|
عرار: عرار - الشرق الاوسط: مع تصاعد نيران الحرائق حول محيط مقر مجلس الوزراء المصري بالقاهرة أمس، كان «تاريخ مصر يحترق»، وذلك بعد اشتعال النيران بالمجمع العلمي والجمعية الجغرافية المصرية، نتيجة الاشتباكات التي استمرت منذ فجر الجمعة بين المعتصمين أمام مجلس الوزراء وقوات الجيش والشرطة العسكرية. ويعد مبنى المجمع العلمي مبنى أثريا، حيث تم تسجيله كأثر إسلامي منذ عام 1987، وقد أسسه القائد الفرنسي نابليون بونابرت بهدف العمل على تقدم مصر العلمي ونشر العلم والمعرفة في مصر، بالإضافة إلى رصد الأحداث التاريخية ودراسة الحياة الأثرية في مصر. وبحسب الباحث في التراث المصري، هشام عبد العزيز، يعد المجمع العلمي أقدم هيئة علمية في العالم العربي، حيث تأسس في 20 أغسطس (آب) 1798 ميلادية أي بعد قدوم الحملة الفرنسية على مصر بـ41 يوما فقط، انتقل بعدها إلى الإسكندرية سنة 1859 ثم عاد للقاهرة عام 1880، وكان المجمع قد أهمل بعد خروج الفرنسيين عام 1801، وضربه الإهمال حتى اهتم به الخديوي محمد سعيد في عام 1856 واستقدم لتطويره مجموعة من الخبراء الأجانب، ليصبح شعلة نشاط في تطوير الحياة العلمية في مصر. ويضيف: «يضم المجمع مجموعة من الخرائط النادرة لمصر ورسوما نادرة أعدها علماء الحملة، إلى جانب اختراعات دقيقة لهؤلاء العلماء، إلى جانب مكتبة ضخمة بها 200 ألف كتاب في مختلف العلوم والآداب، من بينها 40 ألف كتاب من أمهات الكتب النادرة». كما يضم مبنى المجمع العلمي المصري النسخة الأصلية من كتاب «وصف مصر»، وهو عبارة عن 20 مجلدًا بعنوان «وصف مصر أو مجموع الملاحظات والبحوث التي تمت في مصر خلال الحملة الفرنسية»، تمت كتابتها وتجميعها من قبل مائة وخمسين عالما، وأكثر من ألفى متخصص، من خيرة الفنانين والرسامين والتقنيين، الذين رافقوا القائد نابليون بونابرت إبان الحملة الفرنسية على مصر (1798 - 1801). وتعد مجموعة «وصف مصر» أكبر وأشمل موسوعة للأراضي والآثار المصرية، لكونها أكبر مخطوطة يدوية اشتغلت عليها كتيبة من الدارسين والأكاديميين، الذين رافقوا نابليون، ويحتوى على أحد عشر مجلدا من الصور واللوحات، وتسعة مجلدات من النصوص، من بينها مجلد خاص بالأطلس والخرائط، ويعتبر عملا بارزا، كان له الفضل الريادي في مجالات الدراسات المصرية على وجه العموم. النيران أيضا التهمت أجزاء كبيرة من مقر الجمعية الجغرافية المصرية، التي أصدر الخديوي إسماعيل في منتصف عام 1875 مرسومًا بإنشائها لتكون صرحا من صروح مصر الحديثة، حيث تعد أقدم تجربة عربية لاستنهاض المجتمع المدني العربي العلمي ليلعب دورا في صياغة البعد الاستراتيجي لمصر نحو منابع النيل، وفي مشاركة الغرب في التقدم العلمي في علوم الجغرافيا والجيولوجيا والاستكشاف. وانتقلت الجمعية إلى مكانها الحالي عام 1925، وهو مبنى تاريخي يعود للقرن التاسع عشر شغلته لفترة من الزمن وكالة حكومة السودان، وسجل هذا المبنى أخيرا في عداد الآثار المصرية لروعته المعمارية وزخارفه الفنية المميزة. وافتتح المبنى رسميا في ذكرى العيد الخمسين لإنشاء الجمعية الجغرافية الملكية المصرية، وحضرت هذا الحفل وفود الجمعيات الجغرافية المشاركة في المؤتمر الجغرافي الدولي الثاني عشر الذي احتضنته مصر لأول مرة وافتتحه الملك فؤاد الأول. ويتكون مبنى المقر من جناحين وطابقين، وبكل جناح منهما حجرات وصالات استخدمت مكاتب أو مكتبات أو صالات عرض، وفيما بين الجناحين بهو تم إعداده على هيئة قاعة محاضرات. يشغل الطابق الأرضي من الجمعية في الوقت الحالي قاعات المتحف الإثنوغرافي، الذي يرصد التاريخ الاجتماعي للمصريين، حيث يضم قاعة خرائط وقاعة أخرى خاصة بأفريقيا، وقاعة قناة السويس بالإضافة إلى المرافق الخدمية ومخزن المطبوعات، كما يضم «المحمل النبوي» الذي كان يحمل كسوة الكعبة كل عام منذ عهد دولة المماليك حتى بداية عهد جمال عبد الناصر، وبعد الحج كان يعود المحمل حاملا الكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالجديدة. وتصدر الجمعية نشرة تتضمن جهود الكشف الجغرافي، والرحلات، والتوثيق، وملخصات الأعمال العلمية في كل ما يتعلق بالعلوم الجغرافية عن أفريقيا، كما تيسر الجمعية الرحلات الكشفية في أفريقيا، وتشجع بصفة خاصة الدراسات المهتمة بالأنشطة الصناعية والتجارية في مصر وفي المناطق التابعة لها والبلدان المجاورة. كان مجلس الوزراء قد نعى المجمع العلمي المصري الذي تعرض للاحتراق وأكد أن من أشعلوا النار في المبنى الذي يضم تاريخ مصر هم قلة ستتم ملاحقتها ومحاكمتها، وعبر المجلس في بيان أصدره أمس عن بالغ الحزن والأسف والاستنكار للاعتداء الذي تعرض له المجمع، معتبرا إياه كنزا من كنوز التراث القومي. وأكد البيان أن ما يزيد من الأسف والحزن والاستنكار أن المجمع العلمي وما يحتويه من تراث علمي لن يعوض، ويمثل رمزا فريدا لحضارة مصر وتوثيقا تراثيا لتاريخها الذي بهر العالم أجمع، منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، وأن يأتي هذا الفعل على يد قلة هدفها النيل من حضارة هذا الوطن. وأوضح البيان أن مجلس الوزراء وجه هذا البلاغ إلى الأمة المصرية ليكون كل مصري ومصرية على أرض هذا الوطن عينا حارسة وحامية لتاريخنا وتراثنا إلى جانب مؤسسات الدولة وسلطاتها. من جانبه، قرر الدكتور محمد إبراهيم وزير الآثار تشكيل لجنة برئاسة رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية لإجراء معاينة عاجلة لمبنى المجمع العلمي، وقال الوزير إن اللجنة ستقوم بإعداد تقرير مفصل وعاجل عن الأضرار التي لحقت بالمبنى من جراء الحريق. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الأحد 18-12-2011 08:07 مساء
الزوار: 1995 التعليقات: 0
|