|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
البحث عن الذات في رواية «قلب لاجئ» لإيمان منتصر
عاشقة
الصحراء :
أحمد الغماز
في روايتها الصادرة عن دار المثقف للنشر والتوزيع، تطل علينا الروائية والشاعرة المصرية إيمان منتصر برواية تحدث عنها العنوان قبل المتن، ولأن المقولة النقدية المتعارف والمتفق عليها: بأن العنوان هو عتبة النص وهو المفتاح لكل الأبواب المغلقة للمتن بين دفتي الكتاب، استطاع القارئ أن يبني فكرة مسبقة، عن ذلك القلب اللاجئ جاء العنوان من كلمتين (قلب لاجئ) المبتدأ هو القلب بدلالاته المجروحة بفعل الخبر وهو اللجوء، لذلك سوف يتهيأ القارئ لرواية، قام العنوان بوشاية بريئة له، بأنه سيكون أمام حالة من اللجوء، لكن هل هو اللجوء الحقيقي أم لجوء من نوع آخر، هذا ما ستخبرنا به الرواية. لميس صحفية متمردة على الحياة والواقع قبل الزواج وهي تكافح من أجل حياة غير تقليدية، تدافع عن حق المرأة باتخاذ القرار المناسب لها، وترفض المجتمع الذكوري المتسلط من وجهة نظرها، تتزوج برجل أعمال فاسد وله علاقات نسائية كثيرة، لا تستطيع العيش بظل هذا الرجل، أصبحت تعاني من فقد اللهفة على الأشياء وغرقت في مستنقع الوحدة بعد الزواج، تتعرف على شاب يروق لها، أحمد الذي يظهر لها بأنه الفارس الذي جاء من زمن الفضيلة لينقذها من براثن زوج متهور، لكنها في قرارة نفسها تعرف بأنه أيضاً لا يختلف عن زوجها (كلكم تشبهون بعض) هكذا ردت عليه عندما حاول أن يتقرب إليها كثيراً. تعود لعملها الصحفي ويكلفها رئيس التحرير بمهمة لعمل تقرير صحفي عن اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري، في الأردن. هنا تعود لميس للبحث عن ذاتها الضائعة بين الزوج والحبيب المفترض وتصر على السفر لإكمال مشروعها الصحفي الذي طالما حلمت به. تتدرج الروائية وعلى لسان لميس الشخصية المركزية في الرواية بإدخال القارئ أو تحويله لمشاهد أمام فيلم سينمائي، تلك الفراغات الصغيرة التي أقحمت القارئ _ رغماً عنه - ليدخلها - كانت تماما تشبه آلاف الشجيرات الصغيرة داخل غابة من الكلمات ليصل إلى الشجرة الأم (الحدث) الرئيسي التي تتحدث عنه الرواية جاءت الأحداث كلها على لسان لميس فكانت هي الراوية لمجمل تلك المشاهد في مخيم الزعتري، المكان الهندسي والحميمي الذي شيدته الروائية بكثير من الخوف وكثير من الألم الذي جاء على لسان ضحايا الحرب واللجوء. في عالمها الروائي أتقنت ايمان منتصر رسم شخصياتها الداخلية والخارجية وبينت للقارئ مدى التشوهات التي لحقت بشخصياتها النسائية، وهنا لنا وقفة، ترى لماذا لم يكن هناك شخصيات ذكورية في مخيم الزعتري لتتحدث عنها؟ ربما كما قلنا منذ البداية: هناك هاجس المرأة المقموعة من السلطة أياً كانت، سلطة الذكور أو سلطة أمراء الحرب الذين أذاقوهن ألوان العذاب، وكأن إيمان تريد أن تصرخ بوجه هذا العالم البليد الذي يغض الطرف عن تلك الجرائم. من آثار الحرب على شخصيات الرواية (شامية) تلك الفتاة الغضة التي ترتدي ثوب الزفاف وتركض في أرجاء المخيم بجنون، فقدت حبيبها الكفيف والتي ناضلت لأن يكون لها زوج المستقبل، وفي غارة وحشية مفاجئة لم يتبق من عريسها سوى يده وهي تقبض عليها، هذا المشهد برعت الروائية في تصويره بدقة تكاد تحاكي كاميرا التصوير في نقل الحدث. لم تقل الرواية الواقع فقط، بل جعلت من المتخيل الذي أخذ مادته الأولية من الواقع جسراً للقارئ ليكون له رأيا اخراً في النص في الجزء المتخيل، تقع لميس أسيرة في يد الجماعات المسلحة أثناء العودة من المخيم، فتقوم تلك الجماعات باحتجازها في مزرعة بعيدة عن أعين السلطات، تبرز شخصية متخيلة لسيدة يلقبونها بالملكة، مسؤولة عن احتجاز وتعذيب الأسيرات، وهنا لا بد لنا من وقفة أيضاً. حاولت الروائية أن تقف على الحياد من شخصياتها، وهذا الأمر يحسب لها، فهي منذ البداية لم تصطف مع جانب دون الآخر في الحرب، بمعنى أنها طبقت النظرية النقدية الحديثة بمثلث الإبداع، الذي يتكون من الكاتب والنص والقارئ، وهنا كانت مهمتها تتلخص فقط بإضاءة تلك المناطق المعتمة ليخرج القارئ برأي خاص به أو كما يقال : تجعل قارئها يدير عنقه. وهذا يتلخص أنها أيضاً جرمت تلك السيدة الملقبة بالملكة مع أنها أنثى، إذن هي لم تصدر الأحكام بالمطلق على المجتمع الذكوري في الرواية صرخات مدوية ومشاهد قيلت بحرفية عالية وبإحساس فاتن، الأطفال اللاجئون الذين أخذهم البحر أثناء الترحيل لمدن أوروبا، تعرية ذلك العالم الخفي من تجار البشر في السوق السوداء، مشاهد الغرق والصبايا اللاجئات وهن يطاردن من استطاعت إيمان منتصر في روايتها قلب لاجئ أن تنقل لنا صور البشاعة التي وصل اليها العالم المتحضر في التعامل مع قضية إنسانية سببها الحرب، وهي صرخة مدوية جاءت من شخصياتها الأسيرات واللاجئات بفعل العنف المجاني، الذي ذهب ضحيته فقط الأبرياء. الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الإثنين 26-04-2021 02:10 صباحا الزوار: 710
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
«12:21» رواية للأردنية رؤى أبوالسعود.. ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 27-11-2024 |
رواية فراري.. مصائر متقاطعة والمرأة في ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 21-11-2024 |
تجليات الجزيرة في رواية المنسيون بين ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 09-11-2024 |
رواية مريم... ذاكرة وطن وحكاية أمل | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 27-09-2024 |
رواية جديدة للناشئة للأديبة الأردنية هيا ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 08-09-2024 |
ثورة الذات في رواية لعنة الصفر للكاتبة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 16-08-2024 |
«أبناء الأرجوان» رواية لديانا دودو تحمل ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 04-06-2024 |
السيكولوجية والبوليفونية في رواية ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 02-06-2024 |
إشهار رواية "اعتراف" للروائية ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 18-05-2024 |
حفل توقيع رواية "غيمة" للكاتبة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 11-02-2024 |
«لغة اللافا» رواية جديدة للميس نبيل أبو ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 07-11-2023 |
رواية «سما هبة الله للأرض نساء» للكاتبة ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 02-09-2023 |
«جرعة زائدة».. رواية للفتيان للأديبة هيا ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 28-08-2023 |
قراءة انطباعية لرواية «أنا مريم» لعنان ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 30-07-2022 |
رواية (بوهيميا) لخالدة مصاروة وتأملاتها ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 03-06-2022 |