|
|
||
|
شهرذاد الغرب في رواية "الخطايا الشائعة"
بقلم الناقدة ميرنا ريمون الشويري / لبنان
تثير رواية فاتن المرّ "الخطايا الشائعة" جملة من القضايا التي تستحقّ المناقشة والإضاءة عليها ، و من هذه القضايا نظرة الغربيين الخاطئة إلى الشرق. فالمرّ في هذه الرواية تروي قصّة آن-كريستين التي تعيش تحولات في نظرتها إلى الشرق، ومن خلال بطلتها تبرهن أنّ هنالك إمكانية لتغيير نظرة الغربيين الخاطئة إلى الشرق. في بداية الرواية تمثّل آن-كريستين الغربيين الذين لا يعرفون شيئاً عن الشرق إلّا ما قرأوه في كتب الرحّالة الغربيين الذين زاروا الشرق، وما يصوّره لهم الإعلام الغربيّ. ويهدف هؤلاء من خلال كتاباتهم إلى إقناع الشعوب الغربية بجدوى وشرعية استعمار الشرق، لأنّه بنظرهم أدنى من الغرب. فآن كريستين تعرفت إلى الشرق من خلال دراستها بعض الموادّ عن الشرق الأوسط، والتي بالتأكيد كتبت بنظرة غربية خاطئة عن الشرق، ومعظم أصدقائها الإنكليز يعتقدون أنّ "اللبنانيين ما زالوا ينتقلون على ظهور الجمال، وأنّ معظم مظاهر الحضارة لم تبلغهم بعد"(30، المر). إلّا أنّ بداية تحول نظرتها إلى الشرق بدأت عندما تكتشف أنّ والدها لبنانيّ، وعندما تقرأ كلمات الاستشهادية زينة وهي أختها من والدها، فتقول: "كانت رؤيتها وسماعها بمثابة زلزال ضرب كياني، فزعزع الكثير من الأسس التي بنيت عليها حياتي وقناعاتي" (23) .إنّ أصل آن الشرقي يشير إلى أنّ أصل الحضارة الغربية هو الشرق، فلا يستطيع الغرب أن يستمرّ في إنكار روابطه بالشرق، كما لا تستطيع أن تحيا من دون عائلتها الشرقيّة كما تقول: "لا يمكن للإنسان أن يحيا متمتّعاً بصحّة نفسيّة جيدة وهو وحيد مجرّد من الروابط العائليّة والانتماء إلى خانة دافئة" (30). تمثّل آن في علاقتها الجنسيّة مع أديب وجدي في بداية زيارتها إلى لبنان المستعمر الغربيّ الذي يرى الشرق جسد أنثى، فيحاول أن يجتاحه والتمتع بخيراته من دون أن يتفاعل مع روحانيّة الشرق. لذلك فإنّ علاقتها بأديب لا تغيّر في علاقتها بالشرق، فتصف المرّ النشوة في علاقتهما الجنسيّة بأنّها تتصاعد "ببطء ثمّ تنطفئ مخلّفة فراغاً"(45). من الممكن أيضاً أنّ علاقتها بأديب لم تغيّر نظرتها إلى الشرق، لأنّه لا يمثّل روحانيّة الشرق، إذ أنّه لا يتمتّع بقيم ومثل عليا. لربما اختارت الكاتبة امرأة غربيّة لتمثّل هذا الاجتياح بعكس الروايات الكولونيّة حيث يكون الاجتياح ذكوريًّا بطريركيًّا للإشارة بأنّ هناك إمكانيّة للفكر الغربيّ أن يكون خصبًا، وأن ينجب من علاقته مع الشرق فكرًا جديدًا للغرب لا يرفض التفاعل مع الثقافات الأخرى. تتغير نظرة آن-كريستين إلى الشرق عندما تبدأ بمقابلة أهل الاستشهاديين، وهي تكتشف في هذه المرحلة أنّه بعكس ما يصوّر الإعلام الغربيّ أنّ المجتمعات الشرقيّة لا تختصر بعنصر واحد من الثقافة بل إنّ هذه المجتمعات معقّدة كالمجتمعات الغربيّة. يقول إدوار سعيد: إنّ الغرب يختصر المجتمعات الشرقيّة بعنصر واحد لتصوير الشرق بأنّه لا يملك ثقافة ، ويخبر كيف أنّ صحافيًّا دانماركيًّا يعتذر منه، لأنّه لم يقرأ القرآن قبل أن يقابله، ليتعرّف إلى ثقافته، فيجاوبه سعيد: "وهل تختصر ثقافتي بعنصر واحد وهو الدين؟ وهل الغرب يختصر فقط بالمسيحيّة؟ كان الأجدر بك أن تقرأ أدبنا وتاريخنا لتتعرّف على ثقافتي". آن-كريستين في هذه الرواية تكتشف في مقابلاتها أنّ الاستشهاديين أنفسهم ليسوا نمطًا واحدًا بل منهم من هو متديّن، وآخر علمانيّ. التحولات الجذريّة في نظرة آن إلى الشرق تعيشها مع أنور، فهو يمثّل الشرق في هذه الرواية، إذ أنّه مثال التضحية في سبيل الآخرين. وهو عندما يصفها بأنّ ملامحها إنكليزيّة، لكن عيناها تشبهان عيني والدها الشرق، فهو يعكس التغيرات الجذريّة في نظرتها إلى الشرق، إذ أنّها ستبدأ ترى الشرق بعينين شرقيتين لا غربيتين. في هذه الرواية بعكس الأدب الكولونيّ فإنّ الشرق يصبح ذكوريًّا وهو الذي يجتاح الغرب الأنثويّ، فعندما يمارس أنور الحبّ مع آن-كريستين تعترف بأنّها "مارست الحبّ معه كعذراء" (95، المر) وهذا يدلّ على عذريّة الفكر الغربيّ الذي حصّن نفسه بحواجز شاهقة تمنع حضارته من التثاقف مع المجتمعات الأخرى حتى في المستعمرات، فظلّ فكرًا عذريًّا. بعد هذا الاجتياح الشرقيّ لعالم آن الخاصّ ،لم تغيّر نظرتها فقط إلى الشرق بل أنّه أصبح يسكن في عالمها الخاصّ، إذ تقول إنّ "أنور يسكنها حتى في أثناء غيابه" (144،المر). بعد هذه التحولات التي تعيشها آن تحاول أن تبثّ نظرتها الجديدة في مجال الشأن العامّ، لذلك تلجأ إلى الإعلام، لتنشر ما اكتشفته عن الشرق وقيمه، إلّا أنّ الصحف الإنكليزيّة ترفض نشر مقالاتها، لأنّها مخالفة لما يكتبه الغربيون، وهذا يظهر دور الإعلام الغربيّ في تشويه نظرة الغربيين إلى الشرق، وأنّه لا توجد نيّة حقيقيّة لدى السياسات الغربيّة لدراسة الشرق، فادوارد سعيد مثلًا يروي في كتابه "حجب الإسلام" covering Islam بأنّ 300 صحفيّ غربيّ أرسلوا إلى إيران في أثناء أزمة الرهائن، إلّا أنّ أيّ صحفيّ منهم لم يكن يجيد اللغة الفارسيّة، فكانت تقاريرهم كلّها متشابهة، وظلّت ظاهرة كره الشعب الإيرانيّ للدولة الأميركيّة غير ملاحظة Said,4)) تحاول أيضًا آن-كريستين أن تغيّر نظرة الطبقة السياسيّة في الشرق والتي تتمثّل بأنور في نهاية الرواية، إذ أنّهم نسوا مصالح مجتمعهم، وانغمسوا في ملذّات السلطة، لكنّها لا تنجح في محاولاتها، لأنّ أنور لا يقبل بنصائحها. إزاء فشل البطلة أن تغيّر نظرة الغربيين والطبقة السياسية الشرقيّة إلى الشرق تصبح آن-كريستين الشهرزاد الغربيّة التي تحاول أن تروي قصتها مع الشرق، لتتخلّص من نظرة الآخرين الخاطئة. ولقد اختارت الكاتبة امرأة غربيّة لتروي، وتدافع عن الشرق بعكس الروايات الما بعد الكولونياليّة Post-Colonialism حيث الأبطال المحليون يروون قصص بلادهم، ربما لتظهر أنّ بعض الأفراد الغربيين أيضًا ولو كانوا قلّة يحاولون تصحيح النظرة الخاطئة عن الشرق، وأنّ استشهاد آن-كريتسين في نهاية الرواية يدلّ على التحام عالم الغرب والشرق في عالمها الخاصّ، وهذا ما دفعها إلى الاستشهاد في الشرق دفاعًا ليس فقط عن الشرق بل أيضًا بهدف غربيّ أرقى. في الختام إنّ هذه الرواية تعكس تحولات نظرة امرأة غربيّة إلى الشرق ، فتظهر فاتن المرّ من خلالها إمكانيّة تغيير الغربيين –الأفراد- في نظرتهم إلى الشرق، وتكشف سياسة الإعلام الغربيّ. إنّ أفراد كآن-كريستين هم الذين يحدثون صدوعًا في سياسات الغرب والشرق مؤسّسين لإنسانيّة أرقى.
Said, E. (1979). Orientalism. New York: Vintage–Random. _____ . (1997). Uncovering Islam. New York: Vintage Books. المر، فاتن. الخطايا الشائعة. بيروت: دار النهار. 2010)
الكاتب: حيدرالأديب بتاريخ: الإثنين 20-07-2020 10:47 مساء الزوار: 553 التعليقات: 0
|
|