الهجاء هو نقيض المدح. ويعني ذكر العيوب ومثالب الشخص أو الجماعة. ويعتمد على السخرية والانتقاص من المهجو. وقد يظن بعض النقاد والدارسين أن الهجاء مقصور على الشعر فقط ولكنه في الحقيقة يستخدم في الرواية أيضًا سواء على المستوى الشخصي أم الجماعي، وإن كان الهجاء في الرواية يختلف اختلافًا واضحًا عنه في الشعر. ويكون الهجاء الشخصي في الرواية بأن يصور الروائي شخصًاعرفهمعرفة حقيقية تصويرًا كاريكاتيريًا أو إطلاق ألقاب سيئة عليه، أو وضعه في مواقف وضيعة، وفي أحيان كثيرة يقترب الروائي ممن يعرفه اقترابًا واضجًا فيشير إليه باسمه الأول أو الثاني. ربما يدرك هذا الشخص بأنه المقصود بما ورد في الرواية. ولكنه يجد من الصعوبة إثبات ذلك.أوربما يرى من المناسب ألا يتحدث في الأمر ليحافظ على سمعته ومنزلته في المجتمع. من الروايات التي يمكن أن تمثل هذا النوع من الهجاء رواية «المدير العام» لزياد قاسم، ففي هذه الرواية يتناول قاسم شخصية حقيقية هي شخصية المير العام الذي كان رئيسه في المؤسسة التي كان يعمل فيها.وقد نجح في إيصال هجاءه إلى هذا المدير في الرواية من خلال بناء الفضاء الروائي، الذي يقوم على الرموز والكنايات. ولا أحد يستطيع أن يعاين شخصية المدير العام الحقيقية إلا قارئ حصيف أو من كان على صلة مباشرة به أو بالمؤلف. ومثلها رواية مدن الملح لعبدالحمن منيف، فهي تضجبهجاء كثير من الشخصيات الحقيقية عن طريق الرموز وأساليب السخرية. وإذا كانت روايتا «المدير العام» و»مدن الملح» نموذجين للهجاء الفردي فإن روايتي نجيب محفوظ: «ثرثرة فوق النيل» و»الكرنك» نموذجين للهجاء الجماعي أو المجتمعي ففي رواية «ثرثرة فوق النيل» هجاء شديد لسلبيات المجتمع المصري في عهد عبد الناصر حتى إن المشير عبد الحكيم عامر وزير الحربية لوح بتأديب محفوظ على هذه الرواية، ولكن عبد الناصر أنقذه من ذلك واعتبر المسألة منتهية، بعدما قدم وزير الثقافة ثروت عكاشة تقريرًاعن الرواية بناء على طلبه ذكر فيه بأن الرواية لا تهجو النظام، وطالب بقليل من الحرية والتسامح مع الكتاب، لأن في ذلك دعاية للنظام في الخارج. أما رواية «الكرنك» فقد هجا فيها محفوظ كذلك النظام المصري وجهاز المخابرات أيام عبد الناصر هجاء مقذعًا. ومن الروايات العالمية المشهورة في الهجاء السياسي رواية «مزرعة الحيوان» للروائي البريطاني جورج أورويل، فقد هجت بشدة مستخدمة الرموز الحيوانيةالثورة الروسية، والحزب الشيوعي السوفييتي، وسياسة جوزيف ستالين، التي خدعت الشعب، وابتعدت عن هدفها الأصلي، في تحقيق العدالة الاجتماعية. وإذا كانت ورواية «مزرعة الحيوان» هجت النظام الشيوعي فإن رواية «كوخ العم توم» لهاريت ستاو هجت التمييز العنصري الذي شهدته أمريكا قبل الحرب الأهلية الأمريكية في عام 1861. وكان لهجاء الرواية تأثير كبير في ثورة تحرير العبيد التي قادها إبراهام لينكولن. إن الهجاء في الرواية لا يقل تأثيرًاعن تأثير الهجاء في الشعر، بل إنه يتفوق عليه في عدم تركيزه على الفرد؛ فما يهمه هو الجماعة في الدرجة الأولى، حتى إن هجاءه للفرد يتم من خلال تصوير حركته في الحاضر الروائي؛ لهذا فهو يتناول رقعة واسعة من المجتمع، وقد يتناول المجتمع كله. ما نريد أن نقوله في النهاية إن الرواية فن الهجاء الفردي والمجتمعي بامتياز، وعلى الروائيين إدراك أهميته، وتوجيهه في رواياتهم لفضح الظلم والخراب من حولهم، كما على مسؤولي الثقافة في بلادنا إدراك أهمية الروائي؛ لأنه يملك سلاح الهجاء الذي لا يقل خطورة عن سلاح الهجاء في يد الشاعر .