الرواية التي موضوعها رواية مخطوطة هي أسلوب من أساليب كتابة الميتاسرد أو السرد النرجسي كانعكاس لتجلٍ فكري ما بعد حداثي يريد قارئا متفاعلا منتجا يقرأ لأجل أن يكتشف إمكانياته القرائية في التأمل والمشاركة الإبداعية الفاعلة.
واذا كان مطلوبا من كاتب النص السردي أن يهادن قارئه أو يماحكه أو يخاتله؛ فإن المطلوب من كاتب الميتاسرد التفاعل مع قارئه، بمعنى ألا يجاريه ويلتف عليه محاولا إيهامه وإنما يكاشفه لكي يشركه معه في العمل حتى يدرك هذا القارئ أن ما يقرأه تخييل مختلق ومصطنع ..
وبهذا التصور الاخير يتجاوز السرد مهمة التخييل او الفكشن إلى الميتافكشن أي كسر الايهام السردي عند القارئ،، وليس توكيده، ولهذا يشعر قارئ الرواية الميتاسردية باستمرار أنه هو مقصود الكاتب الذي يريد منه ألا يتوهم وأن يكون واعيا للعبة السردية.
 وهذا ما يعكر صفو فعل القراءة لديه ويدفعه من ثم إلى الإسهام في لمِّ شتات المتناثر من المعلومات السردية والاقتطاعات النصية والإحالات المرجعية والتناصات بأنواعها، لعله يصل إلى نتائج تلبي طموحه وتحقق تطلعاته.
وبذلك يقع القارئ في شرك الكاتب الذي يريد للاختلاق التخييلي والتزويق السردي أن ينطليا عليه..ليعيش المكابدة نفسها التي يعيشها كاتب النص الروائي بطريقة نرجسية فلا هو يبلغ المحطات التي يرتجيها في أفق توقعه ولا هو يصل إلى النهايات التي يتمنى أن يبلغها. 
 وفي رواية (يحدث في بغداد) للدكتور رسول محمد رسول والصادرة في القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية عام 2014 يتمحور السرد الذاتي حول صوتين صوت السارد سعيد الدهان كبطل مركزي يتولى السرد بضمير الأنا « قبل وفاته بأيام كان مرهون قد طلب مني أن أكون قريبا من والدته في حال اشتداد سقمه ومرضه عليه» ص13 وصوت سارد ذاتي ثانوي يمثله مرهون الشاكر مع توظيف للسرد الموضوعي في أحيان قليلة.
وتتلخص مهمة السارد البطل في اعداد مخطوطة رواية للطبع كان قد كتبها صديقه الأديب مرهون الشاكر قبل وفاته ولكنه لم يودعها عنده ولا عند اي أحد اخر، وعنوانها ( ينحني الصابر للوجع) إلا إن الصدفة هي التي تجعل السارد يضع يده عليها ليقرر طباعتها وفاء لذكرى هذا الصديق.
 ومن هنا تتصاعد الأحداث عبر استرجاعات واستباقات ومونولوجات وتداعيات هذا على مستوى الاشتغال السردي.. أما على مستوى السرد النرجسي أو الميتاسردي، فان المراهنة على استدراج القارئ نحو كيفية كتابة رواية ستتراجع أمام الاستدراج القصدي للنص النقدي كي يندرج في السرد.  
وهذا ما يتضح في كم النصوص النقدية الموظفة في النص السردي والمدعمة للبناء النصي بمقولات مثل (النقد/ الملفوظ/ فك الشفرات الداخلية /التفكيك/ التناص) وغيرها.، ومن دون أن يتعدى المنظور السردي إلى مسالك خارج سردية لها صلة بالكاتب والقارئ الحقيقيين وهذا ما يجعل الرواية تندرج في خانة السرد الواقعي وليس الميتاسردي كون السارد هو الذي يهيمن كبناء سردي متخيل ومركزي لا صلة له بالمؤلف الحقيقي لا من قريب ولا بعيد. 
وتبقى الإحالات المرجعية على أسماء أعلام نقاد ومقولات نقدية وتناصات شعرية في حدود المتخيل السردي الذي ما تعدى فيه الاشتغال الى الميتاسرد الذي اطلق عليه الدكتور رسول محمد( السرد المفتون بذاته) في كتاب حمل نفس هذا العنوان كرديف لمصطلح الميتاسرد حيث يكون موقع الروائي موقع الشريك الحيوي للفاعلين في حكاية الرواية ص165
  بينما يشير في موضع آخر من الكتاب نفسه الى أن السرد المفتون بنفسه يدور في نطلق السرد المتخيل مشتغلا» على عدم جاهزية الحكاية داخل الرواية بحيث تتجاوز ذلك الى بناء معمار الحكاية التالية او الحكاية الضمنية من خلال لململة المدارات السردية الصغرى في مساراتها التي تنمو تباعا «ص172 
 ومعالجة نص الرواية المخطوطة بنص نقدي يمارسه السارد وليس المؤلف عبر التحليل والتمحيص وايجاد الروابط والخيوط، تظل دائرة في حدود السرد الذاتي غير خارجة عن معتاديته النصية» واضح هنا أن مرهون وبوصفه ناصا لروايته ينحني الصابر للوجع صار يخاطب القارئ وهو احد اساليب ما يسمونه بما وراء الرواية بحسب ما يقول فاضل ثامر او السرد المفتون بذاته بحسب ما يقول ناقد اخر» ص72 
 ولما يخاطب السارد (مرهون) مؤلف مخطوطة الرواية القارئ» كما رأيت عزيزي القارئ كيف ان فجري الانثوي الثاني» فان مؤلف الرواية الاصل لم يفعل ذلك.. أما تصريح السارد سعيد بأنه قارئ مختلف للرواية فإن هذا لا يعني زجا للقارئ الحقيقي فيها.   
وبهذا يندرج الاشتغال في إطار السرد الحداثي للواقعة المتخيلة واشتراطاتها مع بقاء احتمال أن يكون السارد هو المؤلف نفسه امرا محتملا ما دام التخييل او الفكشن هو الذي يحكم البناء النصي للروايتين الاصل والمخطوطة ولهذا ما وجدنا المؤلف يظهر أمام قارئه لكي يشركه في العمل بلا مخاتلة معه.
لكن مهمة السارد ظلت نقدية فهو الذي جمع الفصول ورتب الأوراق وصنف الكتابات وضم المتشابه منها إلى بعضه وحدد سبق بعضها على بعض» نظرت في وجه صفحتها الأولى: آه يا مرهون هذه هي روايتك ينحني الصابر للوجع» ص21
مستعملا بعض العبارات النقدية بين الفينة والأخرى « أمسكت برزمة الورق المخطوط بين كفي اشرع بقراءة الرواية تذكرت ما قاله لي مرهون يوما من ان كتابة رواية هي اشبه بعمملية تسلق جبل عليك ان تتخذ نفسا وتضبطه على وقع الخطى كما كان يقول الروائي الايطالي امبرتوايكو» الرواية 23
والرواية توظف طريقة التناوب السردي بين قصتين الاولى إطارية هي الرواية الاصل التي تنقل بلسان السارد سعيد الدهان والثانية ضمنية هي الرواية المخطوطة التي تنقل بلسان مرهون الشاكر ويقوم السارد المركزي سعيد بحصرها بين قوسين وبخط غامق كهذا المقتطع» ما زلت افكر في مطلع الفصل الاول الذي جاءفيه :» ما كان فجري الانثوي الثاني يعوضني خساراتي التي سببها موت فجري الانثوي الاول» ص69
والناظر لشخصيات الرواية الأصل والرواية المخطوطة سيجد انها جميعها مأزومة بالواقع المعيش الغاصّ بالإرهاب والموقوت بالنسف والتشظي.
وتتوكد مركزية السارد سعيد بين أداء افعاله اليومية المعتادة من الذهاب الى العمل وزيارة والدة مرهون والانصراف الى بيته وزوجته وزيارة اصدقائه، وبين ممارسته النقد على النصوص المقتطعة عبر معاينة كل نص على حدة وتأويله ومعرفة نواقصه.
 وقد بدأ بالعنوان الذي قلّبه في ذهنه مرات ليتوصل الى أنه تناص» مرهون يعشق التناص هكذا يقول النقاد عنه خصوصا اولئك الذين درسوا اغلب سردياته القصيرة والطويلة»ص33 ثم انتقل الى الاهداء فوضع له قراءة نقدية ثم شرع بقراءة الفصل الاول « يا ترى هل يقصد مرهون بالفجر الاول زوجته الاولى فاطمة ..بدا لي ان ما يهم هنا  هو ملفوظ خساراتي ..اكيد خسر انثاه الرائعة «ص69 
لكن التحدي الاكبر سيكون في ضياع فصلين من المخطوطة ليقوم السارد بجمع الخيوط التي ستوصله إلى الكيفية التي بها ضاع الفصلان والسؤال هنا : إذا كان السارد قد توثق من ضياع الفصل الثاني فكيف استدل على وجود فصل خامس ضائع أليس من المحتمل أن يكون الفصل الرابع هو الاخير ؟؟..
وتتصاعد انشغالات السارد بمقاطع المخطوط ثم قراءتها نقديا» ما فعله مرهون في روايته.. هو انه مارس فعل التناص ..الذي ظل مستترا على عكس نصوصه القصصية والروائية الاخرى التي كان التناص فيها صريحا الا اذا كان مرهون قد كشف عن مرجعية عنوان روايته ..في الفصللين المفقودين « ص125 ، حتى تعدى فعل النقد عند السارد سعيد إلى نقد بعض الأحداث ففسر مثلا رسالة زوجته على محامل شتى أو ذهب بعيدا في اقتناص أسباب وضع لغم أو القاء جثة على قارعة الطريق. 
وهو أيضا لا يكتفي بممارسة النقد وانما يوكل إلى بعض المسرودات أدوارا مماثلة كزوجته مريم التي اسند اليها نقدا يقوّض صورة المثقف الراهن واصفا اياه بالراضخ للواقع والانهزامي، وكذلك الدور الذي أسنده لصديقيه حسن المزهون وعبد الرحمن شكري في معرفة مرجعية عنوان المخطوطة، لتبدأ بعد ذلك االمواجهة الكبرى كما يسميها البطل باستعمال المونولوجات الداخلية والحوار الصامت» يا لك من انسان مذهل يا مرهون حتى وانت في سرير شفائك العصي تقرأ مخطوط روايتك تريد أن تطمئن على وليدك الذي لم تره مطبوعا في كتاب» الرواية ص63
ومثلما يتصاعد النقد في القصة المضمنة كذلك يتصاعد النقد الواقعي في القصة الأصل بعد أن يتم الكشف عن تورط نهى زوجة مرهون بعلاقة مشبوهة مع اثنين (شرطي وإرهابي) لتنفرج أحداث القصة الاطارية وقد أقدمت نهى على تفجير نفسها ليضيع معها حلم اكمال مخطوطة الرواية وبذلك يتوكد النقد الواقعي في الرواية مدللا على أن هناك دوما حلقة مفقودة في حياتنا لن نصل إليها ونحن نتوخى بلوغ الحقيقة. 
وإذا اضفنا إلى ما تقدم هذه السيرورة الزمنية التي يعكسها عنوان الرواية بالفعلية المضارعة (يحدث في بغداد)، فإننا سنحصل على توكيد قاطع بالنهج الواقعي النقدي الذي سارت عليه الرواية لاسيما نهايتها الصادمة وقد اتخذت من الراهن العراقي بؤرة سردية لها لتكشف لنا عن عجز البطل في تغيير الواقع لكن الرواية بالمقابل لم تلغ فاعلية البطل في محاولته البحث عن الحقيقة رغبة في الظفر بها وهذا لوحده مكسب واقعي ولو على المستوى التخييلي.