|
عرار:
محمد المشايخ تنتمي رواية الأديب نازك ضمرة (أوطانٌ ورجالٌ في حياتها) إلى سلسلة الروايات العربية المتخصصة في الصراع العربي الصهيوني، والحروب التي اندلعت على إثره، وما تلاها من نزوح ولجوء وتهجير قسري، بدأ على إثر نكبة عام 1948، ونكسة عام 1967، وامتدت آثاره إلى عام 1990، حين غادر اللاجئون الفلسطينيون الكويت. وفي الوقت نفسه، تنتمي هذه الرواية، إلى سلسلة الروايات العربية المتخصصة بالمرأة وحقوقها، حيث أطلعتنا على أدق التفاصيل المتعلقة بأسرار البيوت، والمجتمعات، وما فيها من علاقات جنسية تصل أحيانا حد الاغتصاب، بالإضافة إلى ما كشفته من خلافات عائلية كانت تؤدي أحيانا إلى تمزيق النسيج الاجتماعي. ثمة ذاكرة قوية، تمتع بها الروائي المبدع نازك ضمرة، مكنته من الإمساك بجميع خيوط الرواية رغم كثرتها، ليوصل لنا خلاصة حمولته الفكرية، المتمثلة في الدعوة إلى التمسك بالأرض الفلسطينية، وبحق العودة إليها، وفي الوقت نفسه، إجراء إصلاح اجتماعي يؤدي إلى تغيير إيجابي في السلوك، لضمان حقوق وسلامة المرأة وعفافها وشرفها وشرف عائلتها من الشواذ وضعاف النفوس. وقد تمتعت هذه الرواية، بنهاية مفتوحة، أعطت قراءها فرصة استشراف مستقبل شخصياتها وأحداثها، ومنحتهم الحق في تصوّر الخيارات أو الاحتمالات المتوقعة لكل منهم، وكان ذلك بسبب»الكورونا»التي حرمت مبدعها من فرصة مجاراة خيوطها ، الأمر الذي قد يحتاج لعشرات الصفحات الإضافية. في رواية (رجالٌ في حياتها) ،روائي سّارد يتحمّل عبء السرد نيابة عن سارد خارجي، ليقدّم لقرائه سيرة فردية ارتبطت بشخصية بطلتها (سمحة)، وزوجها الأول (رعاش) وزوجها الثاني (درويش، وشقيقه مستنير) ووالدها (حمشان) ووالدتها (فتوحة) وابنها (مسامح) وزوجة ابنها (ديما) وشقيقها الكبير (سمحان) إلى جانب عدد من الشخصيات الفرعية. ويقدم نازك ضمرة في روايته أيضا إلى جانب السيرة الفردية لتلك الشخصيات، سيرة غيرية شعبية جماعية فلسطينية وعربية قومية، من خلال تقنية التناوب، وهي توليفة بين المساقات السردية التي تتناوب في أثناء السرد، لتـُبرز التزام نازك ضمرة بالهموم الوطنية والاجتماعية للأمة، وإدراكه للفروق الواسعة بين إبداع الرواية، وبين كتابة التاريخ، أو تدوين المواثيق الخاصة بحقوق الإنسان بعام ة، وحقوق المرأة بخاصة، ومن هنا كانت روايته بعيدة عن المـُباشرة من جهة، وعن التسجيلية من جهة أخرى. كان نازك ضمرة، هو الراوي العليم، الذي يمتزج وعيه بوعي الشخوص وعالم الرواية، بعد أن كلـّفته بطلتها، في حيلة سردية قد لا تتكرر، أن ينوب عنها ، في إعادة صياغة قصة حياتها والتعبير عما جرى لها بصدق وجمال، وقد نجح في ذلك أيّما نجاح، بدليل، هذا التشويق، وهذه الجاذبية التي اضفاها على السرد، حتى حرم قراءه من فرصة إغماض أعينهم - ولا سيما عند المشاهد الساخنة التي بثها- إلا بعد عودة كل منهم من بحره رويانا. نازك ضمرة روايته بجرأة وانطلاق ، وفي مواقف كثيرة، كان يـُشعر القارئ، انه يطالع لقطات ومشاهد سينمائية، أكثر من مطالعته لمادة مكتوبة، هذا عدا عما في روايته من لوحات تشكيلية بصرية، امتزجت فيها روعة الوصف المادي، مع المشاعر والأحاسيس والعواطف المعنوية. تتنوّع شخصيات الرواية بين النوع الواعي والناضج وطنيا واجتماعيا، وبين الشواذ جنسيا، والمُدمرين أخلاقيا وإنسانيا، وكان كل هم الروائي نازك ضمرة، خلق شخصيات علاقاتها الإنسانية متينة، ووحدتها الوطنية ذات جذور ضاربة في أعماق التاريخ. أضفى نازك ضمرة على روايته بعد أسطوريا حين أسمى والد بطلتها (حمشان) ، وأحدث فيها تداخلا بين عدد من الأجناس الأدبية، ولا سيما المتواليات القصصية، ولطالما أورد فيها قصة داخل قصة،وأدب الاعترافات، لا سيما وأن بطلتها قالت في الرواية ما لم يقله جان جاك روسو في اعترافاته، وأدب المذكرات، وأدب المخيمات،وأحدث أيضا تماسا مع الأقانيم الثلاثة (الدين، والسياسة، والجنس)، وكان قريبا جدا من الرواية السيكولوجية، ومن اسلوب وجهات نظر الشخصيات، عدا عما بثه في الرواية من مونولوجات داخلية، ومن مؤثرات خارجية بدت من خلال تقنية الحوار الصحفي مع البطلة، ومن خلال استضافة تلك البطلة لقارئة الفنجان. وفي الختام، هذه رواية ابدت سعة ثقافة الأديب نازك ضمرة، وحجم خبراته وتجاربه في الحياة، عدا عن موهبته الفذة، التي ابدعت هذه الرواية، التي جعلتنا نقضي أوقاتا سعيدة ونحن نطالع كيفية انتصار الخير على الشر. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 19-06-2020 11:43 مساء
الزوار: 768 التعليقات: 0
|