|
عرار:
كلما نام الجياع صحا الشعر متوثبا في ملكوته.. اكتب وانا سارح في حيوات الشعر.. أزف الحرف قصيدة من ياسمين.. فبأي العطور أغسل وجهي والصباح.. ولأي صبح أزف البشرى.. وبأي حرف أنحت ما تبقى من الذاكرة كلما طار الحمام وتأوهت السفوح. ما الذي تخفيه الذاكرة لنحرسها بالعشب؟ فالذاكرة مفتاح الوجود لنحرس انسانيتنا بالأخضر.. ونكفنها بالأخضر عندما غنى عزالدين مناصرة قصيدة بالأخضر كفناه للشهيد زياد طناش. فهل نبذر ذاكرتنا في ذوات تستشعر أرواحنا ونفوسنا التي توضأت لكي تقيم صلاة الغائب على جياع لم نحرسهم بالعشب؟.. فبأي عشب نحرس؟ وأي عشب نقلع؟ وفي أي جسد نحرث ما تبقى من الذاكرة لمواسم عاصفة اختبرت رؤوسا طأطأت خجلا عندما استبقوا بعيدا عن الجب والذئب يحرس الذاكرة. ما بين المجرد والمحسوس ولد ناصر كما تولد الشجرة.. ما بين الموسيقى والإيقاع يعيش كطائر غريد.. بين الحرف والنوتة الموسيقية يحيا مثل كونسرتو يعزف الصولو على عوده لنقول له عودك رنان.. بعدها ينسجم مع كورال مسرحي وكأنه راهب في معبد يوناني قديم.. ينقل الصولو على العشب حارسا قصيدته التي ألهمها وعيه وشعوره وتصاعده وتحليقه حيث الخيال فسحة الشاعر الأثيرة.. فمن أي بطن ولد؟ هي الملهمة والمعلمة والمربية حليمة التي أرضعته من حليبها أن الصلاة بأرض لا توحد ليس تكتمل كما قال مظفر النواب في قصيدته: «تعلل فالهوى علل وصادف أن به ثمل وكاد لطيب منبعه يشف ومانع الخجل» أما ناصر كمال قال لي الحكواتي في مقهى الخليل فقد أخبرني أنه كان يرد الماء مع الخيل فقلت له هل تحدثني عن أنكيدو.. ضحك طويلا وقال: أحدثك عن ملحمة فلسطينية اسمها ناصر ولست أحكي ملحمة جلجامش فهو على رأي الحكواتي تغريبة فلسطينية نبتت في قرية بركوسيا ولم يعرف غير حليمة أما ووطنا أسمه فلسطين فكلما غنى قال لهما: «وحليمة أمي تعيد تشكيل الوجود إذا ابتسمت أو سبحت بمسبحتها وعدت الوقت وحليمة أمي ولون دمي» ومن كانت حليمة أمه فعلى أي جنب ينام الحمام؟ يحط الحمام قريبا من القلب ويصنع عشه بين الضلوع ويهدل مع نبضات القلب كلما هبت الريح من تلقاء كاظمة على ذمة البوصيري معطرة ببوح ناصر.. فكيف يطير الحمام وناصر غارق في العزف والغناء؟ لا تخف يا صديقي سيعود الحمام قريبا ولو توزعه الشتات في المنافي والغربة فالأفاق تبقى مرمى البصر ولا تنام بعيدة عن ناظرها مهما استبد الظلام. قلم أخضر هو ناصر.. يبوح لنا بدرجة حرارة قلوبنا التي كانت تحت الصفر.. ولما أصابتنا الحمى لم ترتفع عن الصفر إلا قليلا.. فلماذا يذبلنا العشق لنصبح أكثر جفافا من عشب أصفر أشعل في دمائنا حيرة القتلى وذاكرة الشهداء فهل تحلق أرواحنا بعشبها مثل حمائم مكة لا تعترف يا أنت.. فلست تتقن الاعتراف.. لست إلا زورقا في بحر لجي.. يكاد البرق أن يخطف الأبصار فالحمام نسي هديله فوق ذراع الشجرة حين جفت غصونها.. وماذا ينفع الاعتراف إن كنت مدانا مسبقا فالشهود عازمون على القول والقاضي ارتضى لنفسه أن يكون الجلاد فما قيمة الاعتراف إن كنت أنت.. أنت وحدك زوج حمام لا تعرف على أي جنب تنام.. فلا تقل الحقيقة وأنكر ما أيده المحلفون فليس لك إلا مزامير داوود وعش في جدار قديم تكتب على سطحه الطيني قصائدك التي دنت قطوفها دانية كلما طار الحمام صوب سفينة نوح طالبا النجاة فعلى أي جنب ننام وأنت تمارس الحضور بشدوك وأغنياتك وعذب موسيقاك.. لا تقل يا صديقي .. طار الحمام ناصر قواسمي هو الفلسطيني الطيب الذي تحدث عنه على فودة في روايته وهو الذي انتقل من البصرة إلى الكويت مع غسان كنفاني في رجال تحت الشمس لتجده في كل مكان مع البسطاء والمهمشين كما تجده مع الثائرين المقاومين.. فلا يجسده وصف قلم ولا بوح شاعر ولا فصاحة خطيب.. جميل في تكوينه كلوحة رسمها بيكاسو أو قصيدة غنتها ماجدة الرومي أو تمثال نحته بجماليون واصطفاه لنفسه. فمن أي ماء شربت يا ناصر وكيف أسقيتنا خمر الحب الحلال كلما غنى صباح فخري خمرة الحب اسقينيها. لا أريد لهذه الشهادة أن تكتمل؟ ولا أريد إلا أن أشاطر القمر طوافه حول شرفة ناصر وأتمم النجوم قلادة لعنق حسناء يتوسطها ناصر. فمن أي تراب جبلت وكيف للتراب أن يستوي بشرا بروح نقية صافية ملائكية الحضور. في مدينة الملائكة قال نيكولاس كيج أن الملائكة يتغذون على الموسيقى فلست ملاكا يا ناصر فكيف غذيتني على الموسيقى والشعر لأحلق عاليا كحمام أتقن الغياب، فعلى أي جنب ينام الحمام؟ جريدة الدستور الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 19-05-2017 10:21 مساء
الزوار: 756 التعليقات: 0
|