رواية « مطارح « لسحر ملص والصادرة عن دار اليازوري عام 2014 والواقعة في 232 صفحة روايةٌ تستعيد مدينة حمص في النصف الأول من القرن العشرين عبر حكاية أسرة الشيخ درويش وولده وليد وتشعباتهما في حياة وتراث وتاريخ مدينة حمص حيث امتزجت الحكاية بالأسطورة الحمصية بنهرها العاصي وشاعرها ديك الجن وأغانيها الشعبية ومواسمها وحماماتها وجمال نسائها، حيث تداخل المخيال الشعبي وحكايا الجن والشياطين بحياة الناس وشكَّل وسيطر على بعضٍ منها، فحكايا الجن سيطرت على حياة وليد ابن الشيخ درويش الذي راح يبحث عن تحويل الفحم لألماس بمعونة الجن الذين كانوا خيالاً يتجسَّد عبر الحكاية الشعبية وتأثيراتها.
برزت في الرواية وتقاطعت أكثر من حكاية وكلها كانت تدور حول حياة المدينة ونهرها وتغلبها على أعدائها بالدهاء والحكمة الممزوجة بالأسطورة، فحكاية الشيخ درويش وانتحار زوجته ( أم وليد ) وخيالات طفله وليد وتعلقه بعالم الجنيات هروباً من عالم أبيه القاسي واستمرار هذا التعلق في شبابه وتمرده على والده وبحثه عن الثروة والشهوة وزواجه بخلود ثم هجره لها وضياع ابنته رمزية ومن ثم تدمير حياة أخته عفيفة وقتله لأخيه زكي : كل ذلك عبر استعادة انثروبولوجية لحياة مدينة سورية عريقة كمدينة حمص بأسواقها الثرية وحكاياتها المغرقة بالواقع والخيال وأغانيها الشعبية وطقوسها وخمسانها واستسقائها وأكلاتها الشعبية وأمثالها : كل ذلك جسَّدته الرواية عبر شخصياتٍ عابقةٍ بالحياة والحكاية كشخصية الشيخ درويش ووليد وصديقه سعدي والقاضي والباشا ورئيفة وعفيفة وحِسن ورمزية والحكواتي الذي تخللت حكايته عن الأميرة ودهائها ثنايا الرواية كحكايةٍ مشوِّقةٍ وموازية لحدث الرواية وحكايتها، وبرزت أيضاً الصوفية ومدارسها وتكاياها وحضورها في الحياة الحمصية والشامية.
لغة الرواية لغةٌ حضرت بها المصطلحات الشامية والحمصية كالبايكة والشنكليش وأسماء الأكلات والحلويات الشامية وعبر لغةٍ عاليةٍ ومشوِّقةٍ وإن شاب هذه اللغة أخطاءٌ لغوية وطباعية انتشرت في أكثر من موقع في الرواية، من الأمثلة على ذلك نقرأ ص 84 « فلما فتحت الرسالة قرأت فيها هذان السطران» والصحيح هذين السطرين، وص 86 «واكتشف أنه يحمل عينان مشقوقتان طولياً « والصحيح يحمل عينين مشقوقتين طولياً، وص 188 «وجد عينيها متورمتان» والصحيح متورمتين، وص 202 «وأسرع هو يحضر شيخاً وشاهدان لعقد القران» والصحيح وشاهدين، وص 216 «يوحي بأن هناك قادم ما» والصحيح قادماً ما، أما ص 224 فعدم دقة في أبيات أبي نواس: «البيت الأول:  يا ربِّ إن عظمت ذنوبيَ كثرةً.. فقد/ فلقد علمتُ بأن عفوكَ أعظمُ» والبيت الثالث «أدعوكَ ربِّ كما أمرتَ تضرعاً.. فإن/ فإذا رددتَ يدي فمن ذا يرحمُ «.
كان حضور ديك الجن الحمصي وحكايته وأسطورتها حضوراً طاغياً في الرواية عبر شخصية سعدي.
في هذه الاستعادة التراثية لمدينة حمص كنموذج للمدن الشامية العريقة تأكيدٌ على عراقة هذه الجغرافيا البشرية في بلاد الشام وتجانسها وقدرتها على مواجهة تحديات الواقع المرير والأعداء الشرسين المسلحين بكل أدوات القهر والقتل والتشريد، وتأكيدٌ أيضاً أن هذه الجذور الضاربة عميقاً في تراب هذه البلاد وفي جغرافيتها وفي تراثها وتاريخها ومطارحها المخبوزةِ بالحضور الثقافي العربي المنفتح والمرن والقادر على المقاومة.
كان حضور المرأة بأنوثتها وكيدها وحكمتها وطيبتها وبساطتها حضوراً يؤكد حضور المرأة في المجتمع العربي الشامي حضوراً خصباً ومؤلماً ومنتجاً وقادراً على الوقوف مكوِّناً ثرياً وأساسياً من مكوِّنات المجتمعات العربية.
الراوي في هذه الرواية كان مزيجاً من الرواة فهناك الراوي العليم المطَّلع وهناك رواية تتناول المونولوج الداخلي لبعض الشخصيات كشخصية وليد والشيخ درويش مثلاً وهناك أيضاً انتقال بالسرد من مستوى مكاني زماني معين إلى مستوى زماني ومكاني مختلف وتعتمد الرواية على ذكاء القاريء بتتبع هذه الانتقالات الذكية في السرد وتداخله، نقرأ ص 14 فصلاً يكون الراوي فيه وليد ابن الشيح درويش والشخصية المحورية التي دارت حول تطورها وانحرافها معظم أحداث الرواية: « وقد فتحتُ عينيَّ على حياةٍ مليئةٍ بالمتناقضات وسط أبٍ متعصبٍ راغبٍ عن الدنيا، نذر نفسه لله وخلواته وأقرانه من شيوخ العدوية والصوفية وقد وضع لأمي قائمةً طويلةً من الممنوعات من الحلال والحرام « ص 14، ونقرأ أيضاً تداخل السرد وانتقالاته الزمانية والمكانية ص 49 في انتقال الحوار من الراوي الذي يتحدث عن حليمة وحوارها مع أختها إلى الحوار المباشر بين صفية ونعوس.
كذلك نقرأ في هذه الرواية لغةً شعريةً تستعيد طقوس الحياة والمواسم في بلاد الشام وحمص تحديداً كنموذج لهذه الحياة الطافحة بالمتناقضات والطافحة بالحياة والطافحة بالموت والقهرِ أيضاً، نقرأ ص16 : « وحين حلَّ خميس الموتى في نيسان أزهرت الأرضُ، وامتلأت جماجمُ الموتى بالدحنون.. ووقف الأمواتُ خلف قبورهم ينتظرون زيارة الأحياء لهم، طلبتُ يومها من أبي أن نشتري لأمي حلاوة الخبزية التي كانت تحبها ونذهب لزيارة قبرها.. لكنه رفض بشدة وعنفني.. « ص 16 
الغرائبي في هذه الرواية هو امتزاج الحلم بالشطحات الخيالية والطفولية في مزيج يعكس حضور الخرافة بكثافة في مجتمعاتنا تاريخياً وحتى اللحظة التي نحياها، وفي الرواية تحليلٌ سيكولوجي لأسباب ولادة الخرافة كبديل لواقعٍ قاسٍ ومتطرفٍ ومتعصَّبٍ كواقع وليد ابن الشيخ درويش وشخصية الرواية المحورية وواقع معظم شخصيات الرواية المؤمنة بالخرافة والجن وقدرته على إيذاء الناس وتدمير حياتهم، نقرأ ص 26 : «شاهد حرباء  تقف على الحافة المدبَّبة.. تهزُّ رأسها وكأنها تومي إليه.. اقترب منها.. ركضت مسرعةً.. راح يطاردها و هي تقفز من صخرة لأخرى بينما الشمس تلهب خديه... شعر بنشوة بينما وقفت تتشمس ثم تحولت إلى امرأة تدلى شعرها كانت تنتصب بقامتها فرك عينيه وسط دهشة تساءل أين هو.. أتراه في الحاكورة أم في صندوق العجائب... ابتسمت له... فأطلق ساقيه للريح وولى هاربا... فجأة سمع صوتها يناديه وليد... يا وليد... اقترب ولا تخف... أدار وجهه ناحيتها ليجد الحرباء تتمدد على الصخرة تتشمس فولى هاربا.. « ص 26 هذه تداعيات حلمٍ يتلحف بالموروث الخرافي ويتشكَّل في العقل الطفولي كحقيقةٍ تسكن الوعي وتفاصيل المستقبل وهذا ما كان عليه وليد عندما أصبح شاباً وهذا ما تعمل عليه الخرافة بأشكالها التي تفتت الواقع وتسكن جحوره ومخاوفه وتخيلاته وتصبح قوةً ماديةً يصعب اقتلاعها أو مجادلتها إلا عبر آليةٍ تاريخيةٍ ثقافية واجتماعيةٍ معقدة.
عبر الحوارات التي كانت تدور بين شخصيات الرواية نتعرف على كثيرٍ من طقوس الموروث الشعبي المرتبطة بأديان الخصب القديمة والتي لم تستطع الأديان السماوية إزالتها من العقل والموروث الجمعي للناس وذلك لقوة حضورها الطقوسية وما تصنعه من فرحٍ بسيطٍ يصعب التخلي عنه والتقطت قوة حضورها الفرق الصوفية وبنت عليها كثيراً من طقوسها وموالدها، نقرأ ص 36 في حوار بين الشيخ درويش وابنه : «ارتدى الشيخ درويش جبته السوداء، وخرج مع ابنه الذي سأله عن سرِّ هذه الخُمسان التي يحتفي بها أهلُ المدينة ؟
-    هي يا بني أعيادٌ قديمةٌ ترتبط بأديان الخصب، وقد حولها الناس إلى مناسباتٍ يحتفون بها وهي تمتد من نهاية خمسينية الشتاء وحتى عيد الفصح.
-    نعم وهناك خميس التايه والمجنونة والقطط وخميس النبات إضافة إلى خميس الأموات الذي تعرفه « ص36 
برز في الرواية الكثير من الأغاني الشعبية الطقوسية المرتبطة بطقوس خصب قديمة، نقرأ مثلاً ص 99 : « وصاح أحدهم وهو يضرب على الطبل : سبع طبول وسبع زهور لفاطمة بنت الرسول، ونادى آخر: الجاجي عالسطوح بتعطونا ولا بنروح،... ونادي أحد الشباب : جاجي فوق جاجي صاحبة البيت غنَّاجة. « ص 99، ونقرأ استعادةً طقوسيةً لابتهالات الاستسقاء ص 119 : 
«يا ربنا.. يا ربنا/ ابعث المطر لزرعنا/ الكبار لو أذنبوا/ نحنا الصغار شو ذنبنا»  
ثم انطلق صوت الشيخ ضارعاً: 
يا الله... يا مُغيث أغثنا بالمطر.. يا مُغيث» وتواصل في هذا الجو الطقوسي الباهر ص 120: «أما الأولاد الصغار فقد صنعوا دميةً على شكل فزاعةٍ خشبيةٍ كانوا يسمونها أم الغيض ساروا بها في الطرقات وهم يغنون:
أم الغيض يا ربي/ عبي جيابنا ميّ/ أم الغيض غيضينا/ شتي على زريعينا/ زريعينا عطشانة/ يا رب تصبح ريانة/ أم الغيض غيضينا/ شتي على سطوحينا» ص 120 
وتواصل الرواية مشوارها الطقوسي فنقرأ ص 121: «جمع الأولاد كميةً من الحبوب ثم وصلوا إلى آخر بيت قرب نهر العاصي حيث يقطن أحد الأولاد وتبرعت أمه أن تطبخ لهم مجدرة برغل فقامت بتحضيرها وقد جلس الأولاد ينشدون:
يا ربي تشتي/ لروح عند ستي/ وآكل فطيرة/ من تحت الحصيرة/ يا ربي تشتي/ عاصلعة جدي/ تطلعلوا شعرة/ وتقلعها ستي « ص 121 
هذه الرواية رواية الطقوس والموروث الشعبي الساكن عميقاً في جذور مجتمعاتنا فيها نقدٌ للخرافة الميتة المقيتة وفيه بحثٌ وإحياءٌ لطقوس الخصب التي هي طقوس حياةٍ وأعيادٍ وفرحٍ افتقدناها وافتقدنا الحسَّ الجماعي بالأشياء التي لا تمنح فرحها إلا جماعياً وعبر طقوسها الفذة.