|
عرار:
هاشم مطر/ ناقد وكاتب عراقي مقيم في الدنمارك قرأت (بازار الفريسة) وأول ما اشهد للكاتب به أنها رواية هادئة تتنقل باشتراطاته الكتابية بالحفاظ على وحدة النص، بمعنى الإبقاء على بوصلة واحدة. وقد نجح الكاتب بترتيب الأحداث، التي لم تكن كثيرة، لخدمة ثيمته الأساسية حول الخيانة وتداعيات من لامستهم وهم براء منها، خصوصا وأن الكاتب يبحث في مشكل مهم هو تشرذم اليسار أو جزء منه ليقع فريسة أولا، ومن ثم من هم على علاقة قريبة جداً معه. وبالطبع هناك أسباب ومسببات لذلك لم تظهر على نحو ما سنأتي عليه بعد قليل. تحولات مفزعة: الرواية كتبت بلغة باهظة الدقة حتى يخال أن ليس لها قلب أحيانا، ولا أعرف إن كان هذا في صالح الرواية أم ضدها! وعموماً فهي لغة سليمة وواضحة وخالية من التركيب. وهذا على ما يبدو أن الكاتب قد تعمد ذلك لضمان نجاح نصه الذي كان من الممكن أن يتمدد إلى فصول كثيرة فيما لو اعتمد الكاتب أن يعشّق سير أبطاله بقصص بحيث تكون حاملة للنص وخادمة له. أعتقد أن تردد الكاتب جاء بسبب الضوابط التي وضعها مسبقا لأسباب يعرفها نفسه، ومنها ما ظهر مباشرة بعد صدور روايته باختلاق أعذار لعدم السماح بانتشارها في بعض بلداننا العربية. هنا يمكن القول إن النص لم يكن حراً لذلك عمد الكاتب للاختصارات فيما ذهبت حبكة النص إلى الضمور من حيث تنزيل الأحداث التي كنت أتوسم من خلالها أن يفك خالد بعض عقدها. ذلك أن للنص قدرة مانحة كبيرة خصوصا وهو معني بحقبة مثقلة بل مفزعة بتحولاتها. هذا ما غيّر النظام الكتابي للكاتب وجعل مشغله يختص على الإبراق والنمو الوئيد، ومهتم بالنتائج الصادمة حسب. هنا يمكنني تحسس هواجس الكاتب واحتباساته التي تعامل معها بذكاء ليتحرر من شِباك كثيرة. وهذه محنة يعيشها كاتبنا في بلداننا على العكس من الروايات المهجرية التي يكتبها كتابنا خارج أوطانهم بحرية. وهنا يمكننا الإشارة إلى الخطوط الحمر والتابوهات العجيبة التي تكبل المنحى السيسولوجي المرافق للتاريخ أو الموازي له الذي ينتوي الكاتب فعله، بما فيه الاستخدامات الدارجة على نحو شتائم أو خارجة عن أسر الدين والمجتمع، وحتى الرؤى التي تتعلق بسلطة أو نظام ما. مبحث جدلي: بلا شك أن الرواية ستثير الكثير من الجدل، فمبحثها جدلي أصلا بما فيها أبطالها أو شخوصها على نحو أدق. فليس هناك في الرواية ما يدل على بطولة محددة، إنما توزعت على عدد منهم، وهذا اشتغال محدث نهنئ الكاتب عليه. باعتقادي أن بعض الشخوص كان يستحق الإضاءة وإسداء الدور أكثر، لكن احتراساً ما جعل خالد ينصت لثيمة واحدة، وهذا ليس عيبا مطلقا إنما لمست انضباطا ما يحتوي الرواية. ومن هذا الجانب أشير إلى الاقتصاد الواضح لخلفية بعض الأبطال كصاحب المكتبة أو نزيل دار العجزة وحتى الامرأة المتمردة. أما شخصية الابن المدمن فقد كانت بحاجة إلى مرافقة اكثر أو حذفها. كنت أرى بشخصية الخادمة ثيمة رائعة لكن الكاتب أقفل عليها للأسف. الخادمة شخصية ملفتة لاقتطافها بعض السعادات البسيطة لتكمل يومها برضا وابتسامة دائمة لسيدتها، فيما كانت الشاهد الوحيد لعجز بطلة الرواية وتخدمها من خلال تلقائيتها وبساطة تفكيرها. فلِمَ نحمل الحياة، أصلا، كل هذا العناء في وقت يكون بمقدورنا العيش بسلام ووداعة بنزر يسير من الرضا والاقتناءات البسيطة. تلك رسالة لخالد ولا أعرف لماذا أهملها ولم يكملها؟ رواية تساؤلية: هناك مشكل آخر هو فضاء الرواية من حيث الجو السياسي إبان حقبة محددة اختصت بها الرواية كان بودي أن أراه وهو الوضع الأممي آنذاك وتجاذباته وحالة الانقياد الأعمى لليسار واليمين، من حيث التأثر به أو الحاجة إليه. اجتهد الكاتب بهذا المبحث من حيث التأثير الأمريكي حسب، فيما شكل الأمر عمليا عصب الرواية وأولها اسمها (بازار الفريسة). لم اقل إنه أهملها لكن ضعف قوة الإسقاط أفقد هندسية الرواية مثلثها أو مربعها أو مكعبها أو أي شكل آخر. كان عليه أن يتركنا تائهين بـ (البازار) لكنه، أي الكاتب، اشتغل على النهايات أكثر من سيرهم المثقلة. وهنا تتوجب الدقة فألحقها في بنية أحداث الرواية التي كانت مقتصدة لحد بعيد، وهذا ما يؤشر مجددا إلى (قسمة ضيزى) لحرية الكاتب. عموماً إنها رواية تساؤلية عن حقبة تجهلها الأجيال الجديدة. ذلك أن مرتكزات البحث لم تعد تتموضع وتنتهي عند حدود التاريخ، إنما الآن تشغل الرواية حيزاً كبيراً منها وتكشف عن سيسولوجيا باهرة. نشير أيضا إلى أن ما يحمله النص من اشتراطات قد لا يسهل إفلاتها، وهو مناخ الرواية، وهو مناخ مفعم بالنوعي والثقافي، وبهذا اضطرار للكاتب أن يوحي أو يشي نصه بأنه موجه إلى نخبة محددة. كما أن من جانب آخر، يستند بأكثريته إلى أبطال محملين بعدة الثقافة وعدم الرضا أصلا. يبدو أن خالد كان بدرجة وعي كافٍ أن يقي عمله هذا الضرر برغم ملاحظتنا التي نتركها بيسر أن يمتلك النص حيوية كافية تظهره للحياة تحت الشمس. أهنئ الكاتب لتقديمه أنموذجا مهما للكتابة يستحق الإشارة والاهتمام، بالإضافة إلى ما بدأناه كحقيقة أثبتها نصه أن: «بازار الفريسة» هي بازار الأوطان! الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 24-10-2024 09:01 مساء
الزوار: 67 التعليقات: 0
|