جاء ذلك خلال الأمسية التي أقيمت في المكتبة الوطنية ضمن نشاط المكتبة الأسبوعي «كتاب الأسبوع» والذي نوقشت فيه رواية الزميل احمد الطراونة «وادي الصفصافة» حيث قدم الزميل الطراونة نصا تحدث فيه عن تجربته مع وادي الصفصافة.
وأضاف جميعان  في الامسية التي ادارها الزميل رمزي الغزوي:» أن موضوع الرواية ومضمونها كان او/سيكون من مهمة مبدعها ولكنني في هذه الأمسية سأقف عند ظاهرة تنحاز بها رواية «وادي الصفصافة» وهي ظاهرة اللغة، فقد وجدت فيها - من ضمن ما وجدت - تنوعا أسلوبيا وكلاميا تمرد فيه احمد الطراونة على الاتجاهات الثابتة والجاهزة في الرواية الأردنية. فقد تمكن احمد من امتصاص اللغة الاجتماعية واستخدامها في بنية السرد الروائي وكأنه يحقق هنا رغبة الجاحظ في البيان والتبين من تأكيده على التنوع اللغوي وتعدد اللهجات ولغة الأجناس التعبيرية، فلكل لغة لحظة وجود».
وأشار جميعان إلى أن :»عالم الرواية واسع لا يمكن للغة واحدة ان تحتويه وهو ما يؤكده باختين حين يقول: «اذا فقد الروائي الأرض اللسانية لأسلوب النثر، وإذا لم يعرف كيف يرتقي باللغة الى مستوى الوعي النسبي، واذا لم يستمع إلى الثنائية الصوتية العضوية والى الحوار الداخلي للكلمة الحية المتحولة فانه لن يفهم الإمكانات والمفضلات الحقيقية للرواية».
وبين جميعان:»لقد أعطى احمد الطراونة للغة الروائية معنى اجتماعيا فعبّر في روايته عن قيم الحياة وعن المعيش اليومي والذاتي والجماعي، فمنح روايته سمة ثقافية اجتماعية وجعل منها أي من اللغة وسيلة إجرائية فعّالة لرصد درجة التغيير والتحوّل في نفوس شخصياته الروائية، فهو لم يستعمل اللغة استعمالاً خارجياً كما نلحظ ذلك في الروايات التي تعتمد شعرية اللغة بل استعمل اللغة استعمالاً داخلياً فترك الخطاب يصنع نفسه داخل البنية الروائية، فحققت اللغة بذلك درجة عالية من كفاءة التواصل مع الحدث، ومنحت القارئ فسحة للتفاعل مع الشخصيات، والشعور الوجداني مع المكان الروائي، وأضفى على الحوارات حركية وحيوية».
وأكد جميعان على إن:» خصوبة استخدام اللغة المحكية تعكس الانتماء للمجتمع البسيط، وعلى هذه اللغة يبني الروائي احمد الطراونة الحوار الواقعي المتعدد لشخصيات روايته في أكثر من مقام سردي أضفى عليها خصوصيتها المحلية حتى في إطار المحلية الأردنية نفسها».
وقال جميعان: «لقد تمثلت مظاهر هذا الاستخدام في عدة اتجاهات منها: عنوان الرواية بوصفه اداءً لغوياً، والمزج بين الوظيفة الابلاغية (الحيادية) والتعبيرية الانفعالية فهو لا يلتفت الى جمالية الصورة والتعبير ويتجاهل منطوق الشخصية في المواقف المختلفة التي تستدعي خطاباً متنوعاً ص 41، لا يسمح للغة التعبيرية/ لغة الراوي أن تطغى على لغة الشخصيات سواء في السرد الذي يتجه فيه احمد الى استخدام اللغة الفصحى أو احياناً يزاوج بين لغة السرد والوصف بحيث تكون لغة جمالية تأملية, وتعبيرية انفعالية احياناً اخرى, اما لغة الحوار فتأتي في انساق من اللغة المحلية،  مسرحة الحوار، مزج اللغة الادبية باللغة الصحفية».
وقدم الزميل الطراونة مجموعة من التساؤلات حول أهمية الكتابة عن حدث لا يزال في أذهان الناس، فكيف يمكن أن تكتب عن ثورة لم تنقطع أخبارها بين الناس وان تتحرر من سطوة وسلطة الأحداث التي لا تزال في ذاكرتهم؟
كيف يمكن أن تنسج الخيال الفني الذي ترغب به في قصة لا تزال تعرف الناس أجواءها ولا تزال الناس تعرف حقيقة أحداثها وان تتحكم بوعي شخوصها وبناءاتهم الثقافية؟
كيف يمكن أن تلعب بالحدث التاريخي وتطوعه لبناء فكرتك وأنت تعرف أن هنالك رواة على قيد الحياة لهذه القصة؟
مضيفا ان هذه الاسئلة وغيرها:» جعلتني أتردد كل هذه الأعوام عن خوض غمار هذه التجربة، لكنني أجبت عليها حينما ولجت إلى أجواء النص متسلحا بوعي تلك اللحظة مدركا ماذا أريد من غايات استشرافية أو اسقاطية أو استذكارية لتناغم المرجعيتن الأولى المتصلة بحقيقة الحدث التاريخي، والثانية المتمثلة بالخيال المرافق للحقيقة التاريخية والذي سيتم خلقه والتحكم به».
وعلل الطراونة:» ولأن الراهن المعاش هو حاضر التاريخ كما يقال عادة، سيبقى سؤال الكتابة بإرث التاريخ سؤالاً مشروعاً ومفتوحاً على البحث والتأويل، لأن الماضي يحمل في جعبته رسائل كثيرة وكبيرة للحاضر، ونحن الآن في أمس الحاجة لإعادة قراءة الجانب المضيء في التاريخ النضالي, وخصوصا القريب منه والذي لا يزال متداولا في أحاديث الناس، وهذا يعني أننا غير قادرين على الخروج من الشرط الزمني حتى هذه اللحظة، فنحن لا نزال نحمل حزن وفرح هؤلاء الناس الذين قاموا بهذا الفعل, ولا نزال نعاني  مما عانوا من استعمار كوني غيب القيم الإنسانية البسيطة لصالح المعقدة، والقيم العليا لصالح القيم الدنيا، مما دفعهم لما قاموا به قبلنا».
واضاف الطراونة:»فهل كانوا أكثر جرأة منا خاصة وأننا لا نزال نعيش نفس الظرف وتحت وطأة نفس الأسباب، هذا سؤال مفتوح برسم الإجابة، لذلك لابد من إعادة قراءة ما فعلوا، لأن قراءة التاريخ شرط لوعي القادم وإدراك تجلياته».  واتكئ الطراونة على مقولات لـ سعدالله ونوس الذي يقول: «على الأديب أن يستدرك قصور المؤرخ» ولجورج لوكاتش الذي يقول: غريبة هي رغبة الناس، إنهم يطلبون تاريخهم من يد الشاعر وليس من يد المؤرخ».
واضاف الطراونة:» نعم، لأن الناس لا يريدون وصفا أمينا على حقائق مجردة، بل يطلبون تلك الحقائق التي انحلت عائدة إلى منبعها الشعري الأصيل الذي جاءت منه، خاصة إذا كان ذلك من المبدع الذي يتوافر على وعي تاريخي ثاقب، نقر به ولا نستطيع حسمه، وحسم مغزاه، ليظل تأجيل المغزى مؤبدا دون أن ينغلق على معنى واحد».
وختم الطراونة: لقد تأجل المغزى من هذه الرواية إلى إشعار آخر، حيث سيدور القارئ معي في حلقة واسعة من الأسئلة التي لا إجابات لها..
وكان الزميل رمزي الغزوي الذي ادار الندوة قد اشار الى :»اهمية الرواية كونها تكتب عن حدث تاريخي يستنسخ الان بنفس الشكل والظروف مما يستدعي اعادة قراءة هذه الرواية من جديد، ثم تحدث عن اهمية تحويلها الى شكل درامي يجعل منها اكثر سهولة لدى المتلقي العادي. في نهاية الامسية دار نقاش موسع حول الرواية اثار من خلاله المشاركون عدد من القضايا المهمة حول الرواية».