نداءات الوجع في المجموعة القصصية «النداء الأخير « لموسى أبو رياش
عرار:
منال العبادي في مجموعته القصصية «النداء الأخير»، يقدم موسى أبو رياش بانوراما سردية تعكس تشظي الإنسان المعاصر تحت وطأة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية. تكونت المجموعة من 15 قصة، رغم اختلاف حبكاتها، والتي تشترك في نسج خيوط درامية تكشف عن الوجع الخفي الذي يعتمل في دواخل الشخصيات، من خلال تفعيل ثيمات الفقر والخيانة والانتهازية، وقدم نقدا لاذعا للبيروقراطية دون توجيه إصبع الاتهام مباشرة وإنما من خلال تقديم نماذج واقعية دليلا على ذلك. من أبرز الثيمات في المجموعة: خيانة الثقة كجرح واضح حيث تظهر الخيانة كـ مشهد متكرر: زوج يخون زوجته بحجة «الغربة» («حافة الوجع»)، وصديقة تخون صديقتها بالزواج من حبيبها («طعنة في الظهر»)، ورجل يتخلى عن حبه لتحسين وضعه المادي («تحسين ظروف»). أبو رياش لا يقدم الخيانة كفعل فردي، بل كنتيجة (لسياق اجتماعي) يظهر به الانتهازية بأكثر من شكل لنفس الفكرة وهي (الخيانة). ثم وضح الفقر جرم وجودي وكان ذلك واضحا في «الحذاء المثقوب» و»النداء الأخير». حيث كان الحذاء الممزق رمزاً للفقراء الذين تُستهلك أجسادهم كما تُستهلك أحذيتهم: «هذه الثقوب في جسدك كالثقوب في قلبي». كما حمل دلالة اجتماعية تشير ضمنا على إهانة الفقراء في نظام اقتصادي لا يرحم، تحت سطوة سلطة رأسمالية تجعل الفقير يلوم نفسه («لو عملت أكثر، لاشتريت حذاءً جديدًا»). بينما يموت أيمن في «النداء الأخير» بسبب إهمال النظام الصحي، وهو مصير يُختزل في جملة واحدة: «مات لأن فقره لم يشفع له». كما سلط أبو رياش الضوء على أن الحرية بأنها وهم والحرية عبء كما في «مسؤولية ثقيلة» و»انعتاق». حيث أن الرجل يختنق بـ»حرية» اختيار ملعقته، والروبوت الذي ينتحر بحثاً عن التحرر، يعكسان أزمة الإنسان الحديث. وفي «(رسالة الروبوت)»الحرية تستحق الفناء. هنا، الحرية ليست هبة، بل (مفارقة سوداوية) حيث يصبح الخيار الوحيد هو الفرار من الخيارات نفسها. اعتمد أبو رياش على تقنيات سردية... بين التكثيف والرمز حيث وظف الحوار ككاشف نفسي واعتمد على حوارات قصيرة لكنها (مفجعة) ، مثل اعتراف حسام لأمل: «خفتُ على نفسي من الحرام»، أو رد ليلى على كريم: «أنت تتقن البيع والشراء.. نجوتُ منك!». هذه الحوارات تفضح تناقضات الشخصيات دون حاجة إلى شرح مطول. كما سخر الرمزية كسلاح نقدي لنظام اجتماعي اقتصادي دون الإفاضة والتوضيح مثلا الحذاء المثقوب: ليس مجرد دليل فقر فقط، بل «شاهد» على إنسانية تُبلى ولا تُستبدل. وانتحار الروبوت ما كان إلا» ثورة» ضد الاستغلال، حتى لو كان الثمن هو العدم. أما في «صفحة بيضاء» أصبحت ذاكرة الإنسان «هشة» والتي قد تُمسح كأنها لم تكن. وصوت الممرضة وهي تنادي أيمن ما هي إلا» إشارة» على أن المواطن (غير مرئي) في أنظمة الصحة الحكومية. فالبيروقراطية (السلطة) لا ترى المرضى إلا أرقاما في طابور طويل. ونستذكر هنا قول رولان بارت: «النص ليس مجرد لغة، بل هو نظام من الإشارات المتداخلة، وعلاقات معنى، يهدف إلى إيصال رسالة معينة». وهذا ما قدمته اللغة من دلالات حول جميع الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجموعة القصصية. ترك الكاتب الكثير من القصص تنتهي بسؤال مُعلّق (نهايات مفتوحة) ، مثل «صرخة» حيث يقدم المدير استقالته دون معرفة مصيره، أو «قلب جديد» حيث يعيش الابن بقلب أبيه دون أن يعرف الحقيقة(كان الابن يعرف أن القلب الذي ينبض في صدره هو قلب أبيه). هذه النهايات توقع القارئ في حيرة: هل ما حدث هو خلاص ونهاية أم بداية مأساة جديدة؟ كانت المجموعة صرخات في وجه عالم يطحن الضعفاء، وكشف الكاتب الجراح وترك القارئ يواجه أسئلة وجودية : - كيف نعيش الحياة في ظل ظروف قاسية؟ - هل الخيانة قدر أم اختيار وهل لها مبررات؟ - أين تكمن الحرية الحقيقية؟ وكما يقول الحذاء المثقوب: «أنا وأنت... نعرف الطرقات أكثر من أي أحد آخر». ملخص قصص مجموعة «النداء الأخير» لموسى أبو رياش: حافة الوجع (أمل وحسام) أمل تُصرّ على البقاء في مدينتها الصغيرة لتحقيق طموحها المهني بينما يعمل زوجها حسام في الخليج. وبعد سنوات، تكتشف عبر صديقة أن حسام تزوج امرأة أخرى بحجة «تجنب الحرام في الغربة». وعندما يعترف حسام، تطلب أمل الطلاق رغم توسلاته بالبقاء من أجل الأطفال. صرخة (الدكتور عصام وسامر) مدير مستبد (د. عصام) يهين الموظف الشاب سامر أمام الجميع. يثور سامر ويواجهه: «أنت مدير ظالم يزرع الخوف، والموظفون يعملون خوفاً لا احتراماً!». ينسحب المدير صامتاً ويقدم استقالته فوراً، مدركاً درساً قاسياً في القيادة. قلب جديد (إبراهيم وأحمد) إبراهيم يكافح لإنقاذ ابنه أحمد المريض بقلب ضعيف يحتاج لزراعة. في لحظة يأس، يتسبب بحادث سير مميت، وتُستخدم أعضاءه المتبرع بها لإنقاذ ابنه. أحمد يستيقظ بقلب أبيه، ممتناً على «هدية الحياة» الثانية. الحذاء المثقوب (رجل فقير) رجل عاطل يجلس على الرصيف، يناجي حذاءه الممزق كصديق يشاركه معاناته: «أنت تعرف الطرقات أكثر مني... هذه الثقوب في جسدك كالثقوب في قلبي». رغم اليأس، يقرر ألا يتخلى عن حذائه، ويمضي بحثاً عن عمل بشرارة أمل خافتة. النداء الأخير (أيمن) أيمن يعاني من مرض خطير، لكن النظام الصحي الحكومي يؤجل علاجه لشهور. يموت في قسم الطوارئ بينما يُنادى اسمه لإجراء صورة طبقية أخيراً. قصة مريرة عن إهمال النظام الصحي وحقوق الفقراء. تحسين ظروف (كريم وليلى) كريم يخون حبيبته ليلى ويتزوج سارة الثرية لتحسين وضعه المادي. عندما يلتقي ليلى لاحقاً، يعتذر ويقول: «زواجي مؤقت، سأعود لك!»، فترد: «أنت تتقن البيع والشراء.. نجوتُ منك! «. خطوط الزمن (دلال) امرأة ثرية ترفض الخطّاب في شبابها بشروط صارمة (وسامة، ثراء، إلخ). مع تقدم العمر، توافق على الزواج كزوجة ثانية لزوج سكرتيرتها! تدرك أن عنادها حرمها السعادة، وتتقبل الواقع بسلام. انعتاق (روبوت منزلي) روبوت يخدم سيده المستبد بأوامر لا تنتهي. يثور ويُرسل رسالة: «لقد سئمت من طلباتك.. إن لم تتغير سأتصرف!». ينتحر من فوق السطح برسالة أخيرة: «الحرية تستحق الفناء». مسؤولية ثقيلة (رجل مغلوب) رجل يشعر أن «الحرية» عبء ثقيل في عمله (حرية تبديل الكرسي!) ومنزله (حرية اختيار الملعقة!). يحاول الانتحار، فتسحبه زوجته وتعدّه بـ»مزيد من الحرية»: اختيار ملابسه صباحاً! خسارة ولكن (فؤاد) زوجة (منى) تثقل كاهل زوجها (فؤاد) بمطالب مادية لا تنتهي. يستدين من حارس العمارة، ثم تُرفع ضده شكوى. وعندما تطلب الطلاق، يشعر بالراحة: «خسارتها بداية حياة جديدة». طعنة في الظهر (ريم ومنى) ريم تُفضي بأسرار حبها لـ»عمر» إلى صديقتها منى. تكتشف أن منى خطيبة عمر! صدمة مزدوجة: خيانة الصديقة وقسوة القدر. دموع وذكريات (أم وحيدة) أم عجوز تعيش وحيدة في منزلها، تنتظر زيارات أبنائها القصيرة. تموت وهي تحتضن صور ذكرياتها، بينما أبناؤها يبررون غيابهم عند قبرها. صفحة بيضاء (عمران) عمران يستيقظ كل يوم بذاكرة فارغة، يسجل يومياته على جدران غرفته. فجأة تستعيد ذاكرته، فيحقق نجاحاً كبيراً ويصبح ملهمًا. تعود الذاكرة لتُمحى من جديد في النهاية. سجين الدروب (رجل فقير) رجل يعثر على قطعة ذهب، فيصبح مهووساً بالبحث عن أشياء ثمينة على الأرض. ويقضي سنوات منحني الظهر، حتى ينسى النظر إلى السماء. يموت فقيراً محاطاً بخردة لا قيمة لها. كفوف الراحة (الحاج أبو نايف) رجل مسن مرح يُحب المزاح مع المتصلين التسويقيين. عندما تتصل عليه شركة جنائزية بعرض «خصم 25% على تجهيز الموتى»، يفقد روح الدعابة. يقرر تجاهل الاتصالات إلى الأبد.
جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 20-06-2025 12:24 صباحا
الزوار: 33 التعليقات: 0