قراءة نقدية بقلمي: أكثم جهاد للومضة القصصية (عرب) للكاتب: صلاح عويسات.
====== النص(ومضة قصصية)==========
عرب
ركنوا إلى التاريخ؛ خسروا معارك الجغرافيا.
بقلم: صلاح عويسات/فلسطين
==============================
بما أنّ الومضة القصصية قد أخذت مكانتها الأدبية المميزة في التصنيف الأدبي المعاصر، فقد وجب على الكتّاب مراعاة بنودها من جميع الجوانب، خاصة أنها من السهل الممتنع مقارنة بباقي الأصناف الأدبية، فهي الأكثر تكثيفاً واختزالاً والأكثر إغراءً عند الهواة بالخوض في مضمارها، وذلك اعتقاداً منهم بسهولة السّرد والتطويع عند تناولها، ولكن هذا غير صحيح، فلا يكفي أن نعلم بأن الومضة عبارة عن عنوان وشطرين (النتيجة والسبب) تفصلهما فاضلة منقوطة، هذا أمر نظري مفروغ منه لا تكتمل به روح الومضة من حيث قوة النص والدقة في اختيار العنوان والذي هو مفتاح الومضة ورمز دلالتها وغير كاشف لها ولكن يُفهم مدلوله من ثيمة النص، حينها نعلم إلى أين رمى الكاتب من هذا العنوان، وكذلك متن الومضة وهو عبارة عن شطرين فيهما تكمن مقدرة الكاتب في كيفية سرد الفكرة الرئيسيّة باتجاهين متعاكسين (السالب والموجب) في أقل من ثمان كلمات، تُغني النص بالفائدة المرجوة، علماً بأنّ القفلة في الشطر الثاني وهي الأعمق والأكثر دهشة وذات بريق وهّاج ولافت للنظر والتي بها يضع الكاتب بصمته الخاصة لتصبح ومضته مثار الدهشة والإبهار والتميّز.
-العنوان:
عرب، جمع أعرُب وعُرْب وعُروب.
العرب: أمّة من الناس سامية الأصل، منشؤها شبه جزيرة العرب.
وعرب: اسم نكرة لعنوان كاشف في ومضتنا هذه وفاضح لمتن الومضة، فرغم أن العنوان هو رمز الدلالة ومفتاح الومضة، إلا أنه هنا كاشف بالمباشرة للمتن، فأي الأعراب هم، هل هم العرب البائدة؟ أم عرب الحاضر؟...بالانتقال إلى متن الومضة مباشرة نجد أنها تدل بشكل قطعي على عرب الحاضر وكأنّ العنوان جزء من الثيمة، فمن الذين ركنوا؛ إنهم العرب، إذاً فالعنوان هنا صريح وواضح ولا رمزية فيه ممّا غُيبت الدهشة في لفظه ومدلوله والأفضل اختيار عنوانٍ أكثر عُمقاً وأبعد لفظاً عن جوهر النص، لذا يُنصح دائماً في فن الومضة أن يكون العنوان من صيغ المصدر  وأن يكون مفرداً ونكرة ولا يُستحب استخدام أسماء العلم والدول والجماعات المعرّفة كعناوين، وذلك لصراحتها المباشرة.
-(ركنوا إلى التّاريخ): جملة استنتاجية ونتيجة حتمية لوقوع الحدث...الرّكون مصدر ركن أي الميل والاستسلام والاكتفاء دون عمل مجدٍ، فيقال ركن إلى الشيء أي مال إليه واستند عليه وسلّم ذاته لغيره وفي ذلك دلالة على العجز .
ركنوا إلى التاريخ: تلك الفئة التي أشار إليها الكاتب من خلال العنوان، ما زالت تعتقد (سواء عن قصد أو غير قصد) أنّ أمجاد الماضي ستنفعها وتدفع عنها كل شرّ، وسوف يتحاشاها كل الطامعين فيها، لكن هيهات أن يكون ذلك الاعتقاد رادعاً وحصناً منيعاً لهم من الآخرين، والتاريخ الذي هو دليل اسشهادهم فيه جميع التناقضات فبالإضافة للأمجاد التي يتغنّوّن بها هناك أيضا نكبات ونكسات حلّت بأسلافهم في زمن من الأزمان الغابرة، فتاريخ الأمجاد ليس حكراً لهم، وتاريخ المؤامرات والخسائر ليس ببعيد عنهم، فهل تعلّموا منها واعتبروا، أم مجرّد صفحات مرّوا بها مرور الكرام، وكل اهتمامهم فقط في الإنجازات والبطولات التي حققها أسلافهم لتكون حصنهم المنيع.
-(خسروا معارك الجغرافيا): جملة سببية لنتيجة خاسرة، لماذا خسروا المعارك؟  لأنهم ركنوا للماضي، السبب منطقي وحتمي، وهذا ما حصل فعلاً عندما خسرنا (أرض فلسطين) على سبيل المثال لا الحصر، وهي قطعة جغرافية مسلوبة من جسد الأمة، سلبها الاستعمار، ولم تُسترد حتى هذه اللحظة، فلم تنفعنا الهتافات الرنانة ولا الشعارات الفصيحة في ردع الاستعمار والذود عن تلك البقعة المباركة، حتى تاريخ البطولات الجرّارة لم يشفع لنا تواكلنا عليه، فالتاريخ هو سجل ماض وليس سلاح معاصر نواجه به أعداء الأمة في ظل غياب الاستعداد الحقيقي والتقني للمعارك، لذا تمزق جسد الأمة وأصبح أشلاءً لا يُحسب حسابها، وكل جزء من هذا الجسد للأسف ينسب التاريخ لسجله المتواضع، وكل بقعة جغرافية ممزقة من جسد الأمة تدّعي أنها صاحبة التاريخ الأعظم في صدر الزمان رغم ضآلة حجمها وقلة حيلتها.
كل التحايا للأستاذ صلاح عويسات من فلسطين ومبارك له الفوز وكل الأمنيات بالتوفيق في أعماله القادمة.
_مجرّد اقتراح:
تغيير العنوان لتصبح الومضة أكثر جاذبية وأجمل بياناً:

تشرذم
ركنوا إلى الماضي؛ خسروا معارك الجغرافيا.

قراءة وتحليل: أكثم جهاد/الأردن