|
عرار:
الأديبة صفاء الحطاب مجموعة قصصية من خمس عشرة قصة قصيرة، كتبت في مراحل مختلفة من تجربة القاص والروائي يحيى القيسي السردية، امتازت المجموعة بقدرتها العالية على التأثير في المتلقي وترك انطباع قوي في وجدانه، إذ ركزت كل قصة من المجموعة على موضوع أو فكرة أو حبكة واحدة محملة برسائل وأفكار إنسانية فلسفية تتناول قضايا متنوعة، تترواح من هموم حياة الفرد اليومية إلى قضاياه الكبرى التي تشغله كالموت مثلا، تغوص قصص هذه المجموعة في النفس الإنسانية عميقا، وتطرح عليها أسئلة متعددة، وتطرق أبواب الفكر والشعور، فعند قراءة قصة «مائدة الوحشة» مثلا، لا بد أن يتماهى المتلقي مع الوحدة الشعورية التي عاشها الكاتب عند كتابة تلك القصة، ويمكنه في ذات الوقت أن يسقط تلك المشاعر على نفسه أيضا كتجربة إنسانية عامة. برع الكاتب في استخدام أدواته الفنية وبلغة عالية، فوظف التكثيف والاستعارات والتشبيهات ووصف التفاصيل الصغيرة والأصوات لإضفاء الواقعية على قصصه، فقد سيطرت على المجموعة سمات المشهدية العالية، وكأن القيسي كان يرسم بقلمه صورا ومشاهد متكاملة، استمدها من ذكريات القرية ومرحلة الطفولة وعلاقته بالبيئة والمكان من حوله، وبدء إدراكه لضرورة فهم العالم وبناء منظومة فكرية خاصة به عبر طرح الأسئلة الفلسفية عن كل ما يحيط به، لبناء عوالم وشخصيات قصصه، كما حصل في قصة «فطومة» ابنة السابعة وصديقة طفولة الراوي التي ماتت بلدغة عقرب أثناء عملهم في جمع شتلات العدس دون أن يستطيع تفسير ذلك الحدث المؤلم بالنسبة له كطفل، وانتهاء بدعوة الشخصية الرئيسية في قصة «تلك الليلة» كجندي احتياطي للالتحاق بمكتب التعبئة العامة للجيش، في اليوم الذي سبق موعد تحقيق حلمه بالسفر إلى العالم الكبير، وما فرضه ذلك عليه من تحديات وصراعات داخلية. وكان توظيف بعض الكلمات المستمدة من الثقافة الأردنية في قصة «مخاض الأيام العواقر» ذكيا جدا، فقد استطاع الكاتب أن يؤرخ لمرحلة تاريخية معينة قبل وصول الكهرباء لشمال الأردن بكل تفاصيلها وأدواتها وممارستها اليومية انطلاقا من الذاكرة الفردية. واعتمد القيسي على الإيجاز المبني أحيانا على التنبؤ والسخرية والرمزية في البناء التصاعدي للحبكة المتماسكة، متمثلا ذلك في الصراع الخارجي المحيط بالشخصيات، والصراع الداخلي في أعماق كل شخصية؛ للوصول بالقارئ إلى التماهي مع الشعور الذي يتملك تلك الشخصية في قمة الذروة الدرامية التي تقصدها الكاتب عند بناء حبكته للتعبير عن أفكاره ومشاعره، كما في قصة «كافكا...اللعنة عليك» وقصة «كيف تمسك أرنبا». يمكننا القول إن هذه المجموعة القصصية نسجت بلغة عالية، وطرح الكاتب عبر سطورها أفكاره ونقده للواقع ومعاناته الوجودية بمهارة الأديب المشتبك مع ذاته وحاضره وماضيه، وبقلم المبدع المتمكن من أدواته الفنية. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 21-11-2024 10:40 مساء
الزوار: 26 التعليقات: 0
|