|
عرار: حاوره: محمد جميل خضر - في أجواء طفولة جميلة، عاشها في كنف أبوين كانا كدجلة والفرات في عطائهما، تفجّرت موهبة الشاعر والإعلامي العراقي المقيم في عمّان محمد نصيف. تماسك العائلة، وأجواء الحب والحدب والدفء التي ترعرع أفراد الأسرة في ظلالها، جعلت نصيف صاحب ديوان الأزهار تموت في آذار، يستوعب درس الشعر على مهله، فانطلق بداية، ومنذ كان صغيراً، بالقراءة الغزيرة المتنوعة، وكتب الشعر في سنٍ مبكرةٍ متأثراً بتجارب الشعراء القدماء مثل عمرو بن كلثوم، وعمر بن أبي ربيعة، وابن زيدون والمتنبي وأبو تمام والمعاصرين، ومحمد مهدي الجواهري وأحمد شوقي وعبد الله البردوني وشعراء المهجر وعمر أبو ريشة ونزار قباني وغيرهم. تعتمد في معظم قصائدك النبرة الشعرية الخطابية، أي بمعنى القابلة للإلقاء في مناسبة ما، قومية وطنية على وجه الخصوص، هل يساعدك الشعر العمودي على ذلك؟ أم أنك تأخذ هذا النوع من الشعر لما تريده منه؟ أنا أنتمي إلى أمة ما تزال تتنفس الشعر العربي رغم قسوة المؤامرة التي تريد قطع شريانها الفكري الناهل من ماضيها العريق فعليَّ أن أتعامل بذكاء ٍ وودّ مع هذه الأمة التي أحبُّها بكلِّ ما فيها وأقدّم لها ما تحبّ من قطوف الشعر وزهور اللغة ولا شك في أن الشاعر المجيد هو الذي يطوّع الشعر وفق ما يريد عندما يكون متمكنناً من أدواته ويعرف كيف يوفق بين عناد القصيدة وذائقة المتلقي والغرض الذي يسعى لتحقيقه عبر الخط ّ الشعري الذي يختاره للوصول إلى قلوب الناس. السنواتُ التي قضيتها في الأردن صهرتني بالحياة الأردنية ولها الأثر الكبير في ذلك وأعطتني مساحة واسعة من الحب الذي حملني إلى فضاء الأدب فاطلعت على تجارب الإبداع للأردنيين وأعجبت بكثير منها، ولكن ما شدني أكثر تجربتا الشاعرين عرار وعويس لما يجمعهما من خط ثوري وعروبة دافقة وتمسك بالتراث الأدبي العربي والتلوين في المواضيع بين الوطن والمرأة ومعاناة الحياة وعمق الأحزان التي تكاد تطفو على كلماتهما فعندما قرأت ديوان عشيات وادي اليابس لعرار وأجراس الرحيل لعويس كنت أتحسس جراحهما وما تركته الظروف القاسية من بصمات تتوزع هنا وهناك بين القصائد ومآسي الوطن تتغلل بين الحروف فوجدت قواسم مشتركة تربطني بهما لاسيما الهم العربي الذي كان المصدر الرئيس الذي نهلت منه حروفنا طعم الألم، وكثيراً ما تقاطعت هواجس الوجع بيننا والحسرة على ما تمر به أمتنا العربية من تمزق واحتراق وضياع وغياب لدورها الحضاري والإنساني فتمازج الجراح فيما بيننا ووشائج المودة التي تربطني بالمجتمع الأردني شكلا الدافع الأكبر لكتابة رثاءاتي في مبدعي الأردن. تحمل قصيدتك إليك أشكو الهوى يا عرار كثيراً من الضنى وآلام الابتعاد القسري عن بغدادك وأمكنة حدبك الأولى، ونبضك الأول، فلماذا عرار تحديداً من تبثه كل هذا الجوى والنوى؟ وماذا تريد منه؟ وأين تريد لكلمتك أن تذهب في أقصى ما تذهب؟ من خلال قراءتي العميقة لأشعار عرار وإطلاعي على سيرة حياته وجدت ما يغريني في هذا الشاعر، وأولها أنه يكتب للوطن والمرأة، وكثيراً ما وجدته تائها في آفاقهما، ويسرح في طرق الوصول إلى لحظات الصفاء والدفء معهما، كما هو الحال معي، فلطالما اجتمعت المرأة والوطن في كتاباتي، فضلاً عن السمو الذي كان يبحث عنه في الحياة والغربة التي نتقاسمها نحن الشعراء، حتى وإن كنا في أوطاننا والحرمان الذي كثيراً ما حال دون ما نطمح إليه من آمال. كنت أخاطب فيه الحكيم العاشق فهو لم يكن صعلوكا ماجنا كما يحاول بعضهم أن يصوره بل كان متوقد الذهن حتى في لحظات نشوته ويتجلى ذلك في بيته من قصيدة بين الخرابيش الذي يقول فيه: بين الخرابيش لا عبد ولا أمة.. ولا أرقاء في أثواب أحرارِ فهو هنا يبحث عن فضاء مفتوح للحرية وربما وجده عند الغجر حيث الحرية بلا سقف. يلجأ كثير من الشعراء هذه الأيام لمنابر مواقع التواصل الاجتماعي لقول كلمتهم الشعرية، فهل تفعل ذلك أنت؟ وما هو الفضاء الجديد الذي تفتحه هذه المواقع ؟ من الطبيعي عندما نجد مساحة مريحة ومنبراً مفتوحاً فإننا نستثمره لإطلاق كلماتنا في فضائه، شريطة أن يكون جديراً بأن يستوعب الأدب الرصين والإبداع الحقيقي. ومن المفيد في أغلب مواقع التواصل الاجتماعي أنها أتاحت فرصة جيدة للشعر في أن يحقق انتشاراً كبيراً وسريعاً وكان متنفساً للذين تحول ظروف الطباعة والنشر والمحسوبية في بعض الصحف والمجلات دون منحهم فرصة الظهور، ومكنتنا هذه المواقع من أن نتعرف على تجارب شعرية ثرية، ما كان لها أن تصل إلينا لولاها. رغم جمالك الشكلي، وملاحة تفاصيل وجهك ووسامتها، إلا أن شعرك الغزلي العاطفي مما يكاد يكون من باب أني كتبت شعراً عاطفياً، وباستثناء ظمأ الأمنيات وما تحويه من وجدانية وتحسر على الحب الآفل، وربما بعض قصائد أخرى، فإن قصائدك في هذا الاتجاه مما ظلمه عمود الشعر، وأفقدته الجزالة رقيق القول ومكامن الصورة ودهشتها. ماذا تقول في هذا الاتهام؟ إنك تظلمني بهذا الاتهام، بل على العكس، فمساحة شعري الغزلي أوسع بكثير من شعري الوطني، وحتى قصائد الوطن عندما تقرأها بعمق وروية تجدها مكتوبة بلغة الحب. وهنا لابد من أن أدعوك إلى قراءة قصيدتي بين حبّين التي أقول في مطلعها: يتقاسم قلبي حـبـّان ِ.. لشذا بغداد وعمانِ ولو أنك اطلعت على ديواني الأول الأزهار تموت في آذار لما وجدت فيه إلا الغزل وهي قصائدي الأولى حينما كان الوطن يرفل بالكبرياء والمنعة والطمأنينة فكان للمرأة وجراحها وحلاوتها النصيب الأوفر في كتاباتي. ولكن عندما يمر الوطن بالمحن وتغزوه الجراح، فليس من المروءة ألا نسكب شعرنا فوق جراحه بلسماً، وهو الذي على الدوام كان عشاً دافئاً لأحلامنا. هل لنا بسؤال عن نواياك الشعرية المستقبلية؛ قصيدة نثر على سبيل المثال؟ قصيدة تفعيلة على أقل تقدير؟ كيف تصنف هذه الأنواع الشعرية؟ ولماذا تتخذ منها موقفاً؟ عندما نقول قصيدة نثر فإننا بذلك نقع في مشكلة المصطلح فإما أن نقول شعر أو أن نقول نثر، وإلا سيلتبس علينا الأمر، فالقصيدة مصطلح ورثناه من التراث الأدبي العربي له خصائصه ووفقها سمي بهذا الاسم، لذلك ينبغي أن نلتزم بتلك الخصائص حتى نقول إن ما نكتبه شعراً. وأنا لست ضد أي جنس أدبي جديد ولكني أقف أمام التسمية حائراً وقلقاً فليسموه ما شاؤوا في إطار ما يوحي به هذا الجنس الجديد من الكتابة. في وضوء الوطن، ودفاتر الغياب، إلى أي مدى يمكن أن ينتصر الشاعر لحاكم أياً كان عدله؟ وفي السياق أيضاً كيف يقرأ الشاعر فيك ربيع الزمن العربي الجديد؟ أعود لأؤكد على أنني أنتمي إلى أمة عريقة مسحورة بالفروسية والرجولة وهي تحلم منذ زمن بعيد في أن تنهض من جديد وتنفض عنها غبار الهوان وتسترجع حقها الطبيعي في التطلع والسمو وتوقف رعاف الدم وسكب الدمع، فكل من يعمل على تحقيق حلم هذه الأمة في أن يعيد لها زهوها ومجدها ويمزق ليل الظلم ويلبسها ثوب الإباء والكبرياء، فإني بذلك أنتصر له قائداً كان أم حاكماً، فهو بعمله هذا يؤكد على أنه يحمل مشروعاً حضارياً وإنسانياً نبيلاً تشتاقه الأمة منذ انحسار آخر نجمة من سماء الزهو العربي. أما ما يدور في الساحات العربية من طوفان فأنا اسميه موسم الثورات العربية وهو أولى من تسمية الربيع لأن الربيع محتم على أن يعقبه صيف وخريف ويسرقان منه بريقه أما الثورة إذا كانت حقيقة فهى كفيلة بأن تكون الفصل الوحيد الدائم البريق والتجدد في المناخ العربي، ونحن بحاجة إلى تجديد دماء الأمة التي أفسدها الظلم والتبعية للأجنبي، وهذا لا يتحقق إلا بالثورة والإصلاح، ولكنني مع ثورة الشعوب الصافية التي لا تدنس طهرها التدخلات المريبة من قبل الأعداء ومريدي الفتنة والانتهازيين الجبناء، ممن يتربصون في الأقبية المظلمة لينقضوا على أحلام الشعوب ويسرقوا تضحياتهم. وأنا متفائل رغم ما ينتابني من خوف على تلك الثورات. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: السبت 31-12-2011 03:51 مساء
الزوار: 3045 التعليقات: 0
|