|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
الإنسان في رواية د. سناء شعلان (أدركها النسيان): ما بين العتبة ودهشةِ الختام د. منى محيلان/ الأردن
عاشقة
الصحراء :
صدرت الطبعةُ الأولى للرواية سنة 2018، وما بين سنة النشر وقراءتي للرواية أشهُر معدودات. وما بينهما مفارقةٌ عجيبة، وهي أن تتزامن قراءتي لرواية (أدركها النسيان) وانتشارَ فيديو لطفل يتيم يعنَّف من قبل ذوي قرابته، وقد أحدث الفيديو في حينها صدمة لكل من شاهده. هذا اليتيم، هو أنموذجٌ لشريحة في مجتمعنا، نضيف إليها اللقطاءَ الضائعين المضيّعين المتصاعدين عددا، والمشتتين وطنا. إن المبدع هو واحد ممن يتلمسون همومَ الناسِ وأوجاعَهم، فيشخّصون الداء، لكنهم يدَعُون العلاج والدواء لكل فرد منا لاسيما المختصون، والمعنيون من أولي الأمر. والرواية التي بين أيدينا هي أنموذج لحالات اجتماعية، تعيش بيننا، من اليتامى واللقطاء. على عتبة العنوان كتبت الروائية مباشرة: بين علامتي تنصيص "حكاية امرأة أنقذها النسيان من التذكر"، هي ومضةُ اختزالٍ لفكرة الرواية أو ثيمتِها الكبرى، ما معنى أن يكون الإنسان يتيما أو لقيطا في عالمنا العربي؟ والصفحة التالية للعنوان: تضمنت ثلاثَ مقولات: نسبتها الروائية إلى ملحمة "مزامير العشاق في دنيا الأشواق": من عشِق حُجةٌ على من لم يعشق، ومن تألم حُجة على من لم يتألم، وعندما تحترق الأوطان يصبح العشق محرّما. وختمت بتعليق "إنه اليتم في كل مكان" ثالوث العشق والوطن والـمَيتم: هي محاورُ متعالقةٌ بُنيت عليها الرواية" فمن حُرِم الوالدان حُرّم عليه الوطن والعشق. بعد صفحة الإهداء، وفي وسط صفحةٍ مفرغة من كل شيء كُتِب في وسطها: بصوت نسائي ضعيفٍ متهالكٍ أضناه الشوق "إنني أراكَ"، وفي نهاية الرواية نسمع صدى صوتِ عاشقٍ كئيب أعياه البحث عن الحبيبة، وفي صفحةٍ مفرغةٍ كُتب في وسطها أيضا "إنني أراكِ" مسبوقةً بكلمة "البداية". وما بين البداية والبداية، وما بين الرؤية والرؤية يتوالى ثلاثون نسيانا متسلسلا رقميا، حمل كلُّ نسيان إضاءتين ألْقتا ظلالا على محتوى النسيان. أولاهما العنوانُ الخاص بالنسيان، وثانيهما نجوم الأوريغامي الملتمعة في مطلع النسيان (الأوريغامي فن طي الورق). فإن أنت تفيّأت ظلال العنوان وجدت أن أعلام شخصيات الرواية احتلت الحيّزَ الأكبر منها؛ وبذلك سلمتنا الروائية مِفتاح كل نسيان: فمن الضحاك سليم إلى بهائي إلى أفراح الرملي فوفا الذيب فثابت السردي فتيم الله الجزيري، ثم تقافزت العناوين ما بين أزمنة وأمكنة وأوصاف وحالات، تعالقت فيها عناوينُ النسيان مع نجوم الأوريغامي السبعة التي استهلّت بها الروائيةُ كلَّ نسيان، احتوت النجوم على مقولاتٍ فلسفية ومنظوراتٍ روحية أو روحانية، وبلغة شعرية من إنشاء بهاء شكّلت ثلاثين برجا من أبراج النسيان. ومن عتبة العنوان لكل نسيان، ونجوم الأوريغامي، ضفرت الروائيةُ لوحاتٍ ورسوماتٍ متحركةً ومقاطعَ فيديو بُعثت من جديد في ذاكرة الضحاك سليم والحبيبةِ الحمراءِ الفاتنةِ بهاء. ابتداءً من الميتم الصغير الذي أقاما فيه ردحا من زمانهما الصعب، إلى الميتم الأكبر الوطن، الذي لم يتسع لهما لإقامة بيت لا يزيد على مساحةِ حُلمٍ لفتاة لقيطة وفتى يتيم، لم يجدا بواكيَ لهما إلا ممن قرأ رواية (أدركها النسيان). وفي كليات الرواية تكريسٌ لما نتداولُه من أن إنسانَنا العربي يبدعُ حين يغتربُ عن وطنه؛ لأنه يجدُ من يتبنى فكرَه ويدعمُه ويتيحُ له مساحة كبرى من الإبداع، لكنه في أوطانِ القمع العربي يتيم، مغبونٌ حقُه في العشق والحياة الفضلى. وبين ثنائية التذكر والنسيان، والاتصال والانفصال، والوطن واللاوطن، والفضيلة والرذيلة، والحياة والموت، تبني الروائيةُ تقابليةً كبرى ما بين حالتين جمعهما فقدان الوالدين وعشقٌ كبير، وفي البَدء كانت الكلمةُ نورا وسلاما، تشدّ وثاقَهما، تارةً حزنا وألما، وتارةً أخرى قهرا وغيظا، معَ كثيرٍ من الحب، وقليلٍ جدا من الفرح، وتسير أقدارُهما ويخرجُ كلٌّ منهما إلى شوارعِ الوطن على تراخٍ زمنيٍّ بينهما، ويُيسرُ اللهُ للضحاك قريبا يتبناه في بلاد الصقيعِ طقسا، لكنها الحارةُ الدافئةُ بالحبِ والرحمةِ والإنسانية، فيجتاز الضحاكُ امتحانَ الحياةِ بتفوق، ويركبُ طبقا وراء عن في سماوات العلمِ والمعرفةِ والثقافةِ والإبداعِ وعالم المال والأعمال، في حين تبقى الحبيبة بهاء مضيّعةً في شوارع الوطن، مغتصبةَ الجسدِ والكلمة. وتتقلبُ صفحات النسيان وتنطوي واحدةً بعد أخرى في حين تنفتحُ نجومُ الأوريغامي نجمةً من بعدِ نجمة، ويصير النسيانُ هو باب الرحمة لمومس شريفةٍ برُغم اغتصاب جسدِها وكلمتها، بالعنف حينا وبالخضوع والاستسلام لواقعٍ أسودَ مرير في ميتم كبير لا يعترف باللقطاء هو الوطن. وتدهشنا الروائيةُ في النهايات المتعددة للرواية، فمن قول قائل إن الضحاكَ وحبيبتَه بهاء، ولدا من جديد وكان بَدء الكلمة بحياة تغمرها السعادة. إلى قولٍ إن الحبيبين استطاعا أن يلتقيا في عالمٍ ما بعيدٍ عن هذا العالم الشرير، وأنهما يعيشان حلمَهما بالحب الأبدي، إلى مقولة مخيفة يتناقلها الأطفال عن الشبحين اللذين يعيشان في القبو،َ يذكرون أن طفلةً حمراءَ ملعونةً وطفلا عاشقا لها مدفونان في تراب القبو بعد أن حبستهما مديرة الميتم في القبو إلى أن ماتا جوعا. إلى ما بعد النهاية حين نرى في أفق بحري ظلين يركضان نحو الرَّحب، فرحَين بالعشق الذي لا يموت... إلى نهايات وبدايات لتقولَ لنا: هي قصص أيتامٍ ولقطاءَ، مهمشين في وطنهم، ومهما تقلبت الأوجهُ والاحتمالاتُ في مشوار حياتهم يبقى عنوانُها القهرُ والانكسار.
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الخميس 22-08-2019 09:46 مساء الزوار: 578
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
قراءة في رحلة (الطّريق إلى كريشنا) لسناء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 14-11-2024 |
قراءة في رواية «النبطي المنشود» لصفاء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 04-10-2024 |
قراءة في بعض رموز رواية «الطنطورية» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 06-09-2024 |
قراءة في بعض رموز رواية «الطنطورية» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 09-06-2024 |
«النبطي المنشود» لصفاء الحطاب رواية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 30-03-2024 |
إطلالة على رواية «العبور على طائرة من ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 22-02-2024 |
قراءة في رواية صفاء أبو خضرة «اليركون» | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 14-02-2024 |
أدب المقاومة الفلسطينيّة عند سناء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 19-01-2024 |
«العبور على طائرة من ورق»... رواية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 19-01-2024 |
رائدة الطويل في رواية «عابرو حريق»... ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 17-12-2023 |
«الشهادة والاحتجاج..» كتاب نقدي جديد ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 26-11-2023 |
الكثافة الشّعريّة وتفاصيل السّرد في أدب ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 15-08-2023 |
نظرات في روايتي «خلق إنسانا» و«أنا مريم» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 15-08-2023 |
قراءة في رواية( عشرُ صلواتٍ للجسد) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 24-07-2023 |
"القدس بالرواية العربية" ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 04-07-2023 |