|
|
||
|
ورقة نقدية في قراءة لقصيدة/ كفّي على البابِ..!
ورقة نقدية في قراءة لقصيدة/ كفّي على البابِ..! ======== قصيدتي/ كفّي على البابِ..! كفّي على البابِ هلْ سَمْعٌ وهلْ رَدُّ.. الدّلالة والرّمز والشّيء كُتبت القصيدة في زمن غير الزّمن، زمن لا يشبه الأزمان، زمن كُمّمت فيه الأفواه، واختفت فيه الذّوات وراء الأبواب، والحيطان، يحرسهم سجّان افتراضي كالوهم الذي ابتدعوه -إسمه الحجر الصّحي الإجباري، خوفا من غول الكوفيد 19 ، كفضائهم الأزرق، في زمن تُقتحم فيه الدّيار من النّوافذ، في اللّيل والنهار، عبر المسنجر ومن قبله عبر الهواتف، سواء منها المحمولة أو المثبّتة... زمن اغتيلت فيه الشّهامة والكرامة، وتراجعت فيه الهمّة والاستبسال، والمواجهة، والمبارزة، وجها لوجه بالسّيوف، فاسحة المجال للاغتيالات، لم يسلم صديقٌ ولا رفيقٌ... زمن يُغتال فيه الرّفيقُ والصّديقُ والحبيبُ من الظهر... أو عبر العدوى.... حتى الجراثيم كشّرت عن أنيابها طوّرت أسلحتها شكلها وشاكلتَها، اتّحدت وتوحّدت على ابن آدم، كما طوّرت نظامها وأدوات دفاعها، صارت على شاكلة الإنسان متلوّنة كالحرباء، لا تستقرُّعلى حال... جاء العنوان :"كفي على الباب" ..: جملة إسميّة متكوّنة من مبتدإ متّصل بضمير ياء المتكلّم، تقديره أنا المتكلّم ، وخبر جارٌ ومجرورٌ، مذيّل بنقطتين، ونقطةُ تعجّبٍ. عنوانٌ كلوحةٍ معبّرة تكمل حركتها في الأذهان أو كلقطة سينمائيّة اقتنصها الشّاعر من الزّمان قابضا على الفعل بقبضة اليد، وصوّرها بريشة الحبر محبّرة، تغني عن الكلام، فالكفّ كفٌّ، لم تكفْ عن الطّرقِ، في ذهن المتلقّي، أكملت الفعل في المضمر والنقطتين ونقطة التعجّب، أخفاها الشّاعر للتّخفيف. كرّرها للتّأكيد، في الأبيات الموالية، تثبيتا لعدسته لجذب القارئء ودعوته، إلى الانتباه لنقطة الضّوء، للدّلالة على معنى القرع، وطلب الودّ والسّؤال، تعبيرا عن الشّوق واللّهفة، إلى لقاء حبيب لمعرفة سبب الجفاء وعدم الردّ ّ والاختفاء، والاحتجاب، فالطّرق أضنى متنه، يده وساعده وكاد صبره ينفُدُ. فقد تكبّد مشقّة الطّرق على قلبٍ كان يملك كلمة سرّ فتحه، وتكبّد الصّبر على تحمّل الوقوف على بابه إلى أن أُرهق من دون أن يظفر بردّّ يشفي غليله، بات الصّمت وجعا في غياب الكلام الموضّح لسبب الجفاء ... "كفّي على البابِ هلْ سَمْعٌ وهلْ رَدُّ.. في زمن الوصال والودّ، كان الأنسُ و الوَنسُ، و كان الهمسُ جرسَ النّجوى، وكان البوح، وهَج نيرانِ عشقٍ، تروي ارتواءَ الأغصانِ، وتذوبُ تَوحّدًا في المحبوب ، حيث كان للفعلِ ظلٌّ وحكايا شظايا وقطراتُ ندَى و شهدٍ. وثّقَ الشّاعرُ وجدَه ووِجدانه، ووجعَه، فكان كفَّهُ المعلّقَ على البابِ، بدقّه شاهدا على الحدث، كالنّاطق بالتّشهّد، والسّبابةُ، مرفوعة يده، إلى الأعلى، كأنّها تميمةٌ، أورقت قهرا، وهمًّا وغمًّا أضناه البعد، وعدمُ الردِّ. تتكلّم القصيدة، بضمير "أنا "كلّيّة مضمّخة، باليأس من فتح حوار، من جديد،مع آخَرَ بدا متوجّسا، خيفة من القادِم، مذعورا ربّما فزعا، من القادِم لم يأمن شرّّه،،هذا الأخِير، صوره لنا ماكرا ناكرا للعشرة وللجميلِ غيرُ مبالٍ تحصّن وراء الجدرانِ وأغلق بابا كان مفتوحا لمحبوبٍ، كان مرغوبا غير معلوم جنسُهُ، لا يعرفُ إن كان أنثى أم رجلا في القصيدة، فقد تعمّد الشّاعر إيهام المتلقّي أن المخاطَب رجلٌ، وكأنّ المتكلِّمَ امراةً٠ متّكلا على الصّورةِ المرافقةِ للقصيدةِ، الدّالة على أنّ الطّارق ال"أنا" امرأةٌ متستّرةٌ بعباءةٍ سوداءَ،حسب الصورة التي رافقت القصيدة، والتي قد تكون حياةً في زمن الموتِ، زمنٌ يخترق الموتُ الأبوابَ، عبرَ العدوَى، و لمسِ الأسطُحِ، وكأنّ الدكتور وليد الزبيدي، تعمّد ذلك ليخيّب أفقُ انتظارنا، لمشاغبتنا، بعدم التّمييزِ بين هذا و ذاك، -إن كان مؤنّثا-أم مذكَّرا- ،مكتفئا بفضح موقف وأسلوب الآخَرِ، في تَعمُّدِ تجاهلِهِ، وصدِّه وعدم الرّدِّ عليه، تاركا إيّاه يتخبّطُ في غربته لتصير القصيدة، قصيدةًكونيّةً ترفَل من الواقع، حدثا فتؤوّله عُمقا،و بلاغةً، بفصاحةٍ، في طلاوةِ بحرٍ بسيطٍ، لم يشغله الإعتناء بالأوزان، من تضييع المعنى، بل غاص في أغوار النّفسِ لمعرفة شجنها، ومعاناتها فكأنّ القصيدة تترنّحُ، بين مناجاة حبيب، " الآخَر"، المختفي، ومناجاة نفس، موجوعةٍ، عبر خطابٍ بدى كأنّه مونولوجٌ، في معظمه، يردّده الشّاعر، يصف به ما اختلج النّفس وما شعر به، وهو يخاطِبُ مخاطبًا غيرَ ظاهرٍ مستترٍ، في زمنٍ، بات فيه الجَحَد تميمةً، و عقيقةً عٌرْفٌ معرِّفٌ، لزمنٍ تخيبُ فيه الظّنونُ، ويطول فيه الانتظارُ، والبكاءُ على أطلال، "آخَرَ".. خيّبَ الآمالَ و الظنَّ و ما كان يَنتظرهٌ منه وما كان يعتقده فيه ... "يا وحشةَ الدّارِ في ترحالِ أزمنةٍ الأسلوب والرّؤيا: الذّاكرة في القصيدة : كان للذّاكرة دورا في التّأثير على الزّمن، فقد لجأ الشّاعر إلى * * تقنيّة الارتداد تارة في قوله على سبيل الذّكر لا الحصر : في الختام، وكما تلاحظون، فإنّ تأويلنا تطوّر، واتخذ بعدا آخر، غير الظاهر في المعنى المعلن في القصيدة، ذالك أنّ الكلمات بمفردها، هي أشياء ليست الأشياء بذاتها.. فالكاف و الياء ليست كفّا، ولا قبضةً في الواقع، كذالك الباب حروفه، لا ينتج بابا نفس الشّئء للصّمت، والهمس، والظّلال، وغيرها، فما هي إلّا صورة متّفق عليها مسبقا، تشكّلت في ذهن الجماعة، في ذاكرة مستعملي اللّغة العربيّة. كذلك أصوات الحروف، و وقعها تضيف إلى المعنى وتفيده في تجلّي صورة ما .. فبالتّالي عندما تدخل الكلمة المفردةُ في سياق جملةٍ تدخل في نسق لغويٍ معقّدٍ، يتخمّر، ويتفاعل، ويتشكّل، في كلّ ذهن على حسب حضور الذّوات القارئة حينها، و مدى استعدادهم، لفتح نوافذ في لحظة آنية ما، على مخزونهم الثّقافي و الاجتماعي والسّياسي والدّيني والفكري المكتسب من الخبرة، والمعايشة، أو عبر الاطّلاع بالمطالعة ... كما يلعب الزّمن والنّضج والأحداث المعاشة، و كذلك انتماء كلّ من الكاتب والشّاعر لأيّ حقبة، سيكون له وقع وتأثير على القراءة... سهيلة بن حسين حرم حماد الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الأحد 28-06-2020 11:04 مساء الزوار: 142 التعليقات: 0
|
|