ترتكز القصيدة في كل انواع الشعر على انماط تشكيل التوليفة الصورية ، مما يتيح للشاعر ان يمارس تحريك كاميرا المتلقي الذهنية
ويعتمد هذا التحريك على رسم محطات المعنى المقصود إيصاله بألوان تجعل الازاحة تكون ضمن حدود تنامي البناء التصوري لدى المتلقي
في قصيدة " كنز الكلام " للشاعرة - فايزه النعيمي - تكشف عن اهم السبل التي تعتمد في عقد الشراكة مع المتلقي من خلال النص الشعري ، اذ تخبرنا في مطلع القصيدة ان هذه الابيات لم تكتب بالطريقة المعتادة والمتعارف عليها ، بل انها قد تمت ولادتها ولادة طبيعية من اقصى فيافي الروح ، فقالت : ( من مهجة اشواق المعاليق مديت .. كف المواصل ياحروف القصيدة ) ثم وعلى نفس وتيرة الكشف المعلن تزيد من ترسيخ هذا المعنى الحقيقي لهذه الولادة بتشبيه جاء في اجمل مضامين الدقة ، اذ قالت في البيت الثاني : ( بيني وبينك صادق الود تثبيت .. مثل الغلا مابين جد وحفيده ) فمن المتعارف والمشهور المتداول عند العرب في توصيفات العلاقات الانسانية انهم يذكرون ان اغلى الابناء هم ابناء الابناء ، والشاعره النعيمي بذلك تؤمن الولوج الى القصيدة من اوسع ابواب الدهشة المدججة بالعاطفة الحقيقية
ثم تقوم بأول تحريك لذهنية للمتلقي اذ تستخدم اوضح وسائل النداء وايسرها واقربها للتوقع والالتفات " عالي الصوت " عندما تقول : ( جيتك غلا وبعالي الصوت لبيت .. لبيك يا نبض الخفوق ووريده ) انها تعود او تستمر في ترسيخ معنى " لب الروح " او الحشاشة ، تقوم بتثبيت دلالة تواجد الهواجس والمشاعر المنادى بها "  اقصى اعماق الروح " في قولها : ( لبيك يا نبض الخفوق ووريده )
تنتقل بعد ذلك بين زهور المعاني والصور في سلاسة واضحة من خلال الموسيقى الداخلية وارتصاف لبناة القصد والأدلاء بدوال التوصيل ، حتى تصل الى ذكر الحقيقة الثابتة في ان : ( الشعر موروث العرب دون تشتيت .. فيه الفصاحه والبلاغه الاكيده ) وكيف يكون الشعر جوهر وكنز الكلام ، والتنفيس عن مكنون المشاعر والصدور  : ( كنز الكلام وترجمه للتناهيت .. وبنك الفخر للي تدنى رصيده )
ثم تقوم بفتح الافق امام  المتلقي عندما تذكر الدليل التأريخي على اصالة وصفاء المحبة في القلوب ، وماهية الوفاء والمبادئ ، عندما تذكر رمز الحب وطهر الانتماء الى القلب المتمثل في ليلى وقيس اذ تقول : ( من عصر ليلى والرجال العناتيت .. اجمل مبادي للوفا نستعيده ) ، مؤرشفة برشاقة موسيقية الامتداد العميق لتأريخ نبل المشاعر والذي اعاد تشييد بيته مبدعي الشعر النبطي في الاردن ، اذ تقول : ( واليوم جمهور النبط شيد البيت  .. في موطني والله علينا يعيده ) .
ان المتتبع الى خطوات سير التوهج الصوري في ايقاع مموسق ممتلئ بروح المعنى والابداع ، يجد ان الشاعره فايزه النعيمي قد كتبت القصيدة كقطعة واحدة ولم تسمح للحيلة النظمية ان تندرج فتفكك هذه التوليفة الرائعة السلاسة ، فتكون بذلك قد اعطت مثالا حيا الى - كيف تولد القصيدة - لا ان تكتب بحرفة .

قراءة :محمد محسن محمد
العراق