د. محمد عبدالله القواسمة وقفت منبهرًا أمام هذا الكتاب الموسوم بـ»رسائل الحكمة المقدسية»،(عمان: المؤلف، 2019) الذي ألفه الأستاذ أحمد حسين السُّويطي متوخيًا فيه أساليب الأقدمين وطرائقهم في الكتابة والتأليف؛ إذ يتناول الكتاب موضوعات في علوم ومعارف شتى؛ في الحيوان والتراث الشعبي والتربية والتاريخ والجغرافيا والفقه والأدب والسياسة والحكمة والرحلات والسيرة، ويحمل كل مقال عنوان رسالة، وقد بلغ عدد رسائل الكتاب سبعًا وثمانين رسالة، يتنقل السويطي في تقديم كل منها بين الأمكنة والأزمنة، مهتمًا بالحاضر المعيش، مستخدمًا للوصول إلى المعرفة العقل تارة، والقلب تارة أخرى، وفي بعضها الآخر يزاوج بين العقل والقلب، أو أنه على حد تعبير الصديق إبراهيم العجلوني في تقديمه الكتاب يجمع بين الرؤية والرؤيا.هكذا يتسع الكتاب ليكون موسوعة معرفية في ستمئة صفحة ونيف من القطع الكبير. وإذا كان الكتاب يبهرنا بتعدد موضوعاته، وكثرة صفحاته في هذا الزمن العنكبوتي فإن المؤلف السويطي يثير إعجابنا به وتقديرنا له بأنه ــ أمد الله في عمره ــ قد بدأ الكتابة والتأليف في فترة متأخرة من حياته، وقد تجاوز الخامسة والسبعين من العمر عندما أصدر كتابه الأول وهو» روضة الدر المكنون» عام 2016م، وهو على شاكلة هذا الكتاب وضخامته، وإن كان الفكر الصوفي هو الغالب على موضوعاته. في هذا الكتاب رسائل الحكمة المقدسية» نستطيع أن نتعرف إلى حياة السويطي من خلال قراءتنا الرسالة الأولى» «عرضة الفرس» فيرد في ثنايا حديثه عن الخيل وإعجابه بها ذكر الواقعة التي مر بها، وهو في السادسة من عمره عندما استطاع أن يغافل أحد الرعاة ليقوم بامتطاء فرس والده التي تركها عند ذاك الراعي.لقد استطاعت الفرس أن تحمله إلى بلدته دورا من قضاء الخليل، وتصل به سالمًا إلى بيتهم. ويعود ذلك كما يقول إلى أصالة تلك الفرس التي حافظت على فارسها الصغير. وعلى غرار الكتب القديمة فإن المؤلف يتنقل من موضوع إلى آخر في الرسالة الواحدة، ويستخدم الشعر في متن رسالته.وتكاد لا تخلو أي رسالة من الشعر؛ ففي المقالة السابقة، على سبيل المثال، يتحدث عن الخيل وصفاتها وأهميتها للعربي في العصور السابقة، وحرص العرب على تربية أولادهم على ركوبها، ويذكر قول المتنبي في وصف خيل سيف الدولة: وصول إلى المستصعبات بخيله فلو كان قرن الشمس ماء لأوردا وفي رسالة أخرى وهي الرسالة الخامسة «المغيام والمشماس» يتبين لنا بأن السويطي درس في الكتاتيب، والتحق بمدرسة دورا في الصف الثالث الابتدائي، وأنه أنهى الدراسة الثانوية سنة 1959. وفي الرسالة نفسها يتحدث عن علاقاته الاجتماعية في البلدة، وبخاصة بذلك الشيخ المتصوف الذي انعزل في كهف خارجها. ثم بعد الحديث عن الطبيعة وجمالها،وتعاقب الفصول، والحياة والموت، وعوامل التعرية وغيرها يتذكر السويطي أيام صباه التي قضاها في ربوع تلك البلدة الجميلة، ويذكر واديها المحاط بجبلين، هما المشماس الذي تشرق منه الشمس، والثاني المغيام الذي تكثر عليه الغيوم. إنه يذكره بالواد الأندلسي الذي وصفته الشاعرة الأندلسية حمدونة أو حمدة التي مطلعها: وقانا لفحة الرمضاء واد سقاه مضاعف الغيث العميم لا شك في أن هذا الكتاب ينبئ بثقافة السويطي الموسوعية، بما يحتوي من معلومات كثيرة، ومعارف وعلوم شتى، لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى فهارس بالأعلام والأماكن والموضوعات التي تناولها، وتحقيق ما ورد فيه من أشعار. إن افتقاد الكتاب إلى هذه الفهارس، وسط تداخل الموضوعات وتنوعها، يجعل الوصول إلى المعلومات التي يريدها القارئ صعبًا وشاقًا؛ مما يقلل من فائدة الكتاب وأهميته. لكن، مع هذه الملاحظة، التي أجدها ضرورية، فإن السويطي يستحق التقدير على إنجازه هذا السفر الثمين، الذي أظهره مثالًا بارزًا على أن الإنسان يستطيع، حتى في سن متأخرة، أن ينجز في الحياة ما لم يستطع غيره من الشباب أن ينجزه.