|
|
||
|
قراءة نقدية للناقدة منوبية الغضباني لقصيدة الشاعرة حسناء حفظوني "نسيت وجهي حين العناق"
قراءة نقدية للناقدة منوبية الغضباني لقصيدة الشاعرة حسناء حفظوني "نسيت وجهي حين العناق"
نسيت وجهي حين العناق ///
لأني كل مرة أغازل فيها عيون الزمن يتعثر حين العناق في الأمنيات فيسقط على وجهه أمامي أخذت وجهي من صولة عينيه ركضت ركضت دون التفات سقطت كزماني بمنحدر الهلاك في هوة الموت رأيت وجهي بين جموع الوجوه الغريبة تفرست في ملامحهم كانت أفواههم أكبر من الحقل وكان الحقل يغرق في الوحل لملمت بقايا وجهي ركضت ركضت ألتمس النجاة تعثرت حين الفراق في جماجم الموات
لأني في كل مرة أغازل فيها عيون الوطن يتعثر حين العناق في الأمنيات فيسقط على وجهه أمامي رأيته يبكي بحرقة الدمعات ملوحا بشاله الأحمر وكانت عيونهم على شاله نسيت وجهي حين العناق صرخت صرخت من وجع الآهات أن خذوا وجهي المهشم رمموا به سقف جبينه المحطم أن خذوا ماء عيوني و أعيدوا اليه ماء الحياة وكانت عيونهم على صوتي تعثرت حين الصراخ في مقابر السكات
بقلم الشاعرة :حسناء حفظوني //
يقال "النّص بؤرة قضايا" وهو بهذا المفهوم حيز مزدوج بين ماهو ذهني ونفسي وبين ماهو مادي وميتافيزيقي ... ونصّ الحال للمبدعة التونسية"حسناء حفوظي " في الكثير من مواطنه السّردية يقتحم بنا ما في داخلها من قلق وتوتّر وماهو شديد الوطأة عليها وقد جاء عنوان النّص "نسيت وجهي حين العناق"ماسكا بأبعاد سيكشف عنه لاحق النّص ليمكّننا من أسراره وقضاياه وبؤره .. فالعنوان كعتبة هامّة لولوج النّص يحيلنا مع سياق ممكناته التأويلية الى ادراك معنى "نسيان الوجه عند العناق "بمتعته الفنية وزخم ثرائها الدلاليّ..فمنذ مصافحة العنوان تشع اجواء جميمية ذاتية يغلب عليها قضية وجدانية انفعالية بين العناق كفعل حس حركي يتمثل في ضمّ للصّدر تعبيرا عن شدّة الحبّ والوله وبين "نسيان الوجه"فالكلام هنا يفترض الكلام الآخر للنّص في احتمالات شتّى فإمّا أن يكون نسيان الوجه حين العناق لفرط المتعة والتّلذّذ به وإمّا أن يكون لأمر نقيض ويجيئ الجواب مباشرة في أول مصافحة لنص مبدعتنا لأني كل مرة أغازل فيها عيون الزمن يتعثر حين العناق في الأمنيات فيسقط على وجهه أمامي فلام التعليل التي استهلت بها المقطع الأول هي لنا نحن المتلقون للنّص وقد تكون للكاتبة في وعي بذاتها وما ترسب في دواخلها من رؤى فملفوظ هذا المقطع نسيج دلالي بامتياز ورمزي يتزاحم في الذات الكاتبة بضغوطاته وهيمنته عليها ... وهي تدين هذا الزمن الذي كلّما غازلت عيونه وعانقته يتعثّر العناق ويرتدّ ليسقط على وجهه أمامها فالمجاز والأستعارات المتحركة داخل أطر المقطع تشدّنا منذ البداية الى بؤر النّص بصورة مغرية مراودة تقذف بنا بقوّة في ثنايا مساراتها تبدو تصاعدية في تأزّمها ونموّها .. فنعي أنّ نسيان الوجه هو بسبب تعثّر الأمنيات .. وتتوسّع دوائر النّص وتجلياته لتجيئ بتنافرها و بعتّويها موضحة مقاصدها أخذت وجهي من صولة عينيه ركضت ركضت دون التفات سقطت كزماني بمنحدر الهلاك في هوة الموت رأيت وجهي بين جموع الوجوه الغريبة تفرست في ملامحهم كانت أفواههم أكبر من الحقل وكان الحقل يغرق في الوحل لملمت بقايا وجهي ركضت ركضت ألتمس النجاة تعثرت حين الفراق في جماجم الموات فاعتمادها استراتجية الوصف تضخيما وتهويلا ورفدها في متنها اللغوي بالأفعال التّالية (ركضت...سقطت..تفرست..لملمت ..تعثرت")لتشير الى مسيرة كائن في رغبته في الوجود والثبات والإستقرار وما حفّ بهع من خيبات ...وقد منحتها زمن الماضي بصيغة المتكلم المفرد لتمنحها الحركية والتمظهر ...فندرك أنّ العناق مع هذا الزمن رمزجليّ في ملحمة الكائن مع الحياة ...مع الأمان ...مع الوطن مع المدى المفتوح على رحابة أفق ترغبه مبدعتنا .. وقد ألّفت الكلمات "منحدر الهلاك...هوّة الموت..الوحل ..جماجم الموت " نفورها مع تمنياتها ورغباتها .. فصوت الإرادة وصراخ الحياة في هذا المقطع وأن بدا خفيّا مستبطنا في أعماق ذات مبدعتنا فهو مضطرم ومشتعل في خضم النص بتجليات وتمظهرات وخبرة ذات فرادة خاصة ..."أفواه أكبر من الحقل.تفرست في وجوههم .ركضت ألتمس النجاة " ولأنّ مدخل النّص هو منفذ الخروج تعود حفيظة لاستعمال "لا التعليل "في فتح مغالق النص وكذلك غلق منافذه فهي تقول لأني في كل مرة أغازل فيها عيون الوطن يتعثر حين العناق في الأمنيات فيسقط على وجهه أمامي يتشكل النص فاتحا دوائره فيوقع بنا في أحابيل أطراف الحكاية الأصل الوطن هذا الذي يورطنا في حبّه ...نعانقه...نغازل عيونه.... يتعثر حين العناق في الأمنيات ...لكنه لا يطالها ولا يقبض عليها ... "يسقط على وجهه أمامي" وهي صورة قوية جدا استعارتها مبدعتنا تعبيرا عن اوضاع يعيشه الوطن ويقاسي منها الفرد والجماعة رأيته يبكي بحرقة الدمعات ملوحا بشاله الأحمر...وعيونهم على شاله ....نسيت وجهي حين العناق .." فقد عبرت بهذه الجمل عن حالة الاحباط والهموم التي تثقل هذا الوطن الباكي المنتحب وقد استعملت نفس العبارات التي صورت بها حالتها للإنباء عن حالة الوطن في تلويح ذكيّ ومتميّزلهذه العلاقة الذي لا تنفصم عراها بينها وبينه والتي لا تجعلها مستقلّة بأحزانها الشّخصية والفردية .. لكن لحظة الأمل والتّحدي تصعد من الخيبات فتختم نصها بهذا المقطع صرخت صرخت من وجع الآهات أن خذوا وجهي المهشم رمموا به سقف جبينه المحطم أن خذوا ماء عيوني و أعيدوا اليه ماء الحياة فيختفي الشجن والإستسلام ...لتخلق حالة فطوعا صرخت وتحت وطأة التشظي على حال الوطن "أن خذوا وجهي المهشّم " في تدليل على ما آل إليه حالها وما ناله هذا الوجه الجميل من تهشيم وانكسار والذي عوض أن تهتم به لتعيد له بريقه وألقه فهي تمنح ماتبقّى منه للوطن... وكم تبدو الصورة جميلة وشامخة على استعصاء ترميم المحطّم بالمهشّم ...وعودة ماء الحياة بماء عيون شحّ دمعها وجفّت ينابيعه ... أمّا القفلة فقد جاءت بجهامة الصّمت ووحشة المقابر ... وكانت عيونهم على صوتي تعثرت حين الصراخ في مقابر السكات هيّجت صديقتي وابنة بلدي تونس الخضراء في دمي وطن العظماء ووطن النجاحات ...سيزول التقهقر والإرتداد نحو هاوية الفشل وسنبني بسواعدنا الغنج....بعزائمنا مجده التّليد... وثقي أنّ نصّك الجميل سري بي كمتلقيّة في صمت وثبات رافضا منطق الهزيمة والإستسلام ...فنحن المورطون في حبّ هذا الوطن بمقدورنا أن نعيد له مجده شكرا حسناء حفوظي على النّص الجميل الذي غطّى مشاعري وأحاسيسي بأروع الإرتسامات رغم شجنه ... منوبية الغضباني ...تونس حصريا مركز عرار للدراسات الأدبية والنقدية والنقد المقارن الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الإثنين 21-12-2020 06:14 مساء الزوار: 390 التعليقات: 0
|
|