|
|
||
|
ستراتيجية النقد ومغزاه الورقة الأولى / بقلم حيدر الأديب
ستراتيجية النقد ومغزاه
الورقة الأولى
(1)
ليس النقد منهجا أو طريقة للمعرفة بل هو شريك الشعر والسرد بوصفه تكاملا في المساحات المكتشفة لهما وعليه فإن ماهية النقد (فلسفيا) هي السعي لأمتلاك حقائق النص المكتشفة بقصد التكامل لا بقصد اثبات مرجعية الكمال للنقد وبالطبع فان النقد العظيم يقبع خلفه منهج بيد ان هذا المنهج هو علائق هذا النقد الشخصية ومعايشته الذوقية للعمل الأدبي وخلف هذا المنهج نسق من أفكار وتواريخ وحقول معرفية
هذه الأفكار تشتغل ضمن علاقة خاصة ولا تعمل بصفتها مقولات ثابتة فالنص هو من يثير الخبرة اللازمة له ومن هنا فالنقد نشاط عقلي كامن في طبيعة الذات وهذه الذات (فعل / تأمل) فالنقد حركة بندولية بين الفعل والتأمل لا تكرر نفسها الا مظهريا لأنها في كل إياب وذهاب تمارس تكاملا في ذاتها وفي النص
تماسك العمل الأدبي في رؤيته للعالم تماسك حركي دائمي بمعنى هو مجموعة من العلاقات تتشكل بمنظور تأويلي أي ان العمل الأدبي يقدم نفسه لا بأعتباره شيئا منجزا أو معطى سلفا بل كشيء يتشكل تحت ابصارنا شيء احالي وترميزي كل همه البحث عن المعنى لذا يميل بورخس دائما الى اضعاف مفهوم المؤلف فليس ثمة ابوة لأن العمل الأدبي تشكل وإعادة تشكل مستمرة فليس للمؤلف الكلمة الأخيرة ولا للناقد
وفي الواقع فان الناقد لا يحاول فرض منظومة من المعايير ساكنة وابدية بل على العكس هويدرك أي ان الناقد ان عمله لا يفتقر الى التفرد فقط بل هو شخصي وهو يتولاه بصفته مغامرة وما يفعله هو إعادة العمل الأدبي الى صفته الأصلية باعتباره عملا مفتوحا وعلاوة على ذلك فان الناقد الحقيقي يجعل اللاواقع والواقع في الكلمات عالما مرئيا هذا الجعل هو ابداع فهو بالطبع لا يخترع العمل الادبي بل وكما يقول اوكتافيوباث ((يخترع أدبا منظورا / منظومة)
يقول الكاتب المكسيكي الفوسفورييس ان (النقد وجود مشروط والشعر وجود شارط وهما متوازيان فالشعر سابق على النقد نظريا فقط)
رغم هذا التوازي والتزامنية مع الابداع فان النقد يظهر في مرحلة تالية هي
مجال العلائق مع العمل الأدبي وهنا فان العمل الادبي لا يكشف معناه الا بنظره تستحدثه ومن هنا ليس النقد لا يتمثل في تأكيد أو نفي قيمة العمل بل هو (نظرة في الزمن تتابع وتغير مثل العمل ذاته المطلق فيه هو اللحظة لكنها اللحظة التي تحمل داخلها سياقا كاملا من الارتباطات والعلاقات هكذا فإن النقد ليس للتحليل الأيجابي بل هو ملكة التحليل التذكري
(2)
الإنسان كائن رمزي بوصفه قادرا على تحويل الفعل والشيء الى صياغة يكون فيها تحقيق الغايات ممكنا
فهو بهذا النظام العلاماتي يخلق العلائق الدلالية كون المعنى يمكث فـــــــــــــي تجدد هذه العلائق وتخليقها
كيف تدرس النص؟ وكيف تطرح أسئلة المعنى عليه؟ كيف توصل النص الى المعنى؟ وما هو المعنى
كيف يتم التعاقد عليه فالمعنى ليس حصة جاهزة من الواقع مودعة فــي لغة ولا هو حصيلة تعبيرية نقطفها
من النص المعنى هنا ما تحركه الأنساق في اللغة والنسق تاريخ مخبئ في معجم المفردة / الفكرة وهذا التاريخ هو ما يحدد المدى الدلالي استعمالا والتأويل هو ما يعيد خلق هذا الإستعمال
ما الذي يؤسس المسافات الحقيقية بين الشيء في نفسه وبين الشيء في ممكناته الأدبية وحيث تكون اللغة هنا الوسيط الأشد خطرا في التلاعب بمقاسات المعاني والتسلل الى شعورنا لترويضه نحو هذه المقاسات. ان هذه المقاسات هي مقاسات متغيرة وهي ما يطلق عليه بالنص الادبي كونها تولد قراءات لا تتطابق مع الواقعة (او بما يمكن ان تتوقعه منها في الوعاء الاجتماعي) التي يتحدث عنها النص لأنه ليس نصا مرجعيا يمكننا ان نصححه وفق الواقعة (الشيء في ذاته) يقول كارلهاينتس شتيرل (يسمح كل نص مرجعي بالتصحيح استنادا الى الواقع فان النص الادبي يترك بينه وبين الشيء الذي يعطى – فاصلا- وهذا الفاصل غير قابل للتصحيح بل هو قابل للتأويل أو النقد فقط.
ان ما نعنيه بعدم قابليته للتصحيح هو (ادبيته) لان الادبية كما افهمه هي التوقعات والمتجهات الغير محسومة
ان ما نعنيه بعدم قابليته للتصحيح هي شروط انتاجه في تجربته الذهنية والنفسية فأننا حين نزعم بإمكانية تصحيح نص فإنما نصحح قياسا الى قيمة أخرى تواضعنا عليها انها قيم مبرهنة سلفا ولكن السؤال هنا ما هو قياس البرهان؟ ان الادب وحده هو الحقل الذي يتقصد المغالطات دائما باعتبارها تمنح فرصة الأوجه الأخرى التي منعتها اقيسة المنطق كيقين مطابق للواقعة او الحادثة ومن طبيعة الادب انه يمتاز بتوظيف المغالطة كنهج خصب في تفعيل المحتملات بالإضافة الى تجريب المتخيل (ماذا لو كان هذا؟) وبهذا فأننا ان بحثنا عن معقولية نص ما فقد حكمنا عليه باليباس ثم الموت
وبتوضيح اخر يقول بوري لوتمان (ان النص الفني يقدم معلومات مختلفة لقراء مختلفين كل حسب فهمه كما انه أيضا يقدم للقارئ لغة يستوعب من خلالها الجزء الموالي من المعلومات خلال القراءة الثانية) وبالتالي فطبيعة النص الادبي نفسها تستدعي فعلا تأويليا وابداعيا من جانب القارئ مما يطرح في آن واحد مشكل الذاتية والموضوعية حيث تعني الموضوعية هنا البحث في قصد المؤلف أو تمثلات قصده في التجارب التي تشابه تجربة النص وظروف انتاجه بينما الذاتية تعني قدرات القارئ باعتباره المسؤول عن إيجاد المعنى وانه القطب الجمالي الذي يسمح للنص بان يتعدد في مشارب الدلالة
وانت تتوجه كذات ناقدة الى /الاخر/ الذي هو هنا ( مساحات مكتشفة ) فلن تنجي الذات الناقدة ذريعة ( الحسنة والسيئة ) لأن الأمر يتوغل الى اعمق من ذلك منبها بعمقه الى إعادة النظر في مفهوم الحسنة والسيئة فالذات الناقدة اذا حكمت بقطع ان النص حسن او سيء فهذا يعني انها تؤسس لها فضاءا مرجعيا والحق انها تمارس عماءا لوعي ذاتها فاذا مدحت النص فهذا يعني انها حازت ما يلبي توقعاتها لأن المدح هو تكوين وعي موجه بفعل نقص الذات الناقدة الى مكملاتها في النص واذا قامت هذه الذات بذم النص فانها مارست الغاءا لشروط ابداعه وحريته وانسانيته والذم هو وعي وصائي موجه للنص بفعل وهم القيم الناقدة لأن ( المفردة / الفكرة ) هي تاريخ طويل في ذهن الكاتب وتاريخ مراقب من قبله قد يصل لشهور وهو يتعايش في ( المفردة / الفكرة ) حتى يصل الى نص تتقبله اللغة واللغة هنا عميل مزدوج سيء السمعة لأنها لحظة تقبلها تاريخ ( المفردة / الفكرة ) لدى الكاتب فانها تولد تاريخا موازيا هو ذخيرة المتلقي واصواته الداخلية تجاه هذ ه ( المفردة / الفكرة ) وهنا يقع الناقد في محنة التعاقد على المعنى بين تاريخين وتنصرف الحسنة والسيئة الى كونها واجهات تمثل موجهات الوعي وكي يأوي النقد الى جبل يعصمه من الوقوع في فخين تاريخيين للمعنى عليه ان يعي ان ماهية النقد ( فلسفيا ) هي السعي لأمتلاك حقائق النص المكتشفة بقصد التكامل لا بقصد اثبات مرجعية الكمال للنقد
يرى بلو مفيلد (ان الدلالة الثانية تتأسس على علاقة ذاتية بين اللغة ومستعملها من خلال مجموعة من العوامل الانفعالية والذاتية اللامحددة التي تصاحب الدلالة التصريحية. وهي تحمل معلومات عن ذات المتكلم تتعلق بشحنات عاطفية او احكام تقويمية يمررها المتلفظ داخل ملفوظه وتقابل الدلالة الثانية الدلالة التصريحية من جهة كونها الدلالة المعجمية الاصلية والدلالة الثانية او المصاحبة هي المعنى المضاف الذي يتعايش مع المعنى الاولي في كنف اللفظ الواحد)
في الإطار نفسه ينبه كوهين ان العلاقة بين الدلالتين هي علاقة تنافر تام فلا يتأتى للدلالة الثانية ان تظهر الا بغياب الدلالة التصريحية والعكس صحيح وعليه فان المدلول الثاني لا ينشأ الا إذا استبدلنا ارتباط الدال بمفهوم بين الدال نفسه وما هو عاطفي وهكذا فان الجمل لا تبدو عاطفية او خاطئة الا من وجهة النظر الموضوعية - المرجعية لكنها تبدو تامة الصحة من وجهة نظر ذاتية انفعالية.
نحن نقول ان وجهة النظر الانفعالية هي معايشة ذوقية لتاريخ الدال في منظومة الكاتب المعرفية تنبثق كلحظة وعي وهي تحمل معنى تاما لان المعنى بحسب هايدجر هو صعود الذات من مرتبة وجودية الى مرتبة وجودية اخرى لذا فان الانفعال هو من سنخ مرتبته وهذا الانفعال هو ما ينتج المدلول الثاني الذي تربى بهذه المرتبة من الفهم ويمكن ان نتخطى مقولة كوهين في التنافر اذ يمكن ان يدل الدال على اكثر من مدلول حسب مستوى تعدد الوجوه لان الدلالة الثانية هي مرتبة وجودية غير مرتبة الدلالة الاولى وقد تكون من ذات المرتبة الا ان السياق والقرينة ترجح احدهما
الكاتب: حيدرالأديب بتاريخ: السبت 18-07-2020 08:11 صباحا الزوار: 64 التعليقات: 0
|
|