|
عرار:
الإنسانُ مجموعة من الهزائم والخسارات التي لا سبيل إلى تجنبها، وكذلك هي الأشياء من حوله بكامل تفاصيلها، والطبيعة بمحتوياتها جميعا. هذه هي الحقيقة التي يضعنا الشاعر والكاتب المسرحيّ السعودي صالح زمانان في مواجهتها، ويُصِرُّ على إيصالنا إلى الوقوف أمامها وجهاً لوجه من خلال ديوانه الجديد "أعطال الظهيرة". فالإنسان، الذي هو "مقبرَةٌ للقتلى" من حيث رفاهيته القائمة على فتكه بغيره من الكائنات للحصول على ملابس باذخة، هو في الوقت نفسه طريد الموت الذي "يترصّد المارّةَ" في "شارع الحياة" غير الآمنِ. وكل علاقات الإنسان بالأشياء التي تبدو أشياءه الحميمة واللصيقة به منذ اللحظة الأولى (تاريخ ميلاده مثلاً، وهو يسبق اسمه من الناحية العملية)، ستتحول إلى فرائس للموت، ولسوف تنبري تلك الحميمية عن علاقة عابرة ولا شيء أوهنُ من حبالها؛ يموت الإنسان ويبقى تاريخ مولده بلا ارتباط ولا صلة: "أعرفُ أيضًا أنني سأموتُ في أواخرِ ليلٍ صيفي وأنك لن تُدفنَ معي بل ستنام عميقًا كصغير الدبِّ القطبي" طريق صالح زمانان نهايتها الحتمية هي الفجائع، وهي الطريق التي يقود خطواتنا إلى سلكها بلغة مواربة من حيث بساطتها، وكأنه يقول: إن الحياة ليست كما تظنون، ولن تكون كما تشتهون؛ لن تكون على قدْر أوهامكم وآمالكم ومخيلاتكم المحرومة.. الحياة مصائد ومكائد، وعليكم أن تقبلوا هذه الحقيقة بكل بساطة، وبكل بساطة عليكم أن تعدوا أنفسكم للعدم. سوف يعيدنا صالح زمانان إلى هموم سارتر الأولى: الإنسان عبث لا طائل منه، وإنّ عذاباته ليست كعذابات المسيح. غير أنّ العبث واللاجدوى لدى صالح ليسا مصير الإنسان فحسب، بل إنهما مصير كل شيء من حول الإنسان عامة، والأشياء التي يرتبط بها بعلاقات خاصة. حتى القطارات لها أحزانها، فالقطار الذي "مئات من الناس تركبه كل يومٍ، لم يفكرْ أحد أن يحكَّ ظهره"! هكذا، لن توجد رغبة قابلة للتحقق، وهذا مصير معتِم لأنّ الملذات فيه لا تأتي، ولن يكون ثمة فرق في ذلك بين الإنسان وبين منحوتة "أمنيتُها الأبديةُ أن تلتفتَ إلى الجهة المقابلة!". هذا هو المصير الحقيقيّ الذي يتربص كلّ شيء منذ بداية الشيء، ويظل ملازماً له إلى منتهاه حيث لحظة الفجيعة؛ الفجيعة الماكرة نفسها التي تستدرج نهراً مسكيناً: "وُلِدَ مستلقياً على ظهرِهِ وبعد رحلتِهِ الطويلةِ سيفجعه الملح!" الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 01-10-2018 07:16 مساء
الزوار: 1659 التعليقات: 0
|