«قِسْم البنفسج» رواية الشاهد والشهيد.. جديد جمال القيسي
عرار:
عمّان :-
تتأسس رواية «قسم البنفسج» للكاتب جمال القيسي على ما يشبه مراحل من السيرة الذاتية التي تمتد منذ العام 1990 إلى العام 2008 على وتيرة من الزمان الصاخب بالأحداث والوقائع والمجريات، ويكون معها بطل الرواية شاهدا وشهيدا في آن معاً. الرواية الصادرة عن الآن ناشرون في عمّان تتناول ضمن أحداثها مطلع تسعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت العديد من الانهيارات على الصعيد السياسي، كما شهدت بداية التحولات التي ترسخت في ما نشهده حالياً في البلدان العربية. وتحكي الرواية التي تقع في نحو 240 صفحة من القطع المتوسط قصة شاب عربي ينتمي لتنظيم سياسي، ينفعل مع الأحداث التي تجري في فلسطين عبر المشاركة في الحراكات الاحتجاجية التي تندلع في الجامعة. وتتطرق الرواية إلى أحداث دخول العراق للكويت وتداعياتها التي تتعرض معه العراق لعدوان ثلاثيني، وتصور تفاعلات الشارع العربي والأردني والانشراخات والتشظّيات التي انعكست على أبناء الأمة. في الوقت الذي يكون فيه البطل بلا أب ولا سند، بعد أن توفي والده في حادث سير مرعب بالتصادم مع مركبة يقودها مراهق أرعن، يتعرض الشاب الذي درس الشريعة بحثاً عن الله للاعتقال، ويخرج بوساطة عمّه الجنرال ذي المكانة في الدولة وهو ما يعرضه للتشكيك عند التنظيم. ويعود بعد ذلك للدراسة التي يتعرف خلالها إلى حبيبته وزوجته أمل، ثم بعد مسافة زمنية من الأحداث العاصفة والتوترات السردية يكتب في إحدى الصحف التي توفر له منصة للتعبير باسم مستعار، وخلال ذلك يُعرض عليه الترشح للانتخابات في مواجهة عمه الذي يحظى بقبول الدولة، فيتعرض لمخاطر وتهديدات حقيقية يقابلها بصلابة لكن المأساة تدهمه برحيل والدته التي كانت تمثل له كل معاني الأمل والصمود والبطولة ما يفت في عضده ومناعته وصحته النفسية. ومن خلال المونولوج الداخلي لميشيل تتبين العلاقة التي تربطه بفارس؛ فالمراهق الأرعن الذي كان يقود السيارة التي تسببت في مقتل والد البطل ما هو إلا (آدم) ابن ميشيل. ويعتمد السرد الروائي في (قسم البنفسج) على سياقات متواشجة تتعلق بالأسرة والعائلة وصراعاتها التي تكشف التحولات الاجتماعية، بينما يذهب في السياق الثاني إلى الفضاء الوطني والقومي وتناقضاته وإحباطاته التي تفضي بالبطل في كلياتها إلى المصح النفسي في رمزية قد تعني استحالة القدرة على استيعاب الواقع المرعب. وتعد (قِسْم البنفسج) من الروايات العربية القليلة التي تناولت تفاصيل الحياة اليومية لنزلاء المستشفيات العقلية، وتسلط الضوء الكثيف على هذه الفئة التي تتعرض لوبال الظلم والتهميش وانعدام الرعاية الطبية النفسية. يستفيد الكاتب من خلال ثقافته المتنوعة، وخصوصا في مجال الفلسفة وعلم النفس في تجسيد ملامح الشخصيات، وإظهار البناء الداخلي لها، وتفسير سلوكها من خلال النظريات المعرفية والفلسفية. الكاتب الذي صدر له في القصة: «ليل أبيض» و»كلام خطير» و»شرفة أرملة»، يستفيد أيضا من مهنته كمحام، ومن خبرته الإعلامية، في نسج الأحداث بطريقة منطقية مدهشة ومقنعة للمتلقي، ومن المؤكد أنه لم يدخر جهدا في البحث المعرفي والتقصي في غير حقل علمي لبناء النص وتشييده بكل هذه الدقة. يلجأ جمال القيسي الذي صدر له في الرواية «الخيط الأسود» وفي النصوص «أحوال القلب» و «لا رايات بيضاء» في تقنية الرواية الجديدة (قِسْم البنفسج) لعدد من الأساليب في مباغتة القارئ بالأحداث وتقديم الشخصيات؛ تنوعت بين التقطيع السينمائي والمونتاج والبورتريه الذي يرسم ملامح الشخصية وتحولاتها، كوسائل متنوعة وحديثة وفعالة في السرد، وذلك تحت مظلة تقنية البوليفونية (المتعددة الأصوات)، لكن تم كسر أسماء الأصوات بعناوين رمزية ذات دلالات عميقة مستوحاة من التاريخ والتراث العربي الإسلامي لتحيل إلى قصص ورؤى وتفاسير ومكونات جمعية ذهنية. تمتاز اللغة الروائية بين التقريرية السردية والتكثيف والرمزية والوصفية بحسب الموقف والواقعة، وبدت واضحة غلبة السرد العاطفي الرمزي الوصفي المغرق في الصور الشعرية حين يتعلق الأمر بالأم أو الأب أو الحبيبة، وحين الولوج إلى وصف فضاءات اللحظة الإيمانية في الزاوية الصوفية، فيما نحى السرد دون أن يفقد وهجه نحو التكثيف عند الحديث عن الفضاء السياسي وتجربة الانتخابات وكواليس اللعبة. والرواية ليست سيرة ذاتية بالمعنى الحرفي، وإنما هي شهادة واعية للتحولات التي جرت خلال العقدين الماضيين، تشي وتدين بما أسس لما يعيشه الإنسان العربي من تشظِّ وتمزُّق وفقدان للبوصلة. ويقول الكاتب عن الحد الفاصل بين الواقع والخيال في قِسْم البنفسج: «حقيقة وبكل صدق مع القارئ أكشف وأعلن أني نفسي لا أعرف، أو للدقة لا أجزم أي من الأحداث أو الشخصيات في الرواية حقيقي وأيها نجمات خطفتها من سماوات الخيال. وأعترف أن (فارس) بطل الرواية قريب لذاتي وروحي، وشقيقي في الوعي ورفيقي في الدفاع عن قيم الحق والخير والجمال، لكني لست هو فأنا أختلف معه في كثير من آرائه، وأؤكد أنه يدين لي بليال من الدموع التي سكبتها عيناي شفقة على أحلامه والظروف القاسية التي تعرض لها». وعن الاستفادة من الخبرة الشخصية القانونية في الرواية: «لا شك أن خبرتي أسعفتني في الجوانب القانونية الواردة في الرواية؛ لكن الخبرة وحدها لم تكن كافية؛ فقد لزمني البحث القانوني المتأني الطويل، وطلب الاستشارات المتخصصة من فقهاء القانون الجنائي ومقابلة كبار قضاة محكمة الجنايات الكبرى، لأني لم أنقل قضية من أروقة المحاكم إلى فضاء الرواية بل ما جرى أن الرواية حتمت إيجاد قضية شائكة لتتواشج وتتعدد منابع السرد لخلق مناخات (المصادفة الروائية).