتاب من يده واتجه بسرعة نحو زوجته مستفسرا، فقالت له مشيرة إلى الشابين اللّذين كانا بصدد لعب الكرة: - أحدها قد تعمّد رمي الكرة عليّ لغاية التحرّش بي. وهنا استشاط الزوج غضبا واتجه إليهما موبّخا مزمجرا: - سأعلّمكما الأدب الآن أيها الوقحان.. ولكَمَ أحد الشابين لكمة جعلته يفقد وعيه، وبدأ العراك وارتفع الصياح وسالت الدّماء وتجمّع المصطافون محاولين فكّ النزاع بين المتخاصمين، لكن دون جدوى، فلم يجد أحد المصطافين بدّا من الاتصال بالأمن لأنّ الجوّ قد اضطرب وفسدت طمأنينة الناس وتعكّر استجمامهم، وبعد وقت قصير أتت سيارة الشرطة وحملت المتخاصمين للتحقيق معم... وهنا تكلّم الشيطان: - أرأيت؟ أنا لم أفعل شيئا سوى أنّي غيّرت اتجاه الكرة، فانظر إلى النتيجة، عراك وصياح وسباب ودماء سائلة وأمن وتحقيق ومحاكمة... ألست أيها الإنسان المتسبّب في كلّ البلاء؟ أجاب الرجل باضطراب: - لكنّ النار الملتهبة سببها شرارة صغيرة، وأنت هو سبب الشرارة الأولى وسبب كلّ بلاء وسبب انفصالي عن حبيبتي. ردّ الشيطان: - لكن الله خلق لك عقلا فلِمَ لم تستعمله في إطفاء تلك الشرارة بدل مزيد إشعالها؟ وهنا صمت الرجل وغص بريقه ولم يجد كلاما يردّ به على الشيطان، فتراجع معلنا فشله في تبرير ما آلت إليه حاله وحال البشريّة، وسرعان ما أحسّ بذاك الجسم الغريب يغادر جسده وصوت قهقهات تتعالى من هنا وهناك. هالة مهدي/ تونس الكاتب:
إدارة النشر والتحرير بتاريخ: الجمعة 15-05-2020 02:21 مساء الزوار: 1069
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
رواية جديدة للناشئة للأديبة الأردنية هيا ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 08-09-2024 |
"البيرق.. سراة الجبل".. لشريفة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 05-04-2024 |
«لغة اللافا» رواية جديدة للميس نبيل أبو ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 07-11-2023 |
مجموعة قصصية جديدة تكشف تبعات الحروب ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 07-07-2023 |
«المرتزق رقم 9» رؤية جديدة تخالف السائد ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 20-11-2022 |
«الثقافة» تُصدر مجموعة قصصيّة جديدة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 27-10-2022 |
بقلم الكاتبة هدى شفيق الالوسي | القصة والرواية | اسرة التحرير | 0 | الجمعة 24-06-2022 |
بقلم الشاعرة والكاتبة رانية مرعي ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 24-12-2021 |
بقلم الكاتبة أماني الراشد الأهواز رواية ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 25-05-2021 |
“بعد الرحيل”.. فانتازيا في “الشوق ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 25-04-2021 |
بقلم الروائية والقاصة عتيقة كلفاع قصة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 30-12-2020 |
بقلم الشاعرة والكاتبة ابتسام الخميري قصة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 16-10-2020 |
قصص قصيرة جدا ............ بقلم ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 24-09-2020 |
«هذه حياتي» رواية جديدة للسورية مريم ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 25-07-2020 |
بقلم الشاعرة والأديبة فاطمة محمود سعد ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 17-07-2020 |