|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
رحلة إلى عنوانٍ مفقود- لآمال عوّاد رضوان! منير توما
عاشقة
الصحراء :
يقول أدونيس مُوضّحًا معنى الكلمة في الشّعر: "إنّ للكلمة عادة معنى مباشرًا، ولكنّها في الشّعرِ تتجاوزُهُ إلى معنى أوسع وأعمق، فلا بدّ للكلمةِ في الشّعرِ مِن أن تعلوَ على ذاتِها، وأن تزخرَ بأكثرَ ممّا تعِدُ به، وأن تُشيرَ إلى أكثرَ ممّا تقول". هكذا كانت كلماتُ الشّاعرة آمال عوّاد رضوان في مجموعتِها الشّعريّةِ "رحلةٌ إلى عنوانِ مفقود"، فالكلمة في الشّعر وفقًا لأدونيس، ليست مجموعة متآلفة مِن الأصواتِ، تدلُّ اصطلاحًا على واقعٍ أو شيءٍ ما، وإنّما هي صورة صوتيّة وحدْسيّة، وهذه المعاني نلمسُها في قصائدِ المجموعة الشعريّة هذه، ومعظم القصائد فيها مبنيّة على أساسِ الرّجل للأنثى، باعتبار الرّجل أو الذكر عاشقا للمرأة، أو الأنثى موضوع الخطاب الشعريّ، حيث يتمثّلُ المشهدُ في هذهِ القصائدِ في سيطرةِ نمطِ القصيدةِ الغنائيّة، على مُجملِ تجربةِ شاعرتِنا هنا، فالقصيدة لديها تقولُ بوْحَ الذات، همومَها، صدْمَها إزاء الآخر، وما إلى ذلك مِن خصوصيّاتِ الإنسان العاشق والمعشوق. ولعلّ القضيّة الرّئيسيّة التي تُثري قصائدَ المجموعة سيطرةُ ضميرِ الأنا، وبالتّالي، القصيدة الغنائيّة في مُجملِ المشهدِ الشّعريّ عندَ آمال، إنّما يتمثّلُ في تضخيمِ أنا الشّاعر، لتصيرَ هي المرجعُ الرّئيسيّ لكلّ شيءٍ وهي الحَكَمُ والحالة، وبالتالي، دورانُ ثيمات النّصّ حولَ ذاتِ الشّاعرة، ممّا يُقلّلُ مِن إمكانيّةِ التقاطٍ جمعيّ، لأن الذات لا ترى إلاّ خصوصيّتها وخصوصيّة وعيِها وموقفِها، باعتبار هذا الوعي وهذا الموقف هما الحقيقة الوحيدة المقبولة، وتظلُّ عندَها مهارةُ الشاعرة في البناءِ، وفي التقاطِ اليوميّ وإعادةِ توظيفِهِ، وبناءِ التّفاصيلِ عبْرَ انزياحاتِ اللغة، وعن طريق الصّورةِ الشعريّة ما يُميّز شاعرتنا في هذا الإطار، فالكلمة الشعريّة نابضة بالعذوبةِ والحيويّة. ص 21 – كم موجعٌ ألاّ تكوني أنا": أنوثةً طاغيةً إنّ الأنا في هذا النّصّ الشّعريّ تفرضُ حضورَها على مُجملِ المشهدِ الشّعريّ لدى شاعرتِنا آمال رضوان، ولو حاولنا التوسّعَ فإنّنا نُشيرُ إلى الاقتباس مِن قصيدة "وحدكِ تُجيدينَ قراءة حرائقي" ص 27: منْ إِبطِ القمرِ إنّ حضورَ الأنا يأخذ دورَهُ الفاعلُ والمباشر هنا، دون أيّ ايهامٍ بوجودِ امتدادٍ أو بديلٍ للحضورِ الطاغي للأنا، كما تشهدُ قصيدة "طعمُكِ مفعمٌ بعطرِ الآلهة" ص 31 حيث جاءَ في مستهلّها: كؤوسُ ذكراكِ فنحن نجدُ في الأسطر الأخيرة مِن هذا النّصّ إحالاتٍ إلى الأنا في مواجهةِ ذاتِها. قضيّة أخرى تُثيرُها القصائدُ الغنائيّة في هذه المجموعة الشّعريّة، تتمثّلُ نتاجًا لتمركز النّصّ الشّعريّ حولَ الذات، بالتالي تصيرُ الذات بديلاً للموضوع الآخر، هنا يحدث تغييبٌ للموضوعيّ على حساب الذات، ممّا يتسبّبُ في حدوثِ انغلاقٍ للنّصّ على ذاتِه، حيث توظّفُ شاعرتنا هنا العام في همّها الخاصّ، في تركّزها حولَ ذاتِها بلسان الرّجل المُتكلّم، ومِن هنا تبرز قضيّةٌ مهمّة في قصائدِ هذه المجموعةِ الغنائيّة، والمتمثّلُ في غياب "الثيمات" العامّة، ممّا يستتبع بالضرورة استحالة قراءة العامّ مِن خلال الخاصّ، أي أنّ الخاصّ بتمركزِهِ الشّديد حول ذاتِهِ يفقدُ تواصلَهُ مع العامّ. إنّ الغيابَ الجزئيّ للموضوعيّ العامّ في قصائدِ المجموعة، قد دفعَ شاعرتنا بمهارةٍ وانسيابيّةٍ دافقة إلى تعويض النّصّ في ثيماتها القيميّة العامّة، إلى البحث عن تعويضٍ جماليّ أو فنيّ تمثّلُ في حِرصِها الشّديدِ على إبرازِ الصّورةِ الشّعريّة، والمبالغة في الاعتناءِ بها والتعامل معها باعتبارها هدفًا وليس وسيلة، وكذلك التركيز على الانزياحات اللّغويّة، باعتبارِها لعبة شكليّة أكثر ممّا هي معاناة، علاوة على أنّ الكثيرَ مِن الأنساق اللّغويّة المستخدمة لدى شاعرتنا تتميّز بكثرةِ النعوت أو توالي الصّفات، حيث أنّ مُجمَلَ هذه الصّفاتِ تجيءُ باعتبارِها ضرورةً بنائيّة داخلَ الجملةِ الشّعريّة، يتأثّرُ بها المعنى والمبنى. ومِن أمثلة هذه الصّفاتِ أو النعوت الواردة في قصائد المجموعة، نسيمُكِ الضّوئيّ، كوخي النّاعس، فضاءاتي الجدريّة، مطرًا عاصفًا ص71، دمعة ملجومة، إبائِكِ الوضّاء ص 75، طيني الباكي، رعودك الذابلة ص 80، فضائِكِ المائيّ، تقشّفي الوثنيّ ص 105، وغير ذلك مِن الأمثلة التي يضيقُ بها المكان لذكرها. إنّ ما تكتبُهُ آمال عوّاد رضوان في هذه المجموعة قصائدَ عاطفيّة رومنسيّة مباشرة وعالية، بلغةٍ شفّافة رقيقة يحتلّ فيها الخطاب البؤرة، حيث يظلُّ التركيز على ما نقول وليس كيف نقول، وص 71- 73 مِن قصيدة "للوعةِ العتماتِ نذرتُك": أيا مائيّةَ ابتهالاتي تعتمدُ الشّاعرة في هذه النّصوص أسلوبَ التقاطِ المَشاهدِ الجزئيّة، عبْرَ تصويرٍ مُباشرٍ في الغالبِ لحدَث، واستخدام الاستعاراتِ الآسرة والمجاز اللّغويّ الواضح، وهنا تبرز مهارة شاعرتنا في اختيارِ وتوزيع المشاهدِ الجزئيّة داخلَ العمل. إنّ قصائدَ آمال عوّاد رضوان في هذه المجموعة تعتمدُ أفكارًا تصويريّة، فيها كثير مِن الإحساسِ تجري صياغتها بلغةٍ شعريّة، تعتمدُ الصّورة الجزئيّة التي تتكاملُ معًا، لتُشكّلُ مع نهايةِ القصيدة صورة كلّيّة هي القصيدة ذاتها، بحيث تصبحُ الفكرة الرّئيسيّة في القصيدة هي عنوان القصيدة في الغالب. تمتاز قصائدُ شاعرتنا بالرّغبة في الانطلاق والمغامرة والبحث عن جديد، فهي أقربُ إلى النوستالجيا العاطفيّة الثقافيّة، ويظلّ الشّعرُ في هذه المجموعة أمينًا على جوّ الغنائيّة، بمفهوم بوْح الذات ورؤية الذات، فالآخر في المشهدِ الشّعريّ ما هو إلاّ صورة الذات نفسها، أو ذات الشاعرة تُحاورُ ظلّها الآخر، حتى ولو كان هذا الآخر هو الحبيبة التي تمتزح أو تتداخل دلالتها في قصائد آمال، بين الحبيبة الأنثى والحبيب الرّجل، في مزاوجةٍ لا يكادُ يمكن الفصل بينهما أو تحديدهما. ص 104 قصيدة (عين إبرتي تتثاءبُكِ) صوتُكِ الممشوقُ بربريٌّ وأخيرًا يتّضحُ لنا ممّا تقدّمَ أنّ شاعرتَنا قد أكثرت من استخدام الصّور والأخيلة والاستعارات، التي طغت بشكلٍ بارزٍ على قصائدِ المجموعة، ممّا يضيفُ إلى الرّصيدِ الفنّيّ لشاعرتنا، وذلك انطلاقا لذكرى تجربة عاطفيّةٍ أو إدراكيّة غابرة، ليست بالضّرورة بصريّة، وكما عرّفها عزرا باوند: "إنّ الصّورة هي "تلك التي تقدّمُ عقدة فكريّة وعاطفيّة في برهةٍ مِن الزمن، وهي توحيدٌ لأفكارٍ متفاوتة". أمّا فيما يتعلّق بالاستخدام الطاغي للاستعاراتِ عند شاعرتنا، فإنّ ذلك يُضفي جماليّة على شِعرِها، لا سيّما وأنّ الاستعارة هي بنية مجازيّة أساسًا، والمجازُ يُشكّلُ ركنًا أساسيًّا في الشّعرِ الحديث، هذا المجازُ الذي يُخرجُ "الواقع مِن سياقِهِ الأليف، فيما يُخرج الكلمات التي تتحدّث عنه مِن سياقها الأليف، ويُغيّر معناه فيما يُغير معناها، مقيما في ذلك علاقات جديدة بين الكلمة والكلمة، وبين الكلمة والواقع، مُغيّرًا صورة الكلام وصورة الواقع معّا"، على حدّ تعبير أدونيس. ورُبّ قائل يقولُ في نهايةِ مداخلتي هذه، إنّني لم أتناولْ شِعر آمال عوّاد رضوان بالتفسيرِ في مجموعتِها الشّعريّة هذه "رحلة إلى عنوان مفقود"، فأجيبُهُ بما قاله الشاعر اللبناني هنري زغيب: "كما الحرّيّة لا تُلمَس والعطرُ لا يُلتقط، هكذا الشعر لا يُفسّر بل يُمارَسُ ويُعاش، تَلقّيهِ في الإحساس به، هو هو تفسيرُهُ بكلّ وضوحِهِ، إنّه انفعال وهنا مزاجيّتُه، ولكلّ انفعالٍ إيقاع، غرابة ونضارة تضمّان كلّ المعرفة وكلّ الكون في مزيج عجيب لا يمكن تفسيرُه". وهكذا كانت شاعرتنا آمال عوّاد رضوان في مجموعتِها الشّعريّة "رحلة إلى عنوان مفقود" ذاتَ مزاجيّة انفعاليّة إيقاعيّة هادئة، مِن خلال حرّيّة لا تُلمَس، وعطر لا يُلتقط، فلها منّا أجمل التهاني، وأطيبَ التمنيات بالتوفيق والعطاء والإبداع. " ديوان العرب "
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الإثنين 10-09-2018 09:14 مساء الزوار: 645
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
قراءة في رحلة (الطّريق إلى كريشنا) لسناء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 14-11-2024 |
سيدة الوجع.. الشاعرة التونسية الشريفة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 18-12-2021 |
صورة المرأة بـ«خنجر في البراءة» للقاصة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 02-07-2021 |
(أَعْشَقُنِي) باللّغة بالفرنسيّة بترجمة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 02-05-2021 |
رحلة جديدة لأمل ناصر مع الشعر في …”دقة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 04-02-2021 |
«علامات الحياة» مجموعة شعرية ذات رؤى ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 18-12-2020 |
إشهار رواية «صلاة عاشق» لآلاء سوالمة في ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 13-11-2018 |
إشهار كتاب «روحان في جسد» لآلاء العوران ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 08-11-2018 |
آمال عوّاد رضوان شاعرةُ الرّقّةِ ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الأربعاء 07-03-2018 |
«أعَلَى صَهْوَةِ القلبِ» للشاعرة آمال ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 02-01-2018 |
نقد النقد في التقديم للكتب النقدية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 27-10-2017 |
قراءة في سيرة روائية»مقاش» لسهام أبو ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 29-09-2017 |
الأسطورة في «أسْطُورَةُ الْتِيَاعٍ» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 14-06-2017 |
المتكلّمُ الدّالُّ في آتٍ على ناصيةِ ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الثلاثاء 24-09-2013 |
قراءةٌ في تضاريسِ عنوانٍ مفقودٍ للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الثلاثاء 06-08-2013 |