|
عرار:
نضال برقان يذهب الروائي الأردني جلال برجس إلى أن «أجمل ما يحدث للكاتب هو أن تصل كلمته إلى عقل القارئ وقلبه على حد سواء». ويضيف برجس، الذي وصلت روايته الجديدة «دفاتر الوراق» للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، أنه يكتب «رواية ما بعد حدواثية من حيث شعرية الحدث والتشظي، وتعدد الأصوات والأبعاد، والاهتمام بعناصر التشويق، والمباغتة». برجس نفسه شاعر وروائي أردني يعمل في قطاع هندسة الطيران، وهو رئيس مختبر السرديات الأردني، ومعد ومقدم البرنامج الإذاعي «بيت الرواية»، كتب الشعر والقصة وأدب المكان قبل أن يتجه إلى كتابة الرواية، في العام 2015 حصلت روايته «أفاعي النار- حكاية العاشق علي بن محمود القصاد»، على جائزة كتارا للرواية العربية، كما وصلت رواية «سيدات الحواس الخمس»، إلى القائمة الطويلة في الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر. كنتُ التقت الروائي برجس، وأجرت معه الحوار الآتي حول روايته الجديدة.. * نبدأ من الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، إذ وصلت روايتك الجديدة «دفاتر الوراق» (والتي صدرت حديثا في طبعة ثانية) للقائمة القصيرة للجائزة، وبينما ننتظر إعلان الفائز بالجائزة في الخامس والعشرين من أيار المقبل، كيف تقرأ هذا الوصول؟ وما الذي يعنيه لك على صعيد التجربة الشخصية؟ - في وصول «دفاتر الوراق» إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية سعادة كبيرة لي لأن ما حدث هو وصول للفكرة والهاجس الروائيين اللذين عملت عليهما لسنوات. إن أجمل ما يحدث للكاتب هو أن تصل كلمته إلى عقل القارئ وقلبه على حد سواء، فالرواية –أي رواية- هي مقترح إنساني بوصلته ما حدث وما يحدث حولنا وما سيحدث، إننا نقدم رؤانا في زمن باتت فيه الرواية المنبر الأدبي الأول من حيث القراءة والكتابة. على صعيد التجربة الشخصية فإن ما حققته الرواية من مقروئية عالية وتوالي للطبعات هو نجاح للمسارات الروائية الأسلوبية واللغوية والموضاعتية التي ذهبت إليها مؤخرًا، ومن جهة أخرى التفكير بجدية أكثر في مشروعي الروائي وما القادم فيه. * تعكس الرواية ذلك الصراع الأزلي بين الشر والخير، في روايتك جاء بإسلوب جديد ومبتكر، من خلال الفصام الذي يصاب به الورّاق، والذي سيسكن فيه صوتان: واحد مُحرض على ارتكاب الجرائم انتقاما من واقع لم يمنحه حقه في العيش، والثاني يقف بوجهه مستندا على المعرفة، وهنا أسأل عن أهم الأسئلة التي حاولت الرواية إثارتها، من خلال اشتغالها على هذا الصراع الأزلي؟ - هناك أسئلة عديدة تكفلت الرواية بإثارتها أهمها صراع الإنسان المطحون مع مطحنته وكيف ينبغي أن يكون في اللحظة التي يجب أن يصمد فيها البيت بكل مستوياته. عبر أجيال الرواية سيجد القارئ أن الزمن يمشي في أنبوب من جليد ولكن له ألوان توحي بالدفء الأمر الذي يقودنا إلى تأمل تلك الحالة من الركود وعدم التمايز بين الماضي والحاضر فالذي كنا عليه نحن عليه في هذه الأيام، فلماذا لم نتغير؟ وكيف سنكون إذن في المراحل القادمة؟ لهذا وقف إبراهيم الوراق أمام شكل غريب من أشكال الصراع بينه وبين صوت الكائن الذي يكمن في بطنه، فرغم انحيازه كمثف إلى محمولاته المعرفية إلا أنه انهار أمام سوءة الواقع فتحول إلى مجرم، وهذا سؤال آخر من أسئلة الرواية: إلى أي مدى يمكن للمحمولات المعرفية أن تجنب صاحبها الانخراط في نتائج المأساة ومخلفاتها. تطرح الرواية سؤال الإنسان في هذا الزمن الإشكالي: سؤال الأبوية، سؤال البيت، سؤال المعرفة، سؤال المطحون ومطحنته. * تعالج الرواية بعض القضايا المسكوت عنها في المدونة السردية العربية، على غرار قضية مجهولي النسب، أو الانتماء إلى عوائل صغيرة (ما يمثل معادلا موضوعيا لهشاشة الكينونة في الراهن المديني (نسبة إلى المدينة وليس إلى المدنية) القاسي، والمتناقض، وربما الشرس)، فما الذي تود قوله عبر تناولك لمثل هذا القضايا؟ أو.. ما الذي تراه (خطرا) في الراهن وترغب بالإشارة إليه من خلال هذا التناول؟ إن أكثر ما شهدته مرحلة ما بعد الحداثة هو صعود الشعبوية والتيارات المتطرفة على صعيد العالم، وفي المضمار نفسه عربيًا نشهد تقدمًا للمرجعيات الاجتماعية الأمر الذي يدفع بالمرجعية الإنسانية إلى الوراء، فمجهولي النسب في «دفاتر الوراق» يبحثون عمن يمنحهم نسبًا، وهوية تؤهلهم للعيش بسلام في الفضاء الاجتماعي الذي يبدو فيه وكأن مجهولي النسب ينتمون إلى عرق خارج السياق الأرضي. والدكتور يوسف يبحث عن الانتماء إلى قبيلة كبيرة تملأ تلك الهوة الفاغرة فاها في دواخله، وإبراهيم الوراق رغم انتمائه إلى قبيلة إلا أن مصيره آل إلى التشرد وفقدان البيت. عند نقطة معينة في الرواية يتساوى الجميع وهم يقفون أمام هول المشهد ومصير البيت. إن إقصاء إنسانيتنا بهذا الشكل الذي يشهده العالم سيؤدي إلى مزيد من الخراب. * يتخذ المكان دورا فاعلا، ورئيسا في رواياتك، عادة، وهو ما تعزز في هذه الرواية، فماذا عن خصوصية عمّان في الرواية؟ وما الذي تريد أن تقوله من تلك المكانة الكبيرة التي يتخذها المكان في رواياتك، وربما من منتجك الأدبي بعامة؟ - بما إن الرواية ذات بعد عربي ينطلق من عمان فلابد من خصوصية مكانية لا تنفصل عن المكان العربي وتتميز فيه عما حظيت به من سمات جغرافية وثقافية واجتماعية هذا كله لا يمكن أن يأتي من دون الاهتمام بالمكان العنصر الذي أؤمن به في أي عمل روائي لأنه شريك أساسي في اللحظة ماضيها وحاضرها ومستقبلها، دعنا نقول إنها مقاربة (باشلارية) للأمكنة وما تمثله في عيش الإنسان؛ فالبيت المهجور الذي لاذ به مجهولو النسب لم يكن مجرد مكان مهمل بل بقيت ذاكرته حية طوال الرواية وكيف تقاطعت تلك الذاكرة بالذاكرة التي أسسها مجهولو النسب. * في الرواية عدد من الساردين، الذين يتناوبون على الإمساك بزمام السرد، عبر عدد من «الدفاتر»، وكل واحد منها يروي حكاية ما من جانب ما لتكتمل الصورة، برأيك ما الضرورية السردية والجمالية لهذه التقنية (تعدد الساردين) في الرواية؟ - هناك عدد من الضرورات لهذا المنحى السردي منها ديمقراطية السرد في أن نترك لكل شخصية تروي حكاياتها، ومنها كسر الرتابة التي يمكن أن تجعل القارئ يتوقف عن القراءة، وأهمها بالنسبة لي هي اعتماد مبدأ الزوايا المتعددة في الذهاب إلى الفكرة التي تقوم عليها الروائية بحيث يعيش القارئ لحظة السرد من أكثر من بعد. * تنهض الرواية على بعد بوليسي تشويقي، وهو ما كنا وجدنا شيئا منه في روايتك السابقة (سيدات الحواس الخمس)، وهو ما يحيلني للسؤال حول رؤيتك للرواية البوليسية، وكيف يمكن أن نقدمها برؤية جديدة؟ - ما أكتبه لا يندرج في إطار الرواية البوليسية المتعارف عليها كلاسيكيًا، إنما أكتب رواية ما بعد حدواثية من حيث شعرية الحدث والتشظي، وتعدد الأصوات والأبعاد، والاهتمام بعناصر التشويق، والمباغتة الأمر الذي له أن يُبقي على القارئ في سياق تلقيه بيسر ومتعة. أمام كل هذه العناصر حافظت على أدوات الذهاب إلى دواخل الشخصيات، وتتبعها نفسيًا، وفكريًا، واجتماعيًا، وسياسيًا. بمعنى آخر إنه رهان على كتابة رواية حديثة لا تغفل أدوات الرواية الجادة. المصدر: جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 10-04-2021 11:27 مساء
الزوار: 1282 التعليقات: 0
|