|
|
||
|
(الدراما في الشعر) بقلم الدكتورالعراقي الشاعر جمال الأزبجي استاذ قسم اللغة العربية
بقلم الدكتورالعراقي الشاعر جمال الأزبجي استاذ قسم اللغة العربية اختصاص بلاغة ونقد حديث في الجامعة المستنصرية في بغداد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصورة الدرامية تركيب مزدوج قائم على أساس تكرار البناء الدلالي على مساحة واحدة، هي البؤرة الجمالية في النص الشعري والمتمثلة حصرا في الصورة الشعرية، ويتداخل هذا التكرار ويمتزج ليمثل النسيج الصوري المنبث من حتميات الدلالة إلى حيث النتائج المرتسمة أمام ذهن المتلقي . والتركيب الأول للصورة الدرامية هو الثابت العام لمعطيات الصورة الشعرية في النص وتفردها في الاختزال وإذكاء تنامي الحدث الشعري، أما التركيب الثاني فهو المتحرك الخاص للصورة الشعرية لما تحتويه من انتساب لتشكيل معين كأن تكون صورة مشهدية أو صورة مفارقة، إلى آخره . وتتميز الصورة الدرامية باحتوائها على المتحرك – المشهد - الناقل للمعنى التصوري من النص إلى المتلقي، إذ يقوم الشاعر بزج المتلقي وسط انزياحات صورية متحركة حسب قنوات صوتية عن طريق دائرة الحوار أو مداخل ومخارج زمكانية تجمع بكلياتها في مسار واحد ألا وهو وحدة الموضوع . ولعل الحوار هو أبلغ الأسس الدرامية في النص الشعري حيث يرتكز الشاعر عن طريقه على المعطيات الفنية في التصوير وخصوبة الإيصال عندما يخلق ذلك التقابل الذهني في الأخذ والعطاء المتمثل في الشخوص المتحاورين، إذ إن استفزاز المتلقي في جعله قبالة السؤال منتظراً الإجابة، هو بحد ذاته مشروع لانقياده إلى سبل إذكاء الحدث الشعري لديه . إن إيقاع الحوار بانماطه كافة – درجات الانفعال والحالة النفسية – يظل بنحو عام أكثر سرعة من حديث الفرد الواحد وهو يصف أو يتحدث عن حكاية، فكلما اتسعت مساحة بث السؤال، ازدادت في الوقت نفسه مفادات الانزياح المتمثل بتصاريح الإجابات المخبأة في تسلسل الحوار . ويكون الشاعر عبر مقتضيات الصورة الشعرية هو الممثل الأول والرئيس في المشهد الصوري للنص الشعري، فهو المخرج الذي يبث رؤاه عن طريق الخطاب المباشر له في النص بوصفه شاعراً أو الخطاب غير المباشر عن طريق الشخوص الذين يمثلون مرتكز الحركة الصورية داخل النص، والذين يشكلون آلية البث والإيحاء لديه ليصل إلى مبتغاه الرسالي في توصيل المحايثة الوجدانية له، وهذه الحقيقة يختزلها الانطباع الأول لدى المتلقي عند مباشرة النص الشعري، فيثبت على هذا الأساس ما يؤكد انفراد الشاعر بمركزية إدارة الحدث داخل النص الشعري، متسيداً كشخصية رئيسة في المشهد الدرامي على الرغم من اختفائه خلف ستار الشخصيات الشاغلة لحيز المشهد في النص . إن قيمة الشعر كلها تكمن في مقدرة الشاعر على المحاكاة ، ومتى توافرت هذه المحاكاة التي نشدها الشاعر بلغ أقصى غاية درامية له، محتفظاً بنسق تنامي الحدث الشعري عن طريق توالي اللقطات التي ترفد هذا التنامي بشفافية صورية، ومثلما تحتل الصورة الشعرية الأخاذة بمكانتها الزاخرة بالإيحاء والبوح كذلك " يحتل الشعر الدرامي مكانة متميزة بين الأجناس الشعرية الأخرى، انه أكمل أنواع الشعر أو انه شعر الشعر، يجمع بين العالمين الظاهر والباطن ، فيمثل التاريخ والطبيعة والنفس، ولا يزدهر إلا في أرقى الشعوب حضارة ". وتُعد الصورة الدرامية اقرب أشكال الصورة الشعرية إلى الخلق الصوري، وذلك لكونها تصريحاً معلناً لمشهدية مخلوقة بتواتر الوضوح الحي لالتقاط ما هو مرسوم أصلا للمشاهدة بغية التقريب وتوصيل المعنى، كما يستفز التلقي الصوري لدى القارئ ليصل إلى الاتقاد الذهني في الصورة الدرامية عن طريق روافد اللغة فـ" اللغة الشعرية لغة تصويرية وتدليل، وهي لا تبلغ شعريتها من دون اكتساب هذه القابلية المزدوجة على صنع الصورة، لإثارة التلقي البصري، وإنتاج الدلالة لإثارة التلقي الذهني". وهنا يبرز دور العلاقة القائمة بين المعنى والتشكيل الصوري في إرساء مفاهيم المقاربات الدرامية الدالة على الحدث، إذ إن"اللغة لا تبلغ لبّ الأشياء، إلا في عالم الشكل، عالم البصر والفراغ، ففي حيز الامتداد يندمج الواقع الفراغي في المفهوم الذي يعرفه، ويحصل شبه مطابقة بين الشيء والكلمة". إن هذه الشراكة مابين كيان النص الشعري والمساحة الدرامية المجتزأة من المسرح والداخلة في الشعر، هي وحدة قوة لترسيخ تنامي مثول الحدث الشعري في ذهن المتلقي، وإعطاء مجالٍ أوسع لثبات الرؤية التصويرية داخل النص، فالمشهد ممزوجٌ بموسيقى وإيحاءات الشعر، فهو حدث دلالي داخل الحدث الشعري، لا ينفصل عن ماهيته التعبيرية ومنسجمٌ مع إيقاعه التناغمي عندما يكون النص هو وحدة البث والبوح الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الأحد 28-06-2020 11:00 مساء الزوار: 111 التعليقات: 0
|
|