هذا الجميل الذي يصهرنا بالكون.. بحركة انسيابية طوعاً يقودنا إلى أن نكون.. إلى أن نرى ذواتنا على حقيقتها، فنكتمل بالحب لنشكل كياناً كونياً خالصاً صافياً مليئاً بالنقاء....
الحب ذلك الفاره الفاخر أكبر من أن نحتويه بمقال، وأنّ نعرفه بسطور تلي بعضها البعض؛ لأنه كلٌ لا بعض.. فهو سر الوجود ولولاه لما انوجدت حياة .. ولما انبتت أرض فهو سرٌ كوني أوجدني واياكم الآن لنتعلم سوياً أسرار الكون .. ونقطف ثمار تطور ذواتنا على الأرض...
وكما اتفقنا أن الحب لا يحتمل التعريف به، أيضاً هو لا يحتمل التقسيم كأن تقول، حب رومانسي، وحب مقدّس، وحب مراهق... وغيرها من التسميات، فالحب هو الحب مهما اختلفت وتنوعت التسميات.
في الوعي نحن نقدّم حباً لا مشروط يعني أننا نتعامل مع الأشياء والأشخاص بأن نقدّم الحب بلا مقابل، ويعود علينا باضعاف مضاعفة من الحب بلا حدود من مصدر الدعم اللامحدود من الكون؛ فقد سخّر الله لنا كوناً مليئاً بالوفرة والخيرات، فحيثما تقدّم الحب يعود عليك؛ بحب، وخير، ووفرة، ورخاء عيش، وصحة، وعافية...
اتحدث اليوم عن الحب الذي ينشأ بين اثنين والذي يبدأ بشرارة أراها كونية إلآلهية؛ قادمة خارج الزمان والمكان بلا أي ميعاد وبلا أي توقيت، شرارة تنتج في آن اللحظة في الحضور، تفرض نفسها فتحتل قلبي عاشقين، وكأنها شقي بذرة أنبتت غراسها وراحت تنمو وتنمو إلى أن تينع بالمواجهة والسلوك فالتلاقي والانصهار والانغماس وبالتالي الاكتمال الكوني المبهر.
أراها كظاهرة من ظواهر الطبيعة؛ وظواهر الطبيعة كما نعلم تنتج وفقاً لمعايير وظروف فالمطر ينتج بعد اكتمال دورة المياه وبظروف تهيء تساقطه.. كذلك قوس قزح نراه حينما تظهر الشمس في فضاء مكتظ بالمياه المحمّلة، فالحب هو أشبه بقوس قزح يظهر ضمن شروط طبيعية غاية في الدقة.. ونشوءه في قلب اثنين في نفس اللحظة وكأنه رسم مسار قوس قزح من قلب عاشق إلى عشيقه فبدى لامعاً جميلاً تحسه وتراه لكنك لا تمسكه فهو وقد شرارة لمعت في فضاء عاشقين إما أنّ يعمراها، وإما أن يدخلاها في طور سكون.
فلا تظن من أحببته لا يحبك، كن على يقين بأنه يبادلك ذات الشعور، إلا أنّ ظروف العيش ومعطيات طاقة المحيط الاجتماعي قد تحد أحياناً من تطوّر الشعور لدى طرف دون الآخر، فيبدو الحب بمظهر غير مشترك.
فكيف تنشأ شرارة الحب الكونية ؟!
ما بين التناغم والتماهي تُخلق شرارة الحب، والتناغم لي التماهي، التناغم انسجام والتماهي استغراق وانصهار، والاستغراق هو أن تنحصر ذاتك بكل ما لديك من مشاعر وأحاسيس وتفكير وسلوك في شيء واحد فقط، هذا الشيء هو أنت لأنك مستغرق به لا يمكن فصلكما، وتعبير " الاستغراق " يمكن أن نطلقه حينما يعجز التعبير عن وصف حالتك.
أكونك ، ، ، يعني استغراقي بك ،،، يعني حبٌ إلآهي قادمٌ بشرارةٍ من عند الخالق...
فعندما يصيبك الاستغراق، فإنك بلا حراك إلا مع الآخر.. فأنتم بحركة تماهي تحكمها أنظمة الكون وقوانينها ..
هذا الاستغراق يأتيك بشرارته الإلآهيه لتنخرط به، تستغرق به دون أن تعي بذاتك التي انساقت طوعاً إلى ذات الآخر، فتماهت معها في حالة انصهار ... هذا هو الحب الإلآهي الذي لا يمكنك فكه ولا يمكنك استبداله لأن الآخر فيه هو أنت. انتما كلٌ .. انتما واحدٌ .. انتما الكون بأسره ..فلا تعود ترى وتسمع وتدرك إلا به ومن خلاله .. إنه وعيك على الوجود .. إنه وجودك في الوعي .. فالمحب المستغرق هو واعٍ بفطرة تماهيه لأنه محصنٌ باكتماله بالآخر .. وكأنه جمّع ذاته واجزاءه من الكون فانخرط في الآخر ليعي من خلاله ذاته وذات الآخر كذاتٍ واحدة؛ لا كشيئين ولا كشخصين؛ بل ذاتُ الكمال النابع من شرارة الله...
والاستغراق في حب الله هو انصهار مطلق في ذات الخالق، وهو طريقك الوحيد لأن تكون بقدرة الله فيك محباً للكون بأسره، قادراً جباراً على خلق ظروفك التي تشاء ومكتسباتك التي ترغب، رغم أنّ رغباتك ستتلاشى شيئاً فشيئاً كلما استغرقت أكثر، وكلما سكن قلبك الله، فأصبحت ذات تنبض بحب الله فيك فتتجسد بقوة الله لأن تكون ذالك المستغرق الذي يخلق به الله شرارة الحب الإلهي .. فتنصهر ذاتك بالآخر وبشرارة الخالق تكتملان فتكونها وتكونك وبحالة استغراق لا محدود...
في الحب حقاً أنت انسان بلا حدود كما الكون بلا حدود.. فأنت منصهرٌ تماماً في الجسد الكوني؛ لا زمان ولا مكان يعنيك فأنت في اعلا مراحل الاستنارة التي ما تعلمتها؛ ولكن الحب قادك لأن تستنير، فتكون على طبيعة الإنسان وفطرته بلا حدود بلا قيود متحرراً من شغب عقلك وتصوراتك الذهنية، متحرراً من الزمان والمكان؛ مستلذاً بروعة الحضور... منساقاً الى أعماق الكون، مؤثراً فيه بأعلا درجات التأثير...
فلنستغرق مع الله وبالله في الآخر الذي هو أنت، وأنت هو، فلا فرار يا أصحاب الحب الإلآهي؛ لأن المادة المنصهرة لا تفصل ولا تعود وحتى لو قسّمت ووزعت فهي تحمل الاستغراق في كيانها...
وبعد، فإن الحديث في الحب حديث ممتد لا يفي به مقال ولا يمنحه حقه أي شرح؛ فهو أكبر من أن نسطره هنا أو هناك لأنه سر الوجود الممتد عبر العصور ....
ولكن يقيني الآن بأنني أحبكم بلا حدود....
يارا عويس