|
عرار:
العقبة - نادية الخضيرات يعود الروائي الأردني وائل أحمد مكاحله ليثير الجدل التاريخي مجددا برواية تاريخية تسبر أغوار المستقبل، لا الماضي، هذه المرة. «بيروبيجان.. أوراق بنيامين» هي رواية تناقش مرحلة ما بعد تحرير فلسطين وجلاء الاستيطان عنها، حيث ينحو بها الكاتب منحى تراجيديا يناقش أبعاد الحرب الأخيرة على «غزة»؛ ليفضي إلى تهجير الغزاة عن أرض الرباط ونفيهم إلى جزيرة معزولة.. فتبدأ محاولاتهم المستميتة للعودة على رأس العالم من جديد. وعلى تلك الجزيرة -التي اختار لها الكاتب موقعا قريبا من القطب المتجمد الشمالي- يتجه الصهاينة لبناء مجتمع جديد يطلقون عليه اسم «بيروبيجان»، تيمنا بعاصمة أول مقاطعة خصصها «جوزيف ستالين» لليهود في الاتحاد السوفييتي، على بعد خمسة آلاف كيلو متر شرق العاصمة «موسكو» عام 1928م، قبل أن يتركها الصهاينة إلى «فلسطين» بدعوة من رئيس الوكالة اليهودية «حاييم وايزمان» على إثر النكبة عام 1948م، ولكون «بيروبيجان» تحمل في وجدانهم الجمعي إشارة للأرض المؤقتة؛ يقرر الصهاينة المنفيون خارج القارات المأهولة أن يكون المنفى هو «بيروبيجان» المؤقتة الجديدة، والتي سينطلقوا منها لتحقيق أهداف أشمل من السيطرة على بقعة أرض صغيرة على خارطة الشرق الأوسط لم تعد تُرضي طموحهم. تخوض الرواية في أعماق المجتمع الجديد وخطوات بنائه بدءا من العام 2027م، وصولا إلى أحداث الرواية التي تقع في العام 2055م، حيث يقسم الكاتب فصول الرواية إلى خمسة أجزاء تحمل كل منها في مقدمتها إصحاحا من أسفار «التوراة»، تتضمن كل منها افتتاحيات لأحداث تكشف سر تدمير المجتمع لنفسه من الداخل، حيث تصل بنا الرواية إلى قناعة الكاتب بأن المجتمع الذي قام على فكر ديني متطرف يفسر الرسائل الإلهية على هواه... إنما يحمل في داخله أسباب فنائه ونكبته. يتم تضمين العديد من المصطلحات العبرية في الرواية؛ ليضعنا الكاتب في الأجواء التي عاشها في مجتمع الغزاة بين نواياهم وطموحاتهم ومخططاتهم، متنقلا من حدث لآخر في تسلسل درامي بدأ بترك «بنيامين ماكجون» رسائل وأوراقا لصديقه المقرب «إيزاك بن ناحوم».. قبل أن يُقتل هو وزوجته «أييليت» على أيدي رؤسائه، فيقرر الأخير الانتقام لصديقه ليفاجأ بأن المخططات أكبر من مجرد جريمة فاعلها مبني للمجهول في التقرير الجنائي للحادث، فالجريمة الحقيقية التي دفع «بنيامين» حياته ثمنا لكشفها توشك أن تحدث. في أجواء الرواية فيض من عاطفة الحب التي جمعت بين «إيزاك» و «ليديا» بطلا الرواية، ثم يتحول ذلك الحب الجارف إلى عاطفة الأبوة التي حرما منها؛ لتعود إليهما في صورة «سارة» ابنة «بنيامين» و «أييليت» التي تركاها من بعدهما يتيمة بلا حول ولا قوة، هكذا يخوض الثلاثة معا مغامرة لإنقاذ البشرية من المخططات التي تسعى لهلاكها، أحداث متلاحقة تقطع الأنفاس حتى يحين موعد كشف السر الأكبر في حياة «إيزاك» ووالديه، والذي ظل حبيسا في الصدور لأكثر من ثلاثين عاما. وجعل الكاتب للرواية مقدمات أربعة خط والده إحداها ليصف الحالة التي يعيشها السكان في «بيروبيجان» ويضعنا في الجو العام لحياتهم هناك ثم يصف مناخ الجزيرة الغريب الذي يشابه مناخ ولاية «ألاسكا» الأمريكية إلى حد كبير: (كانت الشمس لا تزال مشرقة إشراقة الصيف الباردة التي ستستمر ستة وخمسين يوما اعتبارا من الأسبوع الماضي، توطئة لستة أشهر من شتاء بلا شمس، فيما يتعاقب الليل والنهار في اضطراب مزعج بقية العام في اعتداليّ الخريف والربيع.. حسنٌ.. هذا مناخ القطب الشماليّ الذي اعتدناه نحن ولم تتعرّفه أنت لحُسن حظّك). يستمر الكاتب في وصف أحداث الرواية بين رومنسية وغموض يحبس أنفاس.. فيما تبدأ مجريات الرواية في أخذ صفة البوليسية قرب انتهائها، بيد أن الصبغة العامة للرواية هي العاطفية التي يتحدث بها «إيزاك» وأهله عن موطنهم المغتصب وغربتهم التي لا تتناسب مع مكانتهم بين شعوب الأرض في مجاهل القطب المتجمد الشمالي. ويذكر أن هذه الرواية مهداة إلى أرواح الشهداء في «غزة». وصدر للروائي الأردني وائل أحمد موسى مكاحله أَربع رواياتٍ هي: المُنجِّمة (2005م) و حارسُ المقابِر (2016م) والمَنسيّ.. التاريخُ كما يجبُ أَن يكون (2019م) وبيروبيجان.. أَوراقُ بنيَامين (2024م) ونشر بعض القصصِ القصيرة والمقالاتِ الساخرةِ على عدّة مواقع.. مثل موقعِ «سواليف» الإخباري وغيره، وله مشاركاتٌ عديدةٌ في أُمسيات ثقافيةٍ ومهرجانات محليةٍ ودولية على مستوى الشّعر والرّواية، كمهرجانات «أيلة» و»المثلّث الذهبي» و»الجاكرندا».. ومهرجان «ألابريما» الفني في مصر.. إضافة إلى أنه حاصلٌ على جائزةِ «سواليف» في حقل المقالِ السّاخر، كما تم تكريمه عن مجمل أعماله في مقر جريدة الأهرام في مصر.. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 01-02-2024 08:07 مساء
الزوار: 484 التعليقات: 0
|