النوايسه: دخل مصطلح الشّعر النّبطيّ مع موجة الشّعر الخليجي
الطراونه: لم تُشر أي مراجعة ثقافية إلى سبب التسمية بالنّبطيّ
الخشمان: إن تسمية الشّعر البدوي بالشّعر النّبطيّ صحيحة
الحجايا: لا يوجد مطلقاً ما يثبت أن الشّعر البدوي هو شعرٌ نبطيّ
العبابنه: النّقوش النّبطيّة لم نجد فيها نصوصاً أدبية أو أشعاراً
عمان :-
شاعَ في الأوساط الثّقافيّة العربية، وفي الأُردنِّ على وجه الخصوص مصطلحُ "الشعر النبطي" وسجَّل تاريخ الشعر أسماءً كثيرةً لشعراءٍ تسمّوا بهذا اللّون من الشّعر، وصدرت لهم دواوينُ وصلت إلى الجامعات، وواجهة المكتبات، كما وُجِدَ من تتبّع هذا الشّعر بدراساتهم، إذ كتبوا العديدَ من الكتب الناقدة لهذا الشّعر، والمحللّة لأوزانه والمؤرخة لشُعرائه.
لقد توقفت كثيراً عند هذا المصطلح الشّعري ونقّبتُ في المُعجم العربيّ القديمِ والحديثِ عن أصلِ هذا المصطلح فلم أجد لهُ ذكراً، ولا وَصلاً فقدرتُ أنَّ هذا الأمر يحتاج إلى إضاءة كاشفةٍ؛ لإزالة الوهم عن هذا المصطلح، فتواصلت مع بعض النّقادِ والشعراء لأستجلي منهم بعض البصيص عن هذا المصطلح، وكيف وفد إلى حركتنا الشّعرية في الوطن العربي فكانت اللقاءاتُ الآتية:
الأديبُ نايف النوايسةُ عضوُ رابطة الكتّاب الأردنيين قال: من خلال علاقتي بالشّعر على عمومه (الشّعر الفصيح والشّعر الشّعبيّ) لم أجد من كلِّ إشارةً دالةً على هذا المصطلح والّذي أعرفهُ أنَّ الأنباط العرب لم يتركوا لنا إلا نقوشاً موسومةً بالحرف النّبطيّ الّذي هو أساسُ عمارة الحرف الّذي نكتب به الآن ولم أجد في هذا النّقش إلا إشاراتٍ لملوك الأنباط وطبيعة نشاطاتهم الاجتماعية في المناطق التي وُجدوا فيها (في منطقة الجزيرة العربية والأردن وسيناء) ولم تحمل هذه النقوش شيئاً غير ذلك وحاولتُ من خلال الإشارات التي تتبعتها في كتب الإخباريين العرب، من مثل القالي في كتابه الآمالي أن أعثر على ما يدل على أثرٍ أدبيّ لهؤلاء العرب، فلم أجد إلا تعريفاً للنّبط، وهم الذين عرّفهم أبو علي القالي بقوله هم هؤلاء النّاس الّذين يستنبطون الماء في سواد العراق، أي المناطق المحيطة بدجلة والفرات، أما الأنباطُ الّذين امتدّ نشاطهم من باب المندب حتى وصلت تجارتهم وسفارتهم إلى أواسط إيطاليا، وعملوا بالتّجارةِ والزّراعة وشكلوا حلقة مُهمّةً للحراك السياسي والمدعوم عسكرياً لمواجهة الرومان واليهود، لكنني لم أعثر لهم على نصّ أدبيّ يخلّد مآثرهم، ويذكرها غير هذه النقوش المنتشرة في مدخل البتراء وفي مدائن صالح (منطقة الحجر، وفي منطقة الجوف، وفي سيناء وفي منطقة حوران، وعلى وجه التحديد منطقة أمّ الجمال) وُوجدَ حجرٌ في وسط إيطاليا عليه نقشٌ عربيّ يذكر فيه اسم "عليّ" ويحمل الطابع النّبطي؛ الأمر الذي يدل على أن هناك تجارةً متبادلةً ما بين الأنباط والرومان في هذه المنطقة، أما كيف دخل علينا هذا المصطلح، وأنا لا أسمي الشّعر الذي وسم به هذا المصطلح إلا شعراً بدويّاً، فدخل هذا المصطلح مع موجة الشّعر الخليجي الذي راج في الكويت والإمارات العربيّة وفي السعوديّة لاحقاً. وانبرى لترويج هذا المصطلح عددٌ من الكتّاب الّذين لم يتعمّقوا في تاريخ الأنباط، ودخلوا في غواية إرضاء بعض من الشّعراء لربط شعرهم بالأنباط، وليس بالبداوة تمييزاً لهُ بالأصالةِ والقوّة، فتمّ تأليفُ العديد من الكتب واختلق لهذا الشّعر أوزاناً مستحدثةً على بحور الشّعر العربيّ المعروفة فوصلت أوزانهُ إلى أكثر من ثمانيةٍ وأربعينَ بحراً ونحن نعلمُ أن العرب اقتصروا بحور الشّعر على ستةَ عشر وما هذا التّوسع في بحور الشّعر إلا ليستوعب القصائد كافةً الّتي تتنافر موسيقاها مع بحور الشّعر الفصيح، وهذا أمر ينافي المنطق إذا ما أردنا أن ندرس هذا النّمط من الشّعر دراسةً مبنيةً على مستوى موسيقا الشعر.
وقال الدكتور جمال الطّراونه أستاذ الأدب السَّابق بجامعة حائل: الشّعر الشّعبي كغيره من المصطلحات الأدبية غزتهُ سوافي الإشكاليّة في ظل مجتمعاتٍ يفرض عليها المجتمع التداوليّ ألفاظاً تؤخذ مسلمات دون أن تخضع للتمحيص والتدقيق والمراجعة في أصولية المصطلح، والجذور النابتة له، ومن بين هذه الفنون الأدبية الشّعبويّة: الشّعر الشّعبي فقد قيل عنه: الشّعرُ العامّي والشّعرُ المحكْيّ، والشّعر النّبطي، قد نتّفق مع المجتمع التداولي في إسباغ لفظة عاميّ أو محكّي على اعتبار أنّ هذا الشعر يشبُّ عن طوق اللغة العربية الفُصحى، ويجنحُ نحو اللهجات المحكيّة التي تنبجسُ عن مجتمعاتٍ عربيةٍ متعددة لها اصطلاحاتُها الدّلاليةُ، ومخيالها الشّعبيّ الّذي تمتحُ منه ألفاظها ومعانيها وتراكيبَها، بيدَ أننّي أتحفّظُ على التَّسمية بالنبطي؛ إذ لم تُشرْ أيُّ مراجعةٍ ثقافيةٍ حضاريةٍ إلى سبب التسمية، فكلّ ما هو معلوم أنّ النّبط جماعةٌ مِن النّاس احترفوا الزّراعة وفلاحة الأرض وسبب تسميتهم بالنَّبط أنَّهم كانوا يستنبطون الماء من جوف الأرض لرَّي مزروعاتهم وليس لهم علاقةٌ بالأدب الشَّعبي من قريبٍ أو بعيدٍ؛ إذ لم تُشر المصادر التاريخية وكتبُ البلدان وكتبُ الفلاحة وكتبُ الأنسابِ أن لهذه الفئة من النَّاس أدباً شعبوياً نبطّياً، وحتى الأنباط الذين لهم صولاتٌ وجولاتٌ في المعترك الحضاري لم يُؤْثَرْ عنهم أدباءُ كما تُخبرنا المصادرُ العلميّةُ على تنوعها وَوفرتها، وعليه فإنني أرى بأننا يجب أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، ونُلغي لفظة نبطيّ من قاموس الشّعر ونكتفي بتوصيف: الشّعبي أو المحكيّ أو العاميّ حتى يشعر القارئ مقاربة واقعية بين عتبات نصوصه، والمصطلح الَّذي ينطلي عليه ذاكَ الشّعرُ.
وقال الأستاذُ الشاعرُ مصطفى الخشمان نائبُ رئيس اتحاد الكتّاب الأردنيين: لغة الأنباط لغةٌ عربيةٌ بغضّ النّظر عن نقوشهم باللغة الآرامية؛ لأنَّ اللغة الآرامية هي لُغة الكتابة في ذلك العهد تماماً كاللّغة الفصحى في أيامنا هذه، ولغةُ الكلام بين الأفراد والجماعات هي اللغةُ العاميّة واللّسانُ الّذي يتفاهمون به هو اللّسان العربيّ، ومن القلم النَّبطيّ انحدرت الأبجديّةُ العربيةُ كما يُستدلُ من نقش النّمارة الذي يعود إلى عام 328م الّذي وُجدَ شرقي حوران، ويستنتجُ من ذلك ما ذكره المؤرّخون أنَّ لغة الأنباط العربية تتخاطب بواسطتها في حياتها اليومية وجاء العهد الإسلامي الّذي هو ليس ببعيد عن فترة الأنباط ووريث المجتمع القبلي النّمطيّ؛ لأنَّ الثقافة النّبطيَّة هي الّتي كانت سائدةً في مجتمع المنطقة الواقعة إلى الشّمال من مكّة وحتى منتصف بلاد الشام الَّتي كانت حضارة الأنباط وامتدادُ حُكمهم قد شَملها، وهي تضم معظم شمالي جزيرة العرب حتى حوران وشبه جزيرة سيناء وأعالي الحجاز، وظلّت القبائلُ العربيّة محتفظةً بلهجاتها العاميّة، وهذا يقودنا إلى أن اللّهجة العاميّة السائدة حالياً في منطقة حدود البتراء القديمة في الأردن، وجنوب فلسطين وسيناء وشمال الحجاز وشمال السعودية وحوران ولهجات القبائل العربية في الجزيرة العربية والخليج العربيّ وصحراء بلاد الشام هي لغة الأنباط العربيّة العاميّة والشعرُ المنظوم بها هو شعرُ الأنباط وهذه اللغة هي لغةٌ عاميّةٌ اكتسبت صفةَ المعاصرةِ وحافظتْ على أصالتها في الوقت نفسه، وعليه أرى أن تسمية الشّعر البدوي بالشّعر النّبطيّ صحيحة.
وقال الشاعر محمد فناطل الحجايا: منذ أن بدأتُ أكتبُ الشّعر البدويَّ وأنا أسمع عن مصطلح الشّعر النّبطيّ، وبشكلٍ رسميٍّ فقد سمعت بذلك عام 1970م حيث كان هناك برنامجٌ اسمه "ديوانية شعراء النبط" على إذاعة الكويت ومنذ ذلك الوقت انقسم الشّعراء إلى إطلاق اسم الشّعر البدوي والشّعر النّبطيّ على قصائدهم، علماً بأن الشّعر البدوي استُنبط من اللغة العربية الفصيحة ولا يوجد مُطلقاً ما يثبتُ أنّ الشَّعر البدوي هو شعر نبطيّ، فالأسماءُ مختلفةٌ تماماً وأنا مع الرأي الذي ألتزمُ به أنَّ القصائد التي تُقال هي بدويةٌ وليست نبطيّةً.
وقال الأستاذ الدكتور يحيى عبابنه مؤلف كتاب اللغة النبطية: إنَّ الأنباطَ هم من الساميين عاشوا على المشارف الشمالية من الحجاز، وقد سكنوا أيضاً في سوريا والعراق وأرض الشام وعُرف عنهم أنهم حاذقون في الزراعة وعمارة الأراضين، وقد قُرن اسم لغتهم النّبطية بالسريانيةِ الآرامية وقد كانت مواقعهم المعروفة مكاناً لتفاعلهم مع الأرض والحياة واستطاعوا أن يعيشوا فيها وفقاً لما تُمليه عليهم، وقد خلَّفوا لنا كثيراً من النقوش التي لم نجد فيها حتى الآن نصوصاً أدبيةً أو أشعاراً (وهو أمر مستغرب!)؛ لذا فإنني أتوقع أن نجد يوماً ما نصوصاً أدبيةً، تُلقي مزيداً من الضّوء على أدبهم ولغتهم، لكن في الوقت الحاضر لم أجد ما يشيرُ إلى ذلك.
بعدَ كلِّ هذه الإفاضة في الحديث عن الشّعر النّبطيّ مصطلحاً وتاريخاً فإنَّ الرّأي الأغلب، وما اتفق عليه ثُلّة من الشّعراء والأدباء والأكاديميين ممن تواصلت معهم، أنّ مصطلح الشّعر النّبطيّ لا أساس له. بحيث لم تثبت الدراسات أنَّ الانباط قالوا شعراً، أو نثراً وجميع ما قيل من أشعار وقصائد تقع في باب الشّعر البدوي المعروف في منطقتنا العربيّة، أو الشّعر الشّعبي في أريافنا العربية.