د. محمد عبدالله القواسمة من الملاحظ مع بداية الألفية الثالثة شيوع نوع من الكتابات الأدبية التي تتوخى السهولة والبساطة ومراعاة السائد، وقد تصل في بعض الأحيان إلى حد السذاجة إن لم نقل التفاهة. لا تقتصر هذه الظاهرة على ما يكتب في بلادنا العربية، بل تمتد إلى ما يكتب في الغرب أيضًا، وبخاصة في حقل الرواية؛ إذ برز ما يمكن تسميته الرواية الترفيهية، أي الرواية التي تهدف في الدرجة الأولى إلى الترفيه عن المتلقي، وطرد الملل عنه، وبعث الفرح والسعادة في نفسه بمخاطبة غرائزه وعواطفه، وامتلاك عقله،وأخذه بعيدًا عن حقائق الواقع إلى عالم الدردشة والثرثرة. وعادة تُقدّم الرواية الترفيهية بلغة شعبية لا تتحرج من استخدام الكلمات البالوعية الفاحشة، وتبني قضايا الشذوذ والعنف، والأفكار المتداولة، والسخرية من القيم الإنسانية والدينية. ما ساعد على انتشار الرواية الترفيهية هو ما خلفته التكنولوجيا الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وما أفرزته شبكة الإنترنت من آثار في جوانب الحياة المختلفة، ومن أهمها ميل الناس إلى الكسل، وشيوع النزعة الفردية بينهم. ولا ننسى الظروف التي رافقت جائحة كورونا من التزام الناس في بيوتهم والحرص على التباعد الاجتماعي، وتفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وانتشار الأمراض النفسية. كما رأينا في الدول الغربية ترحيب وسائل الإعلام المختلفة بهذا النوع من الروايات، وتسابق دور النشر على شراء حقوق نشرها، وإقدام شركات الإنتاج على تحويلها إلى مسلسلات فنية لتعرض على منصات فنية مشهورة. كل هذه العوامل كانت وراء انتشار الرواية الترفيهية بوصف الرواية الفن القادر أكثر من غيره من الأجناس الإبداعية على مخاطبة الناس وعرض مشاكلهم المختلفة. وكانت أكثر انتشارًا بين أجيال الشباب الذين يتلمسون طريقهم إلى المستقبل. من النماذج الساطعة لهذا النوع من الروايات رواية سالي روني Sally Rooney» أيها العالم الجميل.. أين أنت؟»وروني كاتبة أيرلندية شابة من مواليد عام 1991م، وقد صدرت لها روايتان قبل هذه الرواية هما: «محادثات مع الأصدقاء» 2017، و»أناس عاديون» 2018، التي تحولت إلى مسلسل تليفزيوني عام 2020م. تصدرت روايتها» أيها العالم الجميل أين أنت؟» التي نشرت حديثًا قوائم الكتب الأكثر مبيعًا، فيأيرلندا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وزاد الاهتمام بها عندما رفضت الروائية إعطاء حقوق ترجمة الرواية إلى دار النشر الإسرائيلية مودان؛ لأنها كما صرحت» لا تستطيع التعاون مع شركة لا ترفض العنصرية، ولا تدعم حقوق الشعب الفلسطيني.» كما أدانت الممارسات الإسرائيلية في فلسطين؛ لأنها لا تتوافق والقانون الدولي، وتتطابق مع سياسة التفرقة العنصرية التي طبقتها الأقلية البيضاء ضد الأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا في الفترة 1948 – 1991. وعودة إلى رواية»» أيها العالم الجميل أين أنت؟» فنلاحظ أن عنوانها مأخوذ من قصيدة للشاعر والفيلسوف الألماني فريدريش شيلر.تدور أحداثها حول أربعشخصيات شابة بعمر المؤلفة، بين العشرين والثلاثين. فنتعرف إلى أليس الفتاة الغنية التي ترتبط بعلاقة عاطفية بفيليكس الشاب الفقير العامل في مستودع. ثم نرى صديقتها أيلين التي تعمل في مجلة أدبية تتعرف إلى الفتى سيمون المستشار السياسي. وتبدو أهمية الإنترنت وبرامجها في تحقيق التعارف والتلاقي بين هذه الشخصيات، وإبراز ما تخوضه من نقاشات وحوارات، وما تتبادله من رسائل تدور حول هموم الحياة اليومية والحب والمال والدين والمناخ والاجهاض والعلاقات الاجتماعية. لا شك أن تعريفنا للرواية الترفيهية، كما تمثلت في رواية «أيها العالم الجميل أين أنت؟ « لسالي روني تتيح لنا القول،بغض النظر عن موقف الروائية المشرف من إسرائيل وعنصريتها، والذي أحرج بعض الروائيين العرب، من أمثال: علاء الأسواني، ويوسف زيدان اللذين منحا حقوق ترجمة رواياتهم لدور نشر إسرائيلية–إن هذا النوع من الروايات قد يحظى باهتمام وسائل الإعلام، ويتحقق له الانتشار والتوزيع الواسعين، وينال صاحبه الشهرة، لكن، كما أرى،هي شهرة مؤقتة؛ فالرواية الترفيهية تخلو من العمق الفكري، وتفتقد القدرة على التأثير في الواقع، إنها تؤدي دورها الترفيهي والمسلي في وقتها فقط. إنها رواية تشبه الوجبة السريعة التي سرعان ما يحس الإنسان بالجوع بعد وقت قصير من تناولها.
المصدر: جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 19-11-2021 08:51 مساء
الزوار: 569 التعليقات: 0